كان جليل يحدثنا عن التظاهرات الاخيرة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية للمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد، حين اقتحمت أبنته سوزان المكان، تحمل جهاز الآي باد. وبدون انتظار راحت تقرأ علينا منه وبصوت عال خبرا عن التقرير السنوي لشبكة التنمية المستدامة، التابعة للأمم المتحدة،حول مؤشر السعادة العالمي، الذي نشرته وسائل الاعلام، والذي احتلت فيه فنلندا، المرتبة الاولى كأسعد بلد في العالم من بين 158 دولة. وان التقرير جاء حسب المعطيات التي أعتمدها في تقييمه، والتي ترتبط بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومستوى الرعاية الاجتماعية ومتوسط الأعمار والحريات الاجتماعية والكرم وغياب الفساد في الدولة والمجتمع. جميعنا انصتنا لسوزان، التي قالت بنبرة واضحة ان العراق جاء في التقرير في المرتبة 117، فتركنا ذلك ننظر احدنا بوجه الاخر. قال جليل: هل هناك مفاجاة في هذا؟ مع الخراب الذي قادتنا له سياسات المحاصصة الطائفية والاثنية، ماذا كنتم تنتظرون؟ هل يمكن لنا ان ننافس هذه البلدان المتقدمة والمتحضرة؟
كنت اطلعت مسبقا على الخبر بتفاصيله،وللمشاركة حكيت لهم بأن فنلندا، حتى خمسينات القرن الماضي،كانت بلدا زراعيا،لا تملك من الثروات غير غابات الاشجار ومياه البحيرات وسواحلها المطلة على بحر البلطيق، وما يدره ذلك عليها من ثروة سمكية. والاراضي الصالحة للزراعة في فنلندا محدودة، ففيها يوجد 178 الف بحيرة، وتغطي الغابات مساحة 86% من مساحة عموم البلاد، واراضيها صخرية، يضاف الى ذلك المناخ القطبي، الذي يجعل الصيف قصيرا والشتاء طويلا، والنهارات قصيرة والليل طويل. فالشمس نادرة عندهم، والمنطقة الشمالية من البلاد (منطقة لابلاند) التي تشكل 30% من مساحة البلاد، هي صحراء ثلجية تصل درجات الحرارة فيها الى خمسين تحت الصفر. وعليه يتركز سكان فنلندا في المناطق الجنوبية. ورغم انها تعد البلاد الثامنة من حيث المساحة في أوروبا (338,424 كم مربع) الا انها أقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية (16 نسمة/كم مربع). ونجح الشعب الفنلندي وبجهد ونضال، مستندا الى دستور علماني، في بناء دولة مدنية تكون المؤسسات فيها هي المسؤولة عن حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي ويكون المواطن مساهما في تطوير المجتمع وخلق السلام والامن الاجتماعي. وهذا قاد الى ان تحتل فنلندا دائما المرتبة الاولى في العديد من مقاييس المقارنات الدولية كالشفافية والنزاهة والبيئة ومستوى التعليم وخدمات الطيران والصناعات الالكترونية وغيرها.
صفن صديقي الصدوق ابو سكينة وقال وهو يجر حسرة طويلة: من بين 158 دولة جاء بلدنا في المرتبة 117، اوووف .. يعني اذا ردنا نصعد شوي درجة أعلى لازم أما نتعلم من تجارب هذه الشعوب، أو نبقى نراوح بمكاننا ونصدق بسياسي نص ردن يقول: أنطوني هذي الشغلة مقاولة بالباطن واصعدكم أعلى .. ونرجع ننتخبه من جديد وما نعرف وين ماخذنا.