بدأت علاقتي - بشكل غير مباشر - بحميد المطبعي في الثمانينات، أيام كان يحرر صفحة كل أسبوع في جريدة "الثورة" البغدادية اليومية، وكانت الصفحة تعنى بسير وتراجم أعلام العراق، وكان كل علم يستغرق أربعة أعداد أي شهرا، وبعضهم أكثر، حسب "القلبالغ" الذي يملأ يوميات واهتمامات المترجم له، وكانت حلقات ممتعة ومجدية عن عبد الحميد العلوجي، العلامة محمد بهجت الأثري، مسعود محمد، سعيد الديوه جي، إبراهيم الوائلي، الحكيم د.راجي التكريتي، العلامة د.حسين علي محفوظ، يوسف العاني، د.علي جواد الطاهر وهذا هو الكمّ المجيد الذي أتذكر، وبعد حين أصدر كل علم في كتيب أو كراسة أو في أحسن الأحوال تستطيع أن تسميه (كتاب الجيب) وبعنوان ثابت هو (موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين) ثم يصدر هذا الشتات الكتبي في مجلد واحد بثلاثة اجزاء، وأردفها بمجلدات أخر هي (أعلام العراق في القرن العشرين) و(معجم رجال الفكر والأدب) و(معجم المؤلفين العراقيين) وفي جلّ ما كتب من هذه الموسوعات تفوّق المطبعي على أقرانه القدماء مثل ابن سعد وابن حجر العسقلاني وابن عساكر والسيوطي والجورجاني والذهبي وابن كثير والداودي والسيوطي والزواوي والشوكاني وابن رافع لأنه لم ينقل على وفق العنعنة بل عن المترجم له بشكل مباشر، وفي الأغلب الأعمّ كان الثناء منهم نصيباً له.
وبعد ٢٠٠٣ تطوّرت علاقتي بالمطبعي من زاويتين، الزاوية الأولى أني تعرفت عليه عياناً وصارت الزيارات مني تترى له في بيته الكرخي ذي المكتبة الرنانة، وكانت زياراتي مع صفتها الاجتماعية تحمل طابعا ثقافياً وفكرياً لأني نادراً ما كنت أذهب لوحدي، بل في مرة كنت مع زهير الجزائري وعالية طالب، ولمرات كنت مع مفيد الجزائري، وكانت الأحاديث والحوارات تمتد وتستطيل في خوض بحور السياسة والثقافة والصحافة والأفكار، وكانت زياراتي المنفردة مبعثها، فضلا عن الاطمئنان، هو الاستزادة والاستسقاء من منهله الثرّ واعتماده مرجعا ومصدرا في رسالتي بالماجستير عن مجلة "الثقافة الجديدة" ودورها الثقافي إبان العهد الملكي.
والزاوية الثانية أني درست الصحافة أكاديميا، وفي سني دراستي لم أجد غير المطبعي من تنطبق عليه صفة الصحفي الثقافي المثقف ضمن أشكال الصحافة المتخصصة، فلم يُردف - عراقياً - بآخر سوى ناظم السعود الذي كان بعده على هذا السلّم المائز بعدة مراقٍ.
لقد عاش المطبعي حياة صاخبة متطرفة ولكنه ربح نفسه وربح جمهوره العريض حين ابتعد عن خطّ النظام السابق حتى ادعى الخلل النفسي في تمثيلية بارعة انطلت على أزلام المؤسسة الثقافية القمعية يومذاك، ثم طلّق مبتنياته الفكرية السابقة في تحوّل شاركه فيه إسمان معروفان أيضا هما عزيز السيد جاسم وعلي الحلي، وهذا التحوّل الذي استند الى القراءة والتأمل والتفكير والتحليل والاستشفاف هو جدير بالدراسة والبحث لأنه شاهد على الفرز والاصطفاف الفكريين تبعاً لتحديد درجة المحنة الشعبية.

عرض مقالات: