لم يكتف الفاسدون والمتكالبون على السلطة بالتأجيج الطائفي والقومي والعشائري، ولا بالرشاوي التي يخدعون بها البسطاء من الناس، لضمان أصواتهم والاستحواذ على بطاقاتهم الانتخابية مبكراً، ولا باستنفار دوائرهم الرسمية، وتوظيفها في الدعاية لهم، عبر تبليط شارع هنا، وتسليك مجارٍ هناك، بعد أن صمتوا صمت القبور طيلة السنوات الأربع الماضية.
نعم لم يكتفوا بذلك، ولجأوا إلى نشر ملصقاتهم وصورهم وبوستراتهم في الشوارع والساحات العامة، واستخدم بعضهم مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الصور، وشعارات الائتلافات والقوائم التي ينتمون إليها، في دعاية انتخابية مبكرة، يفترض أن يحاسب عليها القانون.
وكانت مفوضية الانتخابات قد وعدت في بداية الشهر الجاري بإصدار تعليمات ولوائح وصفتها بالشديدة، لضبط سلوك المرشحين أثناء الحملة الانتخابية التي ستنطلق في النصف الأول من شهر نيسان، تفادياً للوقوع في مشكلات وخلافات قضائية شبيهة بما حدث في الانتخابات السابقة.
وحذرت المفوضية المرشحين بالقول :"نريد منكم احترام خصوصية الآخر وعدم التشهير والتجريح" (صارت زحمة) مشددة على أن الانتخابات البرلمانية القادمة، سوف تكون الأهم بين كل العمليات الانتخابية التي جرت في العراق منذ عام 2003، دون أن تضُمّن اللوائح التي أصدرتها بنداَ لملاحقة مروجي الدعاية الانتخابية المبكرة. كما خلت هذه اللوائح من الإجراءات الرادعة في حالة خرق الصمت الإعلامي في اليوم الأخير الذي يسبق الانتخابات.
حكاية مفوضية الانتخابات لا تختلف كثيراً عن حكاية ذلك المواطن البسيط، "دهيرب" الذي كان يتعرض إلى الضرب و الاهانة دون أن يفعل شيئاً، سوى الكلام والتهديد بأنه سيغضب يوماً ويقلب الدنيا على رؤوس المعتدين. لكنه أنتقل إلى رحمة الله، ولم نره غاضباً في يوم من الأيام.
فهل أن مجلس النواب ومفوضية الانتخابات قد تغاضيا بشكل معتمد، ولم يضمّنا قانون الانتخابات البرلمانية واللوائح والأنظمة التي صدرت عقب القانون، عبارات واضحة وصريحة لملاحقة من يقوم بالدعاية الانتخابية المبكرة، أم أنه مجرد سهو كما يقول البعض، والسهو هنا غير مرجوع للطرفين؟
واضح تماماً أنهما تغاضيا عن هذه المسألة الهامة جداً بشكل مقصود. استكمالا لمخطط التشبث بالكراسي، وإعادة إنتاج التركيبة الفاشلة. هذا المخطط الذي بدأ بتشويه نظام "سانت ليكَو" الانتخابي، ورفع العتبة الانتخابية إلى (1,7) ثم إعادة تشكيل المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات بنفس الطريقة السابقة اي على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية.
لنكرر السؤال الذي يقض مضاجع العديد من العراقيين، وهو: هل أن الأمور ميئوس منها، ولا فائدة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لأن الوجوه الكالحة نفسها سوف تطل علينا مجدداً، ولا يمكن الخلاص منها!
لا أظن أن أحداً يمتلك ولو قدراً بسيطا من الوعي، أو الشعور بالمسؤولية تجاه نفسه وعائلته وشعبه، يوافق على هذا الرأي المغرق بالتشاؤم واليأس، لأنه في المطاف الأخير سيؤدي إلى توطيد أركان الكارثة، وتعزيز نفوذ الفاسدين والفاشلين.
اذن فلنفوّت الفرصة على المزورين وعديمي الضمائر، وننتخب النزيهين، الكفوئين، الصادقين في الدفاع عن مصالح الكادحين والمظلومين، وهم كثر.

عرض مقالات: