الغريب في الأمر أنك تجد أناساً لا يعرفون معنى العيش بسلام وتفاهم ومحبّة مع الآخرين، إذ أنهم لا يجدون أنفسهم إلاّ في خضّم المشاكل والفساد والمزيد من الدماء والخراب!

في طفولتي وصباي اللذين عشتهما في قرية جنوب الجنوب كان هناك من أترابنا في العمر من يعيثون فسادا ويختلقون المشاكل فيما بيننا. كنا نشكّل فريقا لكرة القدم لنلعب ساعات الفراغ في ساحة وسط الحوز ــ اليابسة المحصورة بين نهرين ــ حيث تمتد هذه الأحواز من مركز قضاء الفاو حتى رأس البيشة عند تخوم الخليج العربي، وكان فريقنا هذا مكوّناً من فئة عمرية متقاربة.

كان يلعب معنا شابان أو ثلاثة دائما ما يثيرون المشاكل فيما بيننا ومع الفرق الأخرى ويعيثون فساداً في مسيرة الفريق. وما أن نحاول إبعادهم عن الفريق حتى نجد ساحتنا في اليوم التالي قد امتلأت بالزجاج المكسور تارة، وغارقة بالمياه اخرى، هذه الأفعال تأتي من قبل الفاسدين الذين نبعدهم عن الفريق بعدما نقرف ونشمئز من أفعالهم و( خربطتهم ) التي تجلب لنا الخسارة مرّة وعزوف الفرق الأخرى عن اللعب معنا مرّات!

هؤلاء مبدؤهم ثابت: أما أن يلعبوا وفق رغبتهم وطريقتهم التي تجرّ الويل والثبور علينا، أو يعيثوا خرابا ودمارا في ساحتنا ليحرمونا من ممارسة هوايتنا التي نحب، والتي أحبنا الناس بفضلها لما عندنا من مبادئ وقيم وأخلاق وحسن نوايا في كل خطوة!

تذكّرت الفتيان  العابثين أولئك وأنا أسمع ما حدث قبل أيام من رمي عبوة ناسفة في حديقة مقر الحزب الشيوعي في الأندلس، لا لشيء سوى إثارة البلبلة والرعب وتثبيط عزيمة الرجال الذين اقسموا أن يعيدوا البلاد إلى جادة الخير والبناء بعيدا عن المحاصصة والفساد واللعب على وتر الطائفية البغيضة التي أكلت الأخضر واليابس وعاثت بطول البلاد وعرضها خرابا..

الحقيقة أقول :ـ على مَنْ أُبعد عن الملعب أن يعيد حساباته ليرى إلى أي مدى وصلت البلاد نتيجة الفساد وسوء التصرف، حيث انعدام الخدمات بجوانبها كافة  (الكهرباء، الماء، الصحة، المجاري، النظافة... الخ) وارتفاع نسبة البطالة وتوقف الصناعة والتجارة والزراعة وتردي التعليم وإهدار أموال طائلة كان بالإمكان أن تبني بلداً مزدهرا يزخر بكل شيء!

إشاعة الدمار  والاحتراب يعني استمرار نزيف الدم والخراب، واستمرار تدنّي الخدمات وازدياد نسب العاطلين  وانهيار كل ما يمت للحضارة والتطور والعمران بصلة.

علينا أن نرمي بكل شيء وراء ظهورنا ونفتح قلوبنا بعضنا للبعض الاخر، ونمد أيادينا لنتشارك في البناء سواء فزنا أو خسرنا في اختيار الشعب ، لأنه الحكم الفيصل وهو الذي يريد السعادة والخير والخبز.

علينا أن نكون عراقيين حقيقيين ونبعد عن قلوبنا البغضاء والحقد والطائفية والمصالح الذاتية والفئوية، ونتصالح بقلوب صافية وضمائر لا تحمل غير حب العراق وناسه، لأن العراق وشعبه أهم وأبقى من كل شيء..