يبدو هناك سُنّة تقول بأنه قبل كل انتخابات تشريعية أو محليّة في البلاد، يتوجب مهاجمة الحزب الشيوعي العراقي ومحاولة النيل من تاريخه ومكانته.  وفي الحقيقة فأنّ مهاجمة الحزب الشيوعي العراقي لا تقتصر على جهة سياسية دون غيرها، فتاريخ العراق الحديث ومنذ تأسيس الحزب في العام 1934 ولليوم تشير إلى أنّ الحزب كان في مرمى أتهامات بل وحتى قمع غالبية القوى السياسية العراقية إن لم يكن كلّها، وربما لم يتخلف حزب في العراق تقريبا عن مهاجمه الشيوعيين وحزبهم، سواء كان ذلك الحزب على رأس السلطة أو مشاركا فيها، أو هناك مشروع مستقبلي له للمشاركة فيها.

 إن كانت مهاجمة الحزب الشيوعي العراقي وقمعه سُنّة للبعض، فأنّ نهج الحزب الوطني ودفاعه عن قضايا  الوطن والجماهير في كل العهود السياسية ومنها عهد المحاصصة اليوم، هو الآخر سُنّة عند الوطنيين الحقيقيين وكذلك الشيوعيين الذين لم يتخلفوا يوما عن النضال في سبيل أهدافهم التي هي أهداف الناس والوطن، كما وأنّ التاريخ  أثبت من خلال الممارسة والنتائج من أنّ سُنن جميع من وصلوا إلى السلطة في العراق ومنهم من يحكم البلاد اليوم عن طريق المحاصصة، من أنّهم يقفون على الضد من مصالح الجماهير والوطن باستثناء بعد ثورة الرابع عشر من تموز.

 نحن اليوم على أبواب أنتخابات محليّة، وضع المتحاصصون قوانينها على مقاساتهم بدقّة لحصد أكبر عدد من مقاعدها، بما يكرّس الواقع الخدمي البائس في البلاد ولتكون أي الانتخابات ( پراوه) للأنتخابات التشريعية القادمة. علما ومن خلال تجارب العمليات الانتخابية السابقة سواء كانت برلمانية أم محليّة، فأنّ نتائجها كانت في صالح قوى الفساد دون حاجتهم لا ( للپراوه) ولا إلى قياس حجم هذه القوى، فالمقاسات والقوانين هي بيد البرلمان ومجلس المفوضية والقضاء والسلاح، وهذه مجتمعة لا مكان للشيوعيين والديموقراطيين والعلمانيين والمدنيين فيها.

 على الرغم من أن الجدل داخل الحزب حول مشاركته في الانتخابات المحلية القادمة من عدمه، الا أنّ قرار المشاركة قد تمّ اتخاذه، والحزب اليوم ضمن تحالف (قيم المدني) يحاول وبقية الأحزاب والتنظيمات والشخصيات المتحالفة معه كسر القاعدة الانتخابية، التي تقول بانتصار قوى المحاصصة حتى قبل بدء العملية الانتخابية، التي هي تحصيل حاصل بنظر هذه القوى والشارع العراقي الذي فقد الثقة بسياسي منظومة المحاصصة. وقد أثبتت نتائج كل الانتخابات السابقة التي جرت لليوم، من أنّ حالة (تحصيل حاصل) كانت الحقيقة التي لمسها شعبنا وهو يرى نفس الطبقة السياسية رغم فسادها ونهبها للمال العام، على سدّة الحكم منذ الأحتلال الأمريكي للبلاد ولليوم.

 على الرغم من أنّ قانون الأنتخابات سُنّ ككل أنتخابات على مقاس أحزاب المحاصصة مثلما ذكرنا قبل قليل، وعلى الرغم من أنّ المفوضية ستتجاوز مسألة صرف الأموال وضوابط الأنفاق خلال الدعاية الأنتخابية تحت ضغط القوى الفاسدة والمهيمنة على القرار السياسي، وعلى الرغم من أنّ القضاء سيقف على قدم وساق لأيجاد تفسيرات وتخريجات "قانونية" في حالة عدم حصول أحزاب بعينها على أصوات كافية، وعلى الرغم من فقر الحزب الشيوعي العراقي المالي ومعه تحالف قيم المدني، فإنّ إعلان مشاركة الحزب في الانتخابات المحلية القادمة، قد أستفزّ القوى الفاسدة التي ساهمت وتساهم في تأسيس أحزاب وتنظيمات تحت عناوين ويافطات  مدنية  لأرباك المواطن العراقي وهو يتوجه إلى صناديق الانتخابات. ولم يتخلف البعض من قادة هذه الأحزاب والتنظيمات القادمة من رحم أحزاب الفساد الكبيرة، عن مهاجمة الحزب الشيوعي العراقي وتاريخه، وكأنّ الحزب هو المسؤول عن الفساد والبطالة والفقر والجريمة المنظمة وسرقة القرن ، أو أن الحزب الشيوعي العراقي هو المسؤول عن تسليم ثلث مساحة البلاد لتنظيم داعش الارهابي، وهو من يتحمل مقتل المئات في ما يعرف بجريمة سبايكر، أو أنّ الحزب الشيوعي العراقي هو المسؤول عن تردي قطاعات الكهرباء والخدمات والتعليم والصحة وسرقة مصفى بيجي، أو أنّ الحزب هو المسؤول عن إدارة نوادي القمار والمتاجرة بالجنس والأعضاء البشرية والمخدرات وأنتشارها بين الطلبة والشباب بل وحتى الاطفال، وغيرها الكثير من الأمور التي ترقى إلى مصاف جرائم بحق الوطن والشعب.

 اليوم وهؤلاء يحاولون النيل من نضالات الحزب طيلة تاريخه المجيد، أعود بهم إلى معجم الأدباء 5/272 لياقوت الحموي الذي يقول:

 ان رجلا سأل أبا عبيدة معمر بن المثنى، فقال له: رحمك الله يا أبا عبيدة ما العنجيد؟ قال: رحمك الله ما أعرف هذا، قال سبحان الله، اين يذهب بك عن قول الاعشى:

 يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ........................... د تليع تزينه الاطواق

 فقال عافاك الله، (عن) حرف جاء لمعنى، والجيد: العنق.

 ثم قام آخر في المجلس، فقال: يا أبا عبيدة، رحمك الله ما الأودع؟، قال: عافاك الله، ما أعرفه، قال: سبحان الله، أين أنت عن قول العرب: زاحم بعود أو دع. فقال: ويحك، هاتان كلمتان، والمعنى: أترك أو ذر، ثم أستغفر الله، وجعل يدرّس.

 فقام رجل، فقال: رحمك الله، أخبرني عن كوفا، أمن المهاجرين، أم من الأنصار؟ قال: قد رويت أنساب الجميع، وأسماءهم، ولست أعرف فيهم كوفا. قال: فأين أنت عن قوله تعالى: والهدي معكوفا.

قال: فاخذ ابو عبيدة نعليه، وأشتدّ ساعيا في مسجد البصرة، يصيح بأعلى صوته: من أين حشرت على البهائم اليوم.

 واليوم على الشيوعيين العراقيين وهم يواجهون هجوم قوى الفساد على حزبهم، أن يشتدّوا ساعين في أرجاء العراق كما أشتدّ أبو عبيدة في مسجد البصرة، ويصيحوا بأعلى أصواتهم: من أين حُشرت علينا قوى المحاصصة والفساد وأذرعها اليوم؟

عرض مقالات: