هذه بعض انطباعاتي عن الصين الشعبية من خلال زيارتي الأخيرة كأستاذ جامعي لإلقاء محاضرات عن الثقافة والتاريخ والسياسة في المنطقة العربية والشرق الأوسط. حيث حاضرت في ثلاث جامعات رئيسة في اللغات الأجنبية وهم جامعة بكين للدراسات الأجنبية وجامعة شنغهاي للدراسات الدولية وجامعة بكين للدراسات الدولية حيت مكث شهرا ونصف.

المقدمة

تحتل الصين موقعًا بارزًا كواحدة من أكبر الدول في العالم من حيث السكان والمساحة. من حيث السكان، فإن الصين تعد أكبر دولة اول ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان. أما من حيث المساحة، فإن الصين تأتي في المرتبة الثالثة بين الدول حول العالم. وتشكل الصين إحدى القوى الرائدة على الساحة العالمية بفضل تاريخها العريق وتأثيرها الهائل على مجموعة واسعة من الجوانب الاقتصادية والثقافية. وتعتبر الصين دولة ذات نظام اشتراكي، حيث تجمع بين التقاليد القديمة والتقدم الحديث بشكل متناغم. وتشهد الصين حاليًا على نمو اقتصادي هائل وتقدم تكنولوجي ملحوظ، وتلعب دوراً رئيسياً في الشؤون الدولية.

جمال الصين

بكين العاصمة مدينة ساحرة بجمالها وتاريخها العريق وتتميز بمنتزهات مثل منتزه اسمه جانشان في وسط العاصمة الصينية بكين حيث كان الدخول مجاني فيها لكل شخص تجاوز الستين من العمر. كان المنتزه مكانا مدهشا وجدا جميل. الحديقة كبيرة جدا بحوالي 57 إيكر وفيها مداخل كثيرة وتلال متعددة وعلى كل تل بناء صيني جميل على الطراز القديم. وحديقة بهياي في بكين مكان غير عادي. فهي المعروفة باسم حديقة بحر الشمال، وهي واحدة من أقدم وأكبر وأفضل الحدائق الإمبراطورية القديمة المحفوظة في الصين بأكثر من 1000 عام، بتكامل مثالي بين القصور الإمبراطورية الرائعة والمعابد الدينية. إضافة الى سور الصين العظيم والقصر الصيفي للإمبراطور والمدينة المحرمة وساحة تيا نيمان التي تعتبر أكبر ساحة في العالم ومعبد السماء، والمدينة الأولمبية والبحيرات الثلاث وغيرها. وفي شنغهاي المدينة الأكبر سكانيا يتمازج الحديث مع القديم وتتميز بحداثتها المتميزة ونهرها الجميل وضفافه الجميلة والمزدحمة والبرج الشرقي وساحة الشعب والشارع المشهور نانجينغ وغيره. وبالقرب منها مدينة سوتشو التي تعتبر شبيهة بمدينة البندقية الايطاليه لذلك تسمى بندقية الشرق. ومنتزه قريب من سكني الجامعي (منتزه زيوبايجي) والرائع جدا والخلاب. حينها كتبت "لا ابالغ إذا قلت ان الصين هي قطعة من الجنة.  أنا الآن في الصين منذ أكثر من شهر ولم أحس بالضجر يوما واحدا." وفي كل يوم كان لي هناك حدث وقصة جميلة عن هذا البلد وشعبه الكريم.

الطلاب والحياة الجامعية

كان تصنيف جامعة بكين للدراسات الأجنبية هو المرتبة الأولى في الصين باللغات الأجنبية. دعيت لإلقاء ثلاث محاضرات كل منها ساعتان للمواضيع التالية: الأسماء والتسميات في العالم العربي، من هم العرب وتاريخهم الحديث، والصراع العربي الإسرائيلي. لقد كانت أفضل محاضراتي. لقد اندهشت من جودة أسئلة الطلاب ومناقشاتهم.  فمن بين الأسئلة للطلبة ستالين ومفهوم القومية والأمة، العلاقة بين الشيوعيين والقوميين في زمن عبد الناصر، والشعوبية منذ العصر العباسي غيرها.

وبقيت شهرا كاملا في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية في قسم اللغة العربية حيث ألقيت فيها 11 محاضرة متنوعة لطلبة الماجستير عن العرب واصلهم والثقافة العربية والإسلام والتطرف الاسلاموي وما قدمه العرب للحضارة الإنسانية وداعش والأقليات في العراق والامثلة الشعبية العربية والشتات العربي في العالم والقيم الثقافية العربية والتغيرات الاجتماعية في المنطقة العربية والصراع العربي الإسرائيلي والثقافة العراقية. وألقيت ثلاث محاضرات أخرى في جامعة بكين للدراسات الدولية.

كان تصميم قسم اللغة العربية في اثنتان من الجامعات الثلاث هو القبة الشبيهة بقبة الجامع. في شنغهاي مبنى الدراسات الروسية يشبه كنيسة ارثودوكسية وبناية قسم اللغة الإنكليزية هو اشبه ببناية إنكليزية تقليدية وكذلك بالنسبة لليابانية وغيرها.  هناك العشرات من الكليات التي تدرس اللغة والثقافة العربية وكل دولة للصين علاقات معها يتم دراسة لغتها في الصين.

الطلاب في الصين جادين جدا ومجتهدين. لكن لا يشاركوا في المناقشة او الكلام في الصف، بل عادة السكوت والاستماع وأخذ الملاحظات إلا إذا أجبرتهم على الكلام. يبدو هذه هي الطريقة الصينية التقليدية لكنهم في الامتحانات وعندما تحثهم للمشاركة يكونوا ممتازين. الطلبة في الجامعة الكل يعيش تقريبا في الأقسام الداخلية وشقق الجامعات، حتى لو كانوا من اهل المدينة نفسها. التفاني والجدية واضحان لدى الطلاب الصينيين. البيئة الجامعية تتميز بالمرافق المتاحة للطلاب.

كذلك، إذا كنت أستاذا أجنبيا زائرا فسترى رعاية واحترام وتقدير وتشعر بانك إنسان مميز. فأينما تذهب هناك الاحترام والشكر والتقدير. وفي كل جامعة اذهب إليها، هناك طالب أو طالبة، عادة في الصفوف المنتهية وفي مستوى الماجستير للاستقبال في المطار والمرافقة إلى فندق داخل الجامعة، وتقديم الخدمات إذا أردت شيئا منهم. المميز في الصين ان كل الجامعات تقريبا فيها فنادق كبيرة للأساتذة او الطلبة الأجانب او الزوار. وكذلك هناك الشقق إضافة إلى الأقسام الداخلية الكثيرة للطلبة.

عندما ذهبت إلى بعض الجامعات، الشيء الذي رأيته متميزا جدا أنه إذا درست أي لغة أجنبية، يجب ان تدرس معها اللغة الإنكليزية لأن الإنكليزية كما نعرف هي لغة التخاطب والاتصال بين الشعوب.

إضافة الى ذلك فالذي يميز الجامعات الصينية أنه في الدراسات العليا، عندما تدرس اللغة العربية او لغة اجنبية أخرى تتخصص بشيء اخر. مثلا تتخصص في العلاقات الدولية او تتخصص في الشرق الأوسط، الخ.

ولاحظت في كل جامعة ذهبت اليها هناك مطاعم إسلامية. والذي يرتدونها هم ليسوا فقط الطلبة المسلمين، لكن طلاب كثيرين آخرين. الاكل قليل الثمن ولديك اختيارات عديدة جدا. وفي بعض الأحيان يكون السعر مرتبطا بالوزن.

التكنولوجيا في الحياة اليومية

أكثر شيء أثار انتباهي هو استخدام التكنولوجيا في الصين مقارنة مع الولايات المتحدة الامريكية. عندما تخرج من البيت مثلا وانت في الجامعة وتريد ان تخرج من الجامعة يجب أن تستخدم التطبيق المسمى ويجات. للجامعات حرمها. فممنوع دخول اي شخص للجامعة، بل فقط الطلبة والاساتذة والشغيلة. الكل تدخل من خلال تكنلوجيا تمييز الوجوه.

وتلاحظون اكياس الطعام خارج مبنى الجامعة من طلبيات الطلبة للطعام من خلال تطبيق الهاتف وكل طالب يأتي لأخذ طلبيته خارج مدخل الجامعة ولا أحد يمسها او يسرقها.

كل شيء تقوم به بالهاتف، فبه تطلب الطعام داخل بعض مطاعم الجامعة وتدفع حسابك به دون ان تتحدث مع شخصا. أذا تريد إذا تريد أن تأخذ دراجة هوائية مثلا من باب الجامعة إلى محطة الميترو، تستخدم نفس التطبيق، وعندما تصل الى محطة القطار وتريد ان تدخل تستخدمه، وإذا تريد أن تشتري البطاقة يجب أن تستخدم هذا التطبيق، ولكي تفتح لك الابواب لتدخل إلى القطار او تذهب إلى السينما وتريد أن تشتري بطاقة طائرة، بطاقة قطار بين المدن، تدخل إلى متحف، تشتري قنينة ماء أو عصير أو إلى آخره، حتى البائع المتجول الذي في الشارع يستخدم نفس التطبيق من خلال المسح الضوئي لكي تدفع ثمن ما تشتريه.

الانسان الالي (الروبات) تراه في مطعم الجامعة في بكين وفي فندق نزلت به في العاصمة وتراه في شوارع جامعة شنغهاي لتقديم الخدمات.

ثقافة الشعب

الصينيون مؤدبون لدرجة عالية جدا. لا تسمع صوت أحد. إنهم محترمون أيضا. ما يميز الصين أيضا انه ليس هناك حساسية من الأجانب، بل العكس فهم موضع احترام وتقدير، وكثير من الأحيان يطلبوا منك ان يصوروا معك. فكان شيئا عادية ان يوقفوك مواطنون صينيون وبالأخص من المقاطعات الصينية لأخذ صور معك لأنك تختلف عنهم شكلا.

العناية بالمسنين والأطفال والخدمات العامة

ولاستمرار ثقافة الصين واخلاق الصين فان اغلب الأطفال يتم رعايتهم عندما الأب والأم عادة في العمل من قبل الجدة والجد المتقاعدين، فواجبهم اخذ الاطفال إلى المدرسة والاهتمام بهم حتى يأتي الوالدين، ولذلك تنقل العادات والتقاليد والأخلاق الصينية من جيل الأجداد إلى جيل الأبناء.

في الصين النقل العام متوفر جدا ويسير وموجود بأسعار زهيدة. كذلك عند زيارة المباني التاريخية والحدائق الكبيرة والمتنزهات. وأكثر ما أثار إعجابي هو أن هناك مرافق صحية في أي مكان تذهب إليه، ودائما هناك إشارات تشير الى كم يبعد هذا المرفق الصحي من عندك، وهي تكون نظيفة وفيها عمال يخدمونها باستمرار. وفي سنة واحدة بنوا مليوني مرفق صحي في البلاد. وهناك لافتة في المرافق الصحية تقول، "هذه خطوة صغيرة للأمام، هذه قفزة كبيرة إلى التمدن."

القطارات موجودة بين المدن. والسريعة جدا تسمى قاطرات الطلقة بسبب سرعتها. الناس الكبار الذين يتجاوزون ال 60 عاما في أكثر الأمكنة تكون مجانية وخصوصا في في المباني التاريخية، أو الحدائق العامة، أو القصور الإمبراطورية الاثرية، او المعابد الدينية.

النساء يتقاعدن بسن ال 55 عام والرجال بسن ال 60 عاما، وعادة دخل التقاعد يكون قريبا من الدخل العادي.

عندما تجلس في المطعم، يجلب لك الماء الدافئ لأنه أكثر صحيا ويتوافق مع درجة حرارة جسم الانسان الداخلية. وقد يكون في الماء بعض الزهور للنكهة أو الشكل، عكس المطاعم الأمريكية حيث يقدم الماء البارد مع الثلج.

هناك شوارع جميلة ومهمة مثلج الشوارع الراقية الموجودة في نيويورك أو في لوس انجلوس. فمثلا شارع ناجين في شنغهاي وشارع وانغ فوجن في بكين العاصمة.

المثير للانتباه إنك لا ترى مطلقا متسكعين، او مجدين، أو مبهدلين، أو الذين تحت تأثير المخدرات، أو شيء من هذا القبيل كما ترى في الولايات المتحدة مثلا، الكل يعمل وجاد عندما تذهب في الترام أو القطار الكل تقرأ والكل عيونها على هواتفها. وإذا تحتاج اي مساعده فيقدمونا لك وأحيانا يريدون أن يدفعوا عنك.

الشعب الصيني الفرحان ونظامه

في الحدائق العامة والسواحل والشوارع العامة، الشيء المفرح والمثير إنني رأيت عدة مجاميع من الناس وهم على الأكثر من المتقاعدين في مجموعات موسيقية يغنون اوبرا وأغاني أخرى او يرقصون مختلف الرقصات للقوميات الصينية او الرقص الحديث. في منتزه كبير أثار انتباهي امرأة كبيرة العمر مع امرأة متوسطة العمر يقفون في مكان جانبي ويستمرون في الغناء وهم فرحين جدا. هل هناك شعب مثل هذا؟ لا أعتقد من خلال زيارتي لأكثر من 70 بلدا في العالم. كلما احتك أكثر بهذا الشعب يجذبني إليه أكثر لدرجة انني أفكر ان أعيش فيه لفترة طويلة من الزمن.

الصين تومن بالنظام الاشتراكي ذو الخصائص الصينية والحزب الشيوعي الصيني له الدور الريادي في إدارة الاقتصاد والسيطرة على المفاصل الرئيسية، كما انه هو يوجه الاقتصاد في القطاع العام والخاص والمختلط، ويعمل من أجل تنفيذ الخطط القصيرة والبعيدة الأمد حيث يومن بالتخطيط المركزي وتعديل خططه بما يخدم التطور الاقتصادي والاجتماعي الصيني. اما بشأن علاقات الصين بالدول الأجنبية، وأساليب التعامل معها، فان الصين لا تضع شروطاً أو قيودا كالتي تضعها الولايات المتحدة والدول الغربية. أيضا لا تحاول الصين التدخل في شؤون الدول الأخرى. أهم شيء بالنسبة لهم بناء العلاقات التجاريه والاحترام المتبادل، أي لا يهمهم طبيعة النظام الذي يتعاملون معه. لكن المهم انه تكون هناك عملية تبادلية تجارية ومنفعة متبادلة.

 الاستنتاج:

الصين بلد رائع ومتميز ومختلف بكل المقاييس، الثقافة عظيمة، والشعب الصيني شعب مكافح، دؤوب، ومنظم مطيع وخلوق. هناك الكثير مما يميز الصين عن غيرها من البلدان في العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، كل واحد يعمل أو يكون رائعا في عمله. ليس هناك اية مظاهر تدل على الانحلال او حالات تدل على تعاطي المحظورات في الشوارع أو ظاهرة التسول والتشرد او مظهر غير لائق في الشارع. الطلاب دائما يدرسون ويجتهدون، والكل مشغول بعملهم ومجد ومجتهد، لذلك أتوقع بسبب كفاح وطبيعة هذا الشعب ان تتبوأ الصين المركز الأول في العالم اقتصاديا في فترة قصيرة نسبيا.