كانت بساتين النخيل تشكل مصدرا اساسيا من  موارد العراق المالية بعد النفط وخاصة في فترة الخمسينات  والستينات وحتى نهاية السبعينات، وكان العراق  يتصدر دول العالم المنتجة للتمور من حيث عدد النخيل، ففي الخمسينات من القرن الماضي كان عدد النخيل 33 مليون نخلة، ازداد في الستينات والسبعينات  الى 36 مليون، لكن العدد قد انخفض بعد الحرب العراقية الايرانية حتى وصل في عام 2009 الى 9 ملايين نخلة، وفي تقديرات اخرى 19 مليون، وهي في كل الاحوال احصاءات غير دقيقة وغير موثقة .

ان الدراسات حول انتاج التمور التي تناولتها المراكز البحثية والندوات التي عقدتها منظمات المجتمع المدني تشير بدون لبس او ابهام الى ان تراجع بساتين النخيل مرتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالسياسة الاقتصادية والزراعية للدولة  التي تشير الى اقصى درجات الاهمال بقطاع الزراعة، وكان اهمال بساتين النخيل جزءً من  هذا الاهمال. ونتيجة لهذا التدهور فان منظمة الغذاء والزراعة الدولية (فاو) قد اشارت في تقاريرها الى ان العراق قد احتل المرتبة الخامسة في انتاج النخيل من بين الدول العشرة المنتجة للتمور في العالم بعد ان كان يحتل المرتبة الاولى في العهود السابقة. ومن امثلة الاهمال الحكومي واشكال التبذير المالي للدولة في امور غير اقتصادية فان المبلغ الذي طلبه مدير مركز النخيل في جامعة البصرة ذات مرة والبالغ 130 الف دولار من اجل الحفاظ على الثروة الجينية للنخيل العراقية  كان اقل كلفة من سيارة مدرعة ضد الرصاص لنائب في البرلمان أو وزير  أو موظف كبير في دولة المحاصصة.

 ومن الاجراءات  الاكثر خطورة على مزارع النخيل اقدام جهات بعضها امنية على عملية تجريف منظمة لبساتين النخيل في داخل المدن، بما فيها مدينة بغداد العاصمة وضواحيها وفي معظم محافظات الوسط والجنوب،  وتحويلها الى مناطق سكنية بالرغم من الموانع القانونية في عملية فساد  وهدم للثروة الزراعية بينة.  والغريب ان الحكومة تقف منها موقف المتفرج دون حساب او عقاب، برغم ادراكها ان الخدمات التي تقدمها الدولة لهذه الاحياء المصطنعة تزيد من التكاليف التشغيلية  من ماء وكهرباء في عملية فساد كبيرة  تقف وراءها حيتان مدعومة من شخصيات نافذة.

ولم يقف الامر عند اجراءات التجريف وتداعياتها، بل ان هناك مصاعب حقيقية يواجهها المزارعون تعرقل عملية الانتاج،ومن هذه المصاعب شحة المياه وارتفاع اسعار الاسمدة والمبيدات، حيث كثرت الامراض التي تصيب النخيل كالدوباس والحميرة والعنكبوت، وتوقفت الدولة عن عمليات المكافحة الشاملة  منذ سنوات ما بعد عام 2003 . كل هذه المصاعب ترتبت عليها مضاعفة كلف الانتاج التي تسبب خسائر كبيرة للمزارعين في وقت يواجهون مزاحمة شرسة من المنتجات المستوردة معظمها من ايران ثم الامارات فالسعودية،  وايقاف مقصود للقوانين الحمائية.

ان الدولة حكومة وبرلمانا مدعوة لمراجعة سياساتها السابقة والتوجه بجدية لاعادة الحياة لمزارع النخيل، الى جانب مراجعة شاملة ستراتيجية لقطاعات الاقتصاد كافة من خلال:

  • تشجيع القطاع الخاص على تاسيس معامل لكبس التمور وانشاء مخازن مبردة واقامة المشاريع الصناعية التحويلية والاستفادة من تمورالزهدي الذي يشكل 85 في المائة من الانتاج لصناعة السكر السائل وخميرة التوريلا والمنتجات الكحولية والخل الطبيعي والدبس وتقديم التسهيلات المصرفية لهذا الغرض، خاصة ان بعض التقديرات تشير الى امكانية اقامة اكثر من 200 معمل لتصنيع التمور، كل منها يستوعب 200 عامل تتضاعف كلما ازداد انتاج التمور .
  • تاسيس حاضنات اعمال مهمتها تقديم الخدمات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجال تصنيع التمور وتقديم التجهيزات والتسهيلات للراغبين.
  • الاهتمام بالوحدات البحثية في كليات الزراعة التي تعنى بالبحوث المتعلقة باكثار الفسائل وطرق التلقيح والسيطرة على الافات التي تصيب النخيل.
  • تشكيل لجنة عليا من وزارة الزراعة وغرفة التجارة واتحاد الجمعيات الفلاحية والمصرف الزراعي والمصرف الصناعي واتحاد الصناعات العراقي للتنسيق في وضع استراتيجية لتوسيع زراعة النخيل وادارة عملية الانتاج والتصنيع، ويمكن للمشارع الصغيرة والمتوسطة التي تحضى برعاية هذه الجهات تقاسم المخاطر مع المصارف في انشاء مشاريع مشتركة .
عرض مقالات: