قبل يومين وأنا أستمع إلى محاضرة الخبير الزراعي علاء البدران في اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة ، الحقيقة أقول : أُصِبْتُ بالذهول مما سمعته عن تلوّث مياه شط العرب والأرقام الهائلة حول نسبة الأملاح وكلوريد الصوديوم والكبريتيك وحامض النتريك وغيرها ،، والتي أدّت وستؤدّي حتما إلى هلاك الزرع والضرع ، حيث إنّ الشط سيخلو من أي أثر للحياة فيه نتيجة ارتفاع النسبة هذه. وستموت بالتأكيد مليونا نخلة من أصل ثلاثة ملايين هي كل ما موجود من النخيل في البصرة ، إضافة إلى إننا فقدنا أندر أنواع السلاحف الموجودة في العالم (الرفش) والمهددة بالانقراض ، حيث كان يوجد منها أعداد قليلة في العراق فقط ــ بمعنى أنها قد تكون انقرضت تماما من على سطح الأرض!
الأرقام والنتائج أصابتني بنوبة ألم قوية لحظة سماعها والتفكير بما ستؤول إليه أمور أرضنا وناسنا من جرّاء ارتفاعها بسبب اللسان الملحي الممتد من الخليج ومخلّفات المعامل والمصانع والمياه الثقيلة التي تصبّ في شط العرب ، وانخفاض نسبة الاطلاقات المائية القادمة من دجلة والفرات وغيرها. كما لم نلاحظ حتى هذه اللحظة تحركا للحدّ من هذا الارتفاع ، ولا خطوة باتجاه الحفاظ على ما تبقّى من زرعنا وحيواناتنا وبالتالي إنساننا!
هل تركنا الأمور تسير كيفما اتفق وجلسنا ننتظر الكارثة؟!
أم هل سيتحرك ضميرنا ذات صباح ونشمّر عن سواعدنا لنزيل هذا اللسان ولو بالقدر الذي نستطيعه ؟!
أم هل..؟ وهل ..؟ وهل ..؟!
تساؤلات كثيرة جالت في خاطري وأنا أتذكّر طفولتي وشبابي في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، إذ كنت أسبح وأقراني في النهر المحاذي لبيتنا ، وبعض الأحيان في الشط حيث قريتي الغافية عند تخوم الخليج جنوب الفاو. وكيف كان الماء يجري عذباً صافياً تلبط الأسماك فيه وتنتشر الحشائش والأشجار والنخيل على ضفة الشط ناشرة الخضرة في كل مكان. وكيف كنّا نشرب منه مباشرة دون الاستعانة بمحطات تحلية وغيرها ، كما كنت أشاهد اللنجات الكبيرة (الابوام) وهي تمخره قادمة من الهند وباكستان ودول الخليج لتتزود بالماء العذب منه وتنقل بعضه إلى دول الخليج أيضا!
لقد كان الشط لوحة جمال رسمتها الطبيعة على وجه الأرض والنخيل والأشجار تحفّ به ساعة الغروب وعند شروق الشمس والنوارس تطير هنا وهناك لتلثم وجه الماء!
علينا أن نفكّر بجدّيةٍ وبضميرٍ عراقيٍّ حيّ ينبض وفاءً لهذه الأرض وناسها، في كيفية إنقاذ البصرة وأهلها من هذه الكارثة البيئية، وان نسع لبناء (هويس بحري) الآن بالسرعة الممكنة مع فتح قنوات من أمامه باتجاه السيبة والفاو كي يصلها الماء العذب لتستعيد الأرض حياتها !
صدقوني .. إذا لم نتحرك وبأقصى سرعة وبضمير حيّ طبعا، سنندم على أرض كانت جنة البستان لكننا تركناها للموت والبوار ذات يوم !