الخروقات الأمنية في بغداد لم تعد خافية على أحد، فقد وصلت اخبارها الداني والقاصي، ولم تعد تنفع التهديدات التي يطلقها هذا المسؤول او ذاك ضد "الخارجين على القانون" ( يا قانون؟! )، أما الشجب والاستنكار ( وهو أضعف الإيمان ) فلا محل لهما من الإعراب، لأن القاتل قد تعوّد عليهما!
المصيبة أن هذه الخروقات لم تعد مقتصرة على محافظة بعينها، ولو أن ما يحدث في العاصمة هو الأكثر إثارة، نظرا لأهمية بغداد كمدينة ملونة مثل قوس قزح، يسكنها أناس من مختلف الأديان والقوميات. فهي مدينة العربي والكردي والتركماني والفارسي والشيعي والسني والنقشبندي والمسيحي واليهودي والصابئي والآشوري والسرياني والكلداني والارمني ومن لا دين له ولا "عمام"! والا فلن تكون بغداد دارا للسلام! ولم يعان سكنة المدينة الأصليون المرارة كما يعانون اليوم. فالصبات والسيطرات مزقت أرواحهم ومدينتهم، وحولتها من مدينة طيبة العيش والمعشر إلى مدينة فصل طائفي لا تختلف كثيرا عن تلك المعابر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو حواجز الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ايام زمان! والا ما معنى أن يبقى المواطن ينتظر ساعة او اكثر ليعبر جسر الجادرية، أو ليقطع عشرات الامتار بين ساحة كهرمانة ومستشفى الراهبات؟ ونفس الشيء يقال عن بغداد الجديدة والمشتل. ومع هذا فإن الأمان الذي ينشده المواطن غير متحقق على الارض، ما دامت الدولة لم تبسط يدها على السلاح، وما دامت السيارات الخالية من الأرقام تسرح وتمرح ولها صلاحية المرور دون تفتيش في العديد من السيطرات!
هل نفتح الجراح مجددا ونذكّر باغتيال عائلة مسيحية بالكامل، وباغتيال الرجل الصابئي الطيب؟! ام نذكر بمحاولات السطو والسرقة والخطف التي تتكرر في اكثر من مكان؟!
التجاوز على اي مواطن من أية قومية ومن اي دين مرفوض جملة وتفصيلا، خاصة إذا كان المواطن من المكونات التي ليس لها علاقة بالسلاح، ولم يعرف عنها يوما أنها " حوسمت " او اعتدت او تجاوزت على ارض او على بشر.
المسؤول الأول والأخير عن أمن المواطن هو الدولة بسلطاتها الثلاث. وعليه نتمنى أن تبذل الحكومة أقصى جهودها للقبض على الجناة، وتنفيذ العقوبة التي يستحقونها بهم علنيا وفي موقع الجريمة، لكي يكونوا عبرة لمن اعتبر! واعتبار الضحايا شهداء الوطن، لهم حقوق الشهداء كاملة دون تمييز أو نقصان!

عرض مقالات: