أتصور، أو أتخيل (والخيال لا يعاقب عليه القانون)، أنّ الى جانب المسؤولين الذين تعاملوا أو يتعاملون الآن مع أزمة البصرة، ملفاً عليه آثار الغبار، وبضع دمغات لكعوب كؤوس الشاي التي شُربت بعد وضعها فوقه. ملفا انمحي عنوانه منذ زمن وصار له اسم رمزي. مرّة يسموّنه بالأرقام، ومرّة يسمّونه بالكنية.
هذا الملف فيه ما يجعله ساخنا حتى في ليالي الشتاء الباردة. أمّا في الصيف، فتكاد الأيادي لا تمر قربه إلّا ولسعتها حرارته.
ملف في فصول عدّة؛ الأول ضاع في متاهات العشائر التي تقتني السلاح، وتتحارب في ما بينها، حتى ضاع اسم الفصل نفسه. والثاني تتكدس فيه مئات الآلاف من طلبات الشباب ومستنسخات وثائقهم الشخصية، وهم يبحثون عن(تعيين). فقد جاءوا الى الدنيا وهم لا يعرفون مساراً آخر للعمل سوى أن تكون موظفاً أو شرطياً أو حارس أمن عند الحكومة. هذا التاجر الكبير جداً، الذي ابتلع السوق واحتكرها لأنه (أب) للجميع. وحينما احتكر، ميّز بين أبنائه، فهؤلاء مفضّلون، وأولئك مُبعدون. ملف البطالة نقش اسمه على الأرصفة التي وقف عليها آلاف الشباب لآلاف الساعات الحارقة، وهم ينتظرون أن يستلم أحد ملفاتهم.
ثم سمعوا أن فلانا عيّن فلانا مقابل رشوة قدرها كذا. ثم رأوا بأعينهم أن الثروة التي احتكرتها السلطة الأبوية، لم تذهب الى الأبناء، وانما يتمتع بها القليل القليل من المحظوظين، ويتداولها القليل القليل من المتنفذين.
ثم راحوا يعملون في الأسواق لعل الرزق يأتيهم أو يسعون إليه، فوجدوه شحيحاً ، لا ناتج فيه. لا (فائض قيمة) يتحقق من عربانة الركي، أو عربانة اللبلبي أو بيع الماء(RO). وفائض القيمة، هو الربح الذي يتحقق من إنتاج منتجٍ يضيف شيئاً الى سوق العمل، ويتسبب في تحريكها إيجاباً. هؤلاء الأجَراء بلا أجرة، العاطلون، الباحثون أبداً عن عمل، الباحثون عن حياة كريمة (يصفها الدستور في المادة 22/أولاً). هؤلاء لهم (حق) .. لكن سيرة السلطة معهم تقول: إن(الحق) نادراً ما يُعطى لكم، وليس عليكم إلّا أن (تأخذوه) .. فأي الفرضيتين عليهم أن يصدّقوا؟ وعد الدستور أم التجربة المريرة مع السلطة التي لها من العمر 15 عاماً؟
لو كنت مكان هؤلاء .. لاحترت فعلاً.

عرض مقالات: