يبدو أن جعبة المتنفذين، المدمنين على السلطة إدمان من يتناول المخدرات، أو المشروبات الكحولية، لا تخلو من الابتكارات والبدع الجديدة، بمجرد أن تتراجع حظوظ الخدع السابقة، ويقل تأثيرها على الناس، حتى وان كان تراجعها نسبياً، أو محدوداً، كالمحاصصة والطائفية السياسية، وبقية الهويات الفرعية، كما هو الحال في الظرف الراهن.
منذ أن اتفق سيئ الصيت "بريمر" مع القوى والأحزاب المتنفذة، على إعداد طبخة المحاصصة المسمومة، وتقديمها للشعب العراقي على أنها الحل الأمثل لكل مشاكله، ولمعالجة التركة الثقيلة التي خلفها نظام "صدام حسين"، والعراق شعباً ووطناً وقيماً ونسيجاً اجتماعياً، ينحدر بشكل متسارع يتزايد بمرور الأيام والسنين، ومن سيئ إلى أسوأ، بحيث نجح القادة الجدد في "تبييض" صفحة النظام الدكتاتوري التي كانت شديدة السواد، والترحم على رأسه الطاغية المباد، رغم كونه أقذر من حكم العراق طيلة تاريخه الموغل في القدم.
كما نجح هؤلاء القادة في تجهيل وخداع غالبية العراقيين، بجرّهم إلى فلك الطائفية والتعصب القومي والعشائرية بصيغتها السلبية، وبالتالي تفريطهم بمبدأ المواطنة، وإضعاف الوحدة الوطنية إلى أبعد الحدود، مستخدمين أساليب جهنمية وشعارات مُستلة من نظرية الغنيمة والفرهود التي يتعاملون بها مع الدولة ومؤسساتها. فتارة يدعون تمثيل المكونات، وتارة أخرى للتعويض عن المظلومية التاريخية، وثالثة تنطلق من الحرص الزائف على التوافقية والمشاركة في صنع القرار السياسي، وهي في حقيقتها مشاركة في النهب والسلب واقتسام الغنائم.
وبعد أن ضعفت الادعاءات السابقة ولو جزئياً، بفضل الحراك الجماهيري وما أشاعه من وعي سياسي ما زال في بدايته، جاء الآن دور ما يسمى بـ "الاستحقاق الانتخابي" في محاولة للالتفاف على تشكيل حكومة طال انتظارها، وتستطيع أن تباشر في بناء وطن يريد الفاسدون له أن يبنى على رمال متحركة، حكومة تداوي بعض جراح العراقيين، وبالكاد توفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم.
إن الرفض الواسع للمحاصصة بأنواعها وتجلياتها المختلفة، وللفساد بشقيه الإداري والمالي، والمطالب المشروعة بتوفير الخدمات الضرورية لمعيشة البشر، أجبرت غلاة الطائفيين والفاسدين والفاشلين، على تغيير خطابهم السياسي والإعلامي، فتبنوا ظاهريا الشعارات الجماهيرية، سعياً لامتصاص النقمة والضغوط المسلطة عليهم، وادعوا على رؤوس الأشهاد، أنهم خولوا السيد "عادل عبد المهدي" اختيار كابينته الوزارية بحرية وحسب قناعته، على أن تكون الكفاءة والنزاهة والوطنية من سماتها الأساسية، وأن تبتعد عن النهج الذي اعتمد في تشكيل الحكومات السابقة.
لكن الحقيقة كالشمس، لا يمكن حجبها بمناورات بائسة، سداها ولحمتها التشبث المرضي بكرسي السلطة، واستبدال الشعار بآخر لا يقل سوءاً عن الذي سبقه (رغم محاولات مبتكريه الإيحاء بأن
حليمة لن تعود الى عادتها القديمة) فالحصيلة واحدة وهي البقاء على الموقف اللاديمقراطي ذاته وبقاء العقول والضمائر مجازة إلى أمد غير منظور.
على السيد "عادل عبد المهدي" إذا أراد النجاح في مهمته الصعبة، أن يحزم أمره، ويخلع رداء التردد، والسعي الى إرضاء الجميع، فهذه الوصفة لا تفضي سوى إلى تأبيد الخراب والدمار الشاملين.

عرض مقالات: