إتسعت فسحة أمل العراقيين بتكليف الدكتور "عادل عبد المهدي" برئاسة مجلس الوزراء، وبالدعم الهائل الذي حصل عليه من أكبر كتلتين برلمانيتين هما سائرون والفتح، وإطلاق يده في اختيار كابينته الوزارية على وفق الشروط المعلنة، وأهمها أن يكونوا من التكنوقراط السياسي أو المستقل، لا تنقصهم الوطنية ولا الكفاءة والنزاهة، وبالتالي الابتعاد كلياً عن المحاصصة الطائفية – الاثنية، سبب الدمار والخراب الشاملين في العراق.
وكانت التصريحات والبيانات الصادرة من الجميع تؤكد أهمية الاحتكام أولاً إلى البرنامج الحكومي، ومن ثم اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء، حتى من قبل الذين كان هدفهم ذر الرماد في العيون وخلط الأوراق والعمل في الخفاء بالضد من تصريحاتهم المنافقة. والمسألة تكاد تكون طبيعية ولا غرابة فيها، فكل التجارب المحلية وما وراء الحدود، تؤكد أن ما من لص أو فاسد تخلى عن لصوصيته وفساده من تلقاء نفسه، لا سيما وان النسخة العراقية من هؤلاء، ينطبق عليهم المثل المعروف (شاف ما شاف...) ولهذا مارسوا من الضغوط على رئيس الوزراء المكلف ما يعجز الوصف عن الإحاطة به، ووصل الأمر إلى حد الإعلان عن مزايدة لبيع منصب وزير الدفاع وربما وزارات أخرى، وكما جرت العادة عليه في الدورات السابقة.
ويبدو أن الدكتور عادل عبد المهدي لم يستطع الخلاص من هذه الدوامة، فلم يرشح كل الوزراء وفق الضوابط المتفق عليها، واضطر إلى القيام بشيء من (المراوس) لتمرير كابينته الوزارية في مجلس النواب. الأمر الذي مهد الطريق أمام خيبة أمل جديدة، وان كانت اخف من سابقاتها، خاصة وان ثمانية وزراء لم يجر التصويت عليهم، لاعتراض بعض الكتل السياسية والنواب، وتهم بالفساد، والاجتثاث.
إن الحكومة الجديدة، وكما يؤكد قادة "سائرون" والعديد من السياسيين، شكلت بطريقتين أو منهجين مخُتلفين، أحدهما نظيف وصادق في طروحاته بضرورة التخلص من المحاصصة وتشكيل حكومة قوية، كفوءة، قادرة على انتشال العراق وشعبه من القاع، وثانيهما ملوث، وعاجز عن الالتفات إلى هموم ومصالح الشعب، ومصر في ذات الوقت على الاستمرار في نهج المحاصصة المقيتة، حتى لو كان الثمن التضحية بالشعب العراقي من أقصاه إلى أقصاه .
ومن رحم عملية الصراع بين هذين المنهجين، ولدت الحكومة الجديدة، التي لا تشفي غليل أحد من الأبناء الحقيقيين لهذا الشعب المبتلى بعواجيز الفكر والسياسة، والحائزين على لقب البطولة في الأنانية ووضع المصالح الشخصية في أعلى سلم أولوياتهم المريضة.
أن الفرصة مازالت متاحة أمام "عبد المهدي" لإصلاح ما لم يصلحه لحد الآن، فالوزارات الثماني الشاغرة، يفترض أن يتسنمها من هو جدير بذلك، لا الخضوع إلى إرادات وضغوط القوى والكتل السياسية المتشبثة بمواقعها الوظيفية والمحاصصاتية، فذلك من شأنه المراوحة في ذات المكان وإعادة إنتاج فشل وفساد السنوات السابقة.
أن مسك العصا من الوسط لا ينفع في مثل أوضاعنا المعقدة واللامعقولة في الكثير من مفاصلها، والحل يكمن في إتخاذ قرارات جريئة، يتصدرها استكمال تشكيل الحكومة، بمهنية وكفاءة عالية، رغم معرفة الجميع بصعوبة التصدي للضغوط والمناورات الداخلية والخارجية.

عرض مقالات: