في انتخابات عام 1954، استطاعت القوى الوطنية والديمقراطية، ومن ضمنها حزبنا الشيوعي العراقي، الفوز بأحد عشر مقعداً في مجلس النواب العراقي، المصنّع آنذاك في دهاليز الحكومة والسفير البريطاني. إلا أن "نوري سعيد" رئيس مجلس الوزراء لم يستطع تحمل هذا العدد من ممثلي المعارضة الوطنية في البرلمان، على ضآلته، ورغم أن بقية أعضائه كانوا من الامعات والتابعين للحكومة وأسيادها. فقام بحَلّه بعد الجلسة الأولى اليتيمة، وأعاد "الانتخابات" المرسومة سلفاً، لتخلو هذه المرة من أي ممثل للقوى والأحزاب الوطنية.
يبدو أن "ديمقراطية" نوري السعيد هذه، حظيت باعجاب العديد من قادة وأعضاء الكتل المتنفذة اليوم، وبالتحديد من قبل الذين تجاوزهم قطار الفوز، وتركهم في محطات مهجورة.
لا أحد يجادل في أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما هو حال كل الانتخابات السابقة، شابها التزوير، وشراء الذمم، والتلاعب بالأصوات، وهو ما يجب معالجته، ووضع حدّ له.
لكن السؤال الذي يريد البعض تجنبه، من أجل نحر الحقيقة على مذبح الأطماع الفردية، هو: هل أن هاجس "ائتلاف الخاسرين"، إحقاق الحق فعلاً، وقطع دابر التزوير والمزورين، كما يدعون، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
القاصي والداني من العراقيين يعرف أنها كلمة حق يراد بها باطل، لان هؤلاء المعترضين، وحماسهم الملفت للنظر، لا سيما تحقيق النصاب الكامل في الجلسات المفتوحة لمجلس النواب، لا هدف لهم سوى العودة اللاميمونة الى البرلمان والحكومة، لأنهم أدمنوا السلطة والتمتع بمزاياها الاستثنائية على حساب الشعب والوطن، بينما لم يحضر منهم سوى خمسين نائباً الى الجلسة الخاصة بمناقشة أزمة المياه الخطيرة والمصيرية.
والسؤال هنا يلد السؤال: من الذي شرّع قانون الانتخابات الجائر، وشوه نظام "سانت ليغو" الانتخابي؟ ومن رفض إشراف القضاة على العملية الانتخابية، وأصرّ على إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية؟
ومن رفض العد والفرز اليدوي، وأصرالآن على العودة اليه؟، وأمر بصرف عشرات الملايين من الدولارات، إن لم تكن بالمئات لشراء أجهزة العد والفرز، وتسريع النتائج؟
هل الذي قام بكل ذلك هم عمال المسطر في ساحة الطيران؟ أم فلاحو ناحية سيد دخيل، أم النازحون في مخيمات الذل وهدر الكرامة؟
ألستم أنتم أيها النواب "المحترمون" من فعل ذلك مع سبق الإصرار والترصد؟ فماذا عدا مما بدا؟ ولا نريد التذكير بأن العديد منكم كان بارعاً في التزوير في الانتخابات السابقة، وربما في هذه الانتخابات أيضاً، لكن الحظ لم يحالفكم!
أن من أهم الأسباب التي أدت الى خسارة البعض في هذه الانتخابات، هو أن الناس لم تعد تثق بهم، لفشلهم في الوفاء بأصغر الوعود وأكثرها تواضعاً، ولأنهم سرقوا أموالهم، وأوصلوهم الى حافة الهاوية، فجرت معاقبتهم بمقاطعة الانتخابات، وهذا أضعف الإيمان، أو بعدم انتخابهم ودفنهم في مقبرة النسيان.
أن التدقيق في نتائج الانتخابات، وإدانة التزوير الذي حصل فيها، ومعاقبة المزورين، مطلوب من الجميع، على أن تكون النوايا صادقة، وليست لغاية في نفس يعقوب أو عبعوب.

عرض مقالات: