تعتبر السياسة الاقتصادية الرشيدة للحكومة العراقية المنتظر تشكيلها في الايام القادمة واحدة من ابرز المحاور في برنامجها الاصلاحي العام بعد ضياع الفرص على مدى خمسة عشر عاماً شهدت خلالها عمليات سرقة وهدر للمال العام غير مسبوق في نظام محاصصي كان الغرض منه توزيع الثروة بين ممثلين مزعومين للمكونات المجتمعية .
ولعل الخطوة الاولى في اية عملية للاصلاح الاقتصادي تتمثل في البحث الجاد في عملية تنمية اقتصادية مستدامة تعيد للاقتصاد عافيته المفقودة عن قصد وسبق اصرار، الا ان الحديث عن هذه العملية يتوجب تحديد اهدافها الاساسية والتي تتمثل في تحقيق حياة افضل للعراقيين ورسم خارطة لاستخدام عقلاني واقعي لكافة الموارد المتاحة سواء كانت طبيعية او بشرية، وتحديد الاولويات واستخدام النظم والبرامج الفاعلة بالمشاركة الشعبية الواسعة في تنفيذ ومراقبة هذه البرامج وتصحيح انحرافاتها قبل ان تتوسع ، في اطار ادارة لامركزية تساعد على تمكين هذه المشاركة .
ومن اولويات السياسة الاصلاحية اعادة النظر في البنية الاقتصادية الراهنة التي تتجلى في احادية الاقتصاد المقترنة باهمال واضح في تنمية القطاعات الانتاجية السلعية الاساسية المتزامنة مع توسع مفرط في تطبيق سياسة استيرادية قادت الى اعادة تصدير راس المال المتاتي عن طريق النفط بشكل تهريب للعملة الصعبة والاحتفاظ بها في المصارف الاجنبية واستثمار القسم الاخر من هذه الاموال خارج العراق.
والمهمة الارأس امام الحكومة القادمة تتمثل في عملية اعادة تكوين الناتج المحلي الاجمالي الذي يعتمد في الوقت الحاضر بنسبة 60 في المائة على الايرادات النفطية في وقت يتراجع دور القطاعين الاساسيين الصناعة والزراعة، بالاضافة الى القطاعات الاخرى غير النفطية في تكوين هذا الناتج، فلم تعد الصناعة عنصرا بارزا في هذا الدور لاسباب عديدة منها فكرية ايديولجية ومنها ما يتعلق بسوء ادارة الدولة، علما ان الصناعة كانت تشكل في الربع الاخير من القرن العشرين 10 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، بينما لاتشكل الان سوى 2,5 في المائة من هذا الانتاج، وخاصة الصناعة التحويلية التي لها دور اكبر يتعلق بالامن والاستقرار الاجتماعي ولا تقل الزراعة شأناً في اعادة تكوين الناتج المحلي الاجمالي، فقد كانت الزراعة في خمسينات القرن الماضي تشكل 35 في المائة من هذا الناتج، الا ان نسبة مساهمتها الان لاتزيد عن 3 في المائة مما يستدعي ايلاء الاهتمام الجدي في هذا القطاع بتوافر ارادة حقيقية في احداث ثورة خضراء من خلال دعم المزارعين من ذوي الدخل المحدود والاهتمام بالريف العراقي من النواحي الخدمية والصحية والتعليمية سبيلا للحد من الهجرة الى المدينة وترك الريف يتاكل شيئا فشيئا ، وتفعيل المبادرات الزراعية عبر وضع خطة زراعية واقعية تحقق الامن الغذائي عبر تسهيل تقديم القروض الزراعية ودعم السوق العراقية عبر الاجراءات الحمائية.
ان الانتصار لهذين القطاعين لا يمكن تحقيقه الا من خلال تنشيط الاستثمار في القطاعين العام والخاص ومواجهة التحديات التي تواجههما مدعوما بالتنسيق بين السياستين المالية والنقدية وتفعيل دور الجهاز المصرفي بقطاعيه العام والخاص في دعم عملية التنمية الاقتصادية واعادة النظر بالسياسة الاستيرادية المبنية على اساس حاجة السوق العراقية ونوعية البضائع المستوردة وانقاذ السوق من البضائع الرديئة.
ولكي يمكن تحقيق معدلات نمو متطورة في هذه القطاعات لابد من ايلاء العنصر البشري الاهتمام الكافي من اجل بناء قوة انتاجية بشرية قادرة على تشغيل هذه القطاع بمستوى عال، وهذا يتطلب وضع خطة تشغيلية علمية تعالج مشكلة البطالة من خلال تطوير مهارات العاملين، ورفع مستوى التعليم بكافة مراحله، واعادة النظر بالمناهج التعليمية بما يستجيب لمتطلبات الخطط الانتاجية .
ومن الطبيعي جدا ان اية عملية تنموية مستدامة لا يمكن ان تحظى بالنجاح ما لم ترافقها عملية مكافحة للفساد في مختلف مستويات الدولة الحكومية المغرقة اصلا بالفساد، وتنظيم حملة رقابية رسمية و شعبية توفر للقضاء العراقي الادلة والبينات المتعلقة بالفساد وانشطة الفاسدين.

عرض مقالات: