السيدات والسادة المحترمون

الرفيقات والصديقات.. الرفاق والأصدقاء

الحضورُ الكرام

طاب نهارُكم بكلِّ خير وسلام.

نودُّ، ابتداء، أن نعربَ عن امتناننا العميق لمشاركتِكم إيانا الاحتفالَ بالذكرى التسعين لتأسيس حزبِنا الشيوعي العراقي، وهي مشاركةٌ ننظر إليها بروح الاعتزاز لما تعنيه من تقديرٍ لتاريخ وسياسة ومواقف حزبنا ودورهِ في الحركة الوطنية، وفي عموم نضالاتِ شعبنا ضد الاستعمار والاحتلال والمعاهدات الجائرة من أجل الحريةِ والاستقلال والسيادة، وضد أنظمة الاستبداد والدكتاتورية من اجل التحرر والديمقراطية والتقدم والحياة الكريمة.

ونحن نحيي الذكرى التسعين نتوجه باحر التهاني لنساء العراق والعالم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار، كما نوجه تحية تضامن وتقدير الى الشعب الفلسطينى ونمجد صموده وتضحياته وشهداءه وهو يواجه حرب ابادة وحشية من قوات الاحتلال الصهيوني..

لا ريبَ في أن من بين دلالات الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة أن هذا الحزبَ انبثق من تربة العراق ومجتمعهِ ووجدان كادحيه ومثقفيه، لتمتدَ جذورُه عميقا في بلاد الرافدين، وتظلُّ ينابيعُه، التي نعود إليها كلَّ حين، تروي شجرة هذا الحزب الخضراء دوما.

لقد كان وجودُ الحزب الشيوعي، الذي يجمع في سياساته ومواقفه بين الوطني والطبقي، ويناضل من أجل مصالح شغيلة اليد والفكر، ويدافع عن حقوق المرأة والعدالة والمساواة في مكانتها ودورها في المجتمع، وعن حقوق الإنسان وتطلعات الشباب وآمال المثقفين التنويريين، ويحترم الحريات الدينية ويدعو الى التسامح والتعايش السلمي والتنوع الثقافي، ويتمسك بحق الأمم في تقرير مصيرها، ويسعى الى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كان هذا الوجود ضرورةً موضوعية زكّاها التاريخُ ومنحها حياة متجددة.

ولعل من بين المآثر التي لا تُحصى في مسيرة هذا الحزب ما قاله مؤسس حزبِنا الشهيد الخالد فهد: «كنت وطنيا قبل أن أكون شيوعيا، وعندما صرت شيوعيا صرت أشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطني».

ومن الدلالات العميقة في الذاكرة العراقية أن الناس يرون في الشيوعي مُثُل وأخلاق النزاهة والاستقامة والتواضع والعمل من أجل الناس ووسطٍهم والتضحية في سبيل القيم السامية.

لقد بقي الحزبُ الشيوعي، رغم أهوال الاستبداد، والتضحيات الجسام، حيّا، متجددا، ومتحديا، ومضيئا الدروب من أجل الوطن الحر والشعب السعيد. ولعل من ساطع الدلالة أن نتذكرَ هنا ما قاله ناجي شوكت، وزير الداخلية في العهد الملكي، حين وجد عام 1935 منشورا للحزب الشيوعي في بداية تأسيسه على طاولته: «هذا المنشور أخطر من ثورة سوق الشيوخ».

وفي تاريخ حزبنا أمثلةٌ ملهمة، وفي مسيرته تسطع نجوم الآلاف من الشهداء: يوسف سلمان يوسف (فهد)، زكي بسيم (حازم)، حسين محمد الشبيبي (صارم)، سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، محمد حسين أبو العيس، عبد الرحيم شريف، حسن عوينة، عدنان البراك، عبد الجبار وهبي، جلال الأوقاتي، كاظم الجاسم، ستار خضير، عايدة ياسين، ثائرة بطرس، موناليزا أمين، نزار ناجي يوسف، عميدة عذيبي، وضاح عبد الأمير (سعدون)، هادي صالح، كامل شياع، وحيدر القبطان...

لقد توهّم المستبدون، على الدوام، أنهم قادرون على اقتلاع جذور شجرة الشيوعية في العراق، والقضاء على حزب فهد – سلام عادل. وما كان بمقدورهم أن يروا حقيقة أن حزبا انبثق من روح الشعب، ولهيب المعارك الكفاحية، ومعاناة الملايين المريرة من الظلم والاستغلال، وعبّر عن المصالح الوطنية للبلاد، واجترح المآثر الثورية، أن حزبا كهذا هو الذي وضع التأريخُ بيده رايةَ الكفاح من أجل التغيير الاجتماعي وبناء الحياة الجديدة التي يكون فيها الإنسان ُقيمة عليا.

الحضورُ الكريم

إن بلادَنا اليوم تمرُّ بمخاضاتٍ عسيرة وتواجه تحديات جمة، لعل في مقدمتها أهميةَ وضرورة التخلي عن نهج المحاصصة وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس المواطنة، وبما يوفرُّ الفرص المتكافئة للعراقيين جميعا،

وانتهاج سياسةٍ اقتصادية – اجتماعية ومالية ونقدية جديدة أساسُها التوظيف السليم لموارد البلد وتحقيق تنمية مستدامة تفتح فضاءاتٍ أرحب لخطوات جادة، للحد من نسب البطالة والفقر وتوفير الخِدْمات الأساسية وتحقيق التقدم والرفاه.

ونحن نرى أن لا تنميةَ حقيقية ولا استقرارَ ولا امانَ للمواطنين من دون استعادة هيبة الدولة وقدرة مؤسساتها على انفاذ القانون على الجميع، ومن دون حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية، واتخاذ إجراءات فعلية للحد من الفساد المستشري. وهذا يتطلب أيضا، من بين أمور أخرى، العملَ الجاد على مكافحة البيروقراطية وتخليصِ مؤسسات الدولة من الفاسدين والفاشلين، واسنادِ الوظيفة العامة الى ذوي القدرة والكفاءة والنزاهة، بعيدا عن التخادم المحاصصاتي والتوظيف الزبائني.

إنّ تجربة السنوات السابقة لم تزكِ المنهج المتبع حاليا في إدارة الدولة وبنائها، وظهر جليا عجزُ المتنفذين عن تقديمِ حلولٍ للأزمة البنيوية التي تعصف تداعياتُها ببلدِنا وشعبنا، لذا وضعتْ موضوعة التغيير الشامل على جدول العمل، وتحقيقه يتطلب إقامة تحالف واسع، سياسي وشعبي، من التيار الديمقراطي، والقوى المدنية والديمقراطية، ومن الوطنيين، ومختلف الفاعليات السياسية والاجتماعية، لفرض إرادة الشعب في التغيير والسير على طريق بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.

وهذا ما يعمل حزبُنا على تحقيقه، مع الآخرين، عبر مختلفِ اشكال النضال والعمل، وتفعيلِ الضغط الشعبي والجماهيري المعوّل عليه أساسا في تحقيق التغيير المنشود.

وفي هذه المناسبة، وكما كنا، نجددُّ موقفَنا الثابت في دعم نضال الشعب الفلسطيني، ونطالبُ بوقف العدوان الصهيوني ومجازره الوحشية وحرب الإبادة الحماعية القذرة فورا، وتمكين شعبِ الجبارين من إقامة دولته الوطنية ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس. ونطالبُ الحكومةَ العراقية، ومختلفَ فئات شعبِنا وقواه السياسية بالمزيد من الدعم والاسناد، المتعدد الأشكال، لصمود الشعب الفلسطيني ونضاله المفعم بالتضحيات الجسام.

الأخوات والأخوة، الأصدقاء والرفاق الأعزاء

يشهدُ عالمُنا اليومَ أزمات وتوترات وحروبا محلية متعددة، وهي تتواصل مسببةً دمارا وخرابا وخسائرَ بشرية متعاظمة، وتهديدا متزايدَ الخطورة للسلم والأمن العالميين، من دون أفقٍ واضح لحلولٍ سياسية، بل تجري تغذيتُها وإمدادُ أطرافِها بالمال والسلاح خدمة لمصالح القوى العظمى ومشاريعِها في الهيمنة على مقدراتِ الشعوب، كما كشفت الأزمة المالية

والاقتصادية لعام 2008 غير المسبوقة منذ ثلاثينات القرن الماضي، والتي هزت أركانَ النظام الرأسمالي العالمي، عن فشل السياسات الليبرالية الجديدة وتناقضاتِها وما ينتجُ عنها من تعميقٍ للهوّة في الدخل والثروة على صعيد كل بلد، وما يصاحبُ ذلك من فقر وصعوباتٍ في الأحوال المعيشية لأقسام واسعة من المجتمع، وكذلك الفجوة المتزايدة ما بين بلدان المركز والأطراف في النظام الاقتصادي العالمي الذي تسيّره مبادئ وقواعد نهج الليبرالية الجديدة التي تتولى اعتمادَها وتطبيقَها المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية؛ صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.

وفي هذه الظروفِ العالمية المضطربة والمحمّلة بالمخاطر والمعاناة للشعوب، نجددُ دعمَنا وتضامننا وانحيازنا الى نضال شعوب المنطقة والعالم من اجل الحرية والديمقراطية والعيش الرغيد والسلم الوطيد.

أيها الحضورُ الأعزاء

تسعون عاما، مفعمة بالتجارب والمحن والتحديات والآمال، مرّت ودربُ النضال المجيد مايزال ممتدا أمامَنا، وفيه نغذّ المسير صوب غاياتنا الساميات.إن هذا الاحتفال مناسبةٌ أخرى لتجديد العهد، بعزيمة الشيوعيين المعهودة وتصميمهم، على أن نمضي الى أمام، نحو آفاق أرحب، ونشق الطريقَ نحو غدِ بلادِنا الوضاء، ونعيد النظر بأفكارِنا وخطانا بالروح

الانتقادية التي رسّخها معلمونا الأوائل، مستندين إلى خبرة التاريخ، ومنهجنا الفكري والنظري العلمي لتحليل وفهم الواقع المتغير، ومتمثلين الدروس البليغة من تجاربنا.

وكما نجح حزبنا على مر تاريخه المجيد، بفضل نضال الشيوعيين والشيوعيات وأصدقائهم ومناصريهم، وثباتهم واصرارهم في تجاوز العقبات والصعوبات، فإن تحديات الحاضر الفكرية والسياسية والتنظيمية تشكل محفزا للحزب ومناضليه لاستنهاض قواه ومضاعفة الجهود لتوثيق الصلات بالجماهير بما يعزز مكانته ودوره في الحياة السياسية في التأثير على مسارات تطور البلاد اللاحقة.

شكرا لكم، وعهدا لشعبنا على أن تبقى رايتُنا خفاقةً في سماء العراق من أجل مستقبله المضيء.

والسلام عليكم

* القاها الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب