الرفيقات والرفاق الاعزاء

اسمحوا لي في البدء ان انقل تحايا حزبنا الشيوعي العراقي الى المؤتمر الخامس لقوى اليسار في منطقة المتوسط، متمنين له النجاح وتحقيق الأهداف التي يعقد من اجلها. ونتقدم بجزيل الشكر الى الرفاق في حزب الشغيلة التقدمي في قبرص «اكيل» لاستضافتهم هذا المؤتمر، والى الرفاق في حزب اليسار الاوروبي، ولكل من ساهم في التحضير لملتقانا الأممي هذا والمشاركة فيه.

وفي الوقت المحدد لنا للحديث في هذا المحور، سنركز على قضية المياه، حيث يعاني العراق ومنذ سنوات من انخفاض حاد ومتواصل وتراجع كبير في تدفق المياه الى أراضيه. وهو يعتمد في تأمين حوالي 70 في المئة من وارداته المائية على دول الجوار. فقد قامت تركيا ببناء سدود عملاقة باشرت في تشغيلها، ما أدى الى انخفاض غير مسبوق في مياه نهري دجلة والفرات. كما لجات ايران الى قطع روافد الأنهر القادمة عبر حدودها او تحويل مسارها الى داخل أراضيها. ان التأثير السلبي الكبير لهذه السياسات المائية للدول المجاورة اصبح واضحا على الزراعة والثروة الحيوانية والأمن الغذائي والمائي في بلدنا، وعلى حالة الجفاف والتصحر. كما كان لها تداعيات سلبية على توفير مياه الشرب للمواطنين وتأمين الاحتياجات الأخرى. ان لشح المياه  تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة آخذة في التفاقم على نحو غير مسبوق.

وأدناه بعض الحقائق:

  • ان 2/3 (ثلثي) المياه المتجددة في الشرق الأوسط هي مياه مشتركة (عابرة للحدود).
  • اكثر من 60 في المئة من مياه نهر دجلة تنبع من تركيا وايران. وان بحدود 97 في المئة من مياه نهر الفرات تنبع من تركيا. وهذا يعني ان نهري دجلة والفرات هما نهران دوليان وفقا لتعريف الأنهار الدولية.
  • انخفضت ايرادات العراق المائية من ايران بصورة حادة، حيث قطعت بصورة شبه كاملة مجاري الأنهر والجداول المشتركة بين البلدين.
  • وجراء هذه المواقف من تركيا وايران، انخفضت الإيرادات المائية للعراق من 158 مليار متر مكعب في عام 1989 الى 65 مليار متر مكعب عام 2018.
  • اما اليوم، وحسب تقارير وزارة الموارد المائية العراقية، فان كمية الاطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات (من تركيا وايران) لا تمثل سوى 30 في المئة من الاستحقاق الطبيعي للعراق. ومعروف ان الخزين الاحتياطي التاريخي للعراق لم يكن يقل عن 70 مليار متر مكعب، فيما لا يزيد الآن عن 7 مليارات متر مكعب. أي انه تراجع الى 10 في المئة من مستواه السابق.
  • ان الكميات الحالية للايرادات المائية من نهري دجلة والفرات لا تسد سوى 40 في المئة من الحاجة الفعلية للاستهلاك. وادى ذلك ايضا الى انخفاض خزين العراق المائي الى 60 في المئة، وانخفضت المساحات المزروعة بنسبة 50 في المئة.
  • وكشف «مؤشر الإجهاد المائي» الدولي (Water Stress Index) أن العراق مهدد بأن يصبح بلا أنهار بحلول عام 2040 مع جفاف نهري دجلة والفرات.
  • ان التعامل مع هذا الملف الحساس والمهم للشعب العراقي راهنا ومستقبلا، يتوجب ان يضع في الاعتبار حقيقة ان البلدين الجارين تصرفا وفق مصالحهما الانانية والضيقة، واتخذا إجراءات وحيدة الجانب على حساب مصالح العراق وشعبه، ومن دون أي اعتبار لدولة مصب النهرين. وانهما، أي تركيا وايران، السبب الرئيسي لمعاناة العراقيين اليوم من ازمة المياه، وذلك ليس من ناحية الكم فقط. فهناك أيضا التدهور المريع لنوعية المياه، خاصة حيث يتباطأ مجرى النهرين وهما يجريان الى جنوب العراق.
  • صحيح ان هناك تغييرات مناخية دولية وتضاؤل سقوط الامطار وهطول الثلوج في حوضي النهرين، لكن آثار ذلك وتداعياته يتوجب الاّ يدفع ثمنها العراق وحده، فليس في ذلك شيء من الإنصاف.
  • هنا يتوجب على الحكومة العراقية ومفاوضيها الإصرارعلى اعتبار نهري دجلة والفرات من الأنهار الدولية، وفقا للاتفاقات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة، وبهذا المعنى يتوجب تقاسم الضرر. ان هذا المطلب العادل، أي الحصول على حصة منصفة من المياه ، لابد ان يلقى التفهم والتأييد والدعم.
  • لقد ترددت الحكومات العراقية المتعاقبة كثيرا في التعامل مع هذا الملف، بل ولم تقدّر حجم الكارثة المحدقة، رغم الكثير من الدراسات الرصينة التي حذرت من حالة جفاف تام، ومن فقدان العراق نهريه في غضون عقد ونصف العقد من الزمن. وهنا يمكن القول ان المواقف السياسية قد فعلت فعلها، ولا يزال البعض يراهن على حسن نوايا الجارتين، رغم ما تكبده العراق ويتكبده من خسائر جسيمة، ورغم البضائع والمنتجات الإيرانية والتركية التي تدخل العراق وتقدر بأكثر من 40 مليار دولار سنويا.
  • نعم، يحتاج العراق الى سياسة مائية ناجعة واستخدام عقلاني للمياه وإدارة داخلية سليمة لها. كما يحتاج الى استخدام واسع النطاق لتقنيات الري الحديثة (فالزراعة تستهلك اكثر من 70 في المائة من مياهنا)، بجانب استصلاح الأراضي. كل هذا وغيره مطلوب حقا، لكنه لا يعني بأية حال المساومة على حصة عادلة للعراق في نهري دجلة والفرات.
  • اما بشأن البيئة في العراق، فانها في تدهور مستمر لأسباب عديدة منها: عدم وجود خطط تنموية -الحروب العبثية منذ 1980 وبعد الاحتلال الامريكي للعراق - استخدام الاسلحة المحرمة دوليا -مشاكل التغير المناخي والتصحر - استهلاك الطاقة والمحروقات - انبعاثات الغازات بسبب كثرة وسائط النقل - وزيادة الدخان الضبابي.
  • فالعراق يعاني من تلوث بيئي خطير، ولا توجد سياسات ورؤية حكومية ومؤسساتية جادة لمعالجة مشاكل البيئة، فضلا عن قلة التخصصيات المالية. وهو ما يهدد باندثار المساحات الطبيعية الخضراء، وزيادة تلوث المياه والهواء، ويفاقم تدهور الوضع الصحي للانسان العراقي.

وارتباطا بشح المياه وبالجفاف والتحديات البيئية الجسيمة التي يواجهها العراق، اعتبر حزبنا الشيوعي ان على الحكومة العراقية والمؤسسات المعنية في الدولة، التحرك في اتجاهات عدة لتأمين حصة مائية عادلة للعراق، والتعامل اقتصاديا وتجاريا وسياسيا مع تركيا وايران في ضوء مواقفهما من قضية المياه. وهذا يتطلب المزيد من الضغط بعيدا عن الحسابات الضيقة، لانتزاع حصة مقبولة للعراق في مياه نهري دجلة والفرات، وان تعيد ايران النظر في إجراءاتها الأحادية الضارة والمؤذية. كما يتوجب في هذه الظروف الحرجة تقديم كل اشكال الدعم والاسناد للمزارعين والفلاحين، ومنهم أيضا من اضطر الى ترك ارضه والهجرة منها  تحت ضغط الجفاف.

كما طالب حزبنا بعرض خلاف العراق مع دول الجوار حول الحقوق المائية على منظمات الأمم المتحدة  والمنظمات الإقليمية والدولية الرسمية وغيرالرسمية، واستخدام كل الاساليب المشروعة لدفع الدول المجاورة الى تلبية مطالب العراق المائية العادلة.

ختاماً، نتطلع الى تعزيز التعاون بين قوى اليسار في منطقتي المتوسط والشرق الأوسط وفي اوروبا، وعلى الصعيد العالمي،  في النضال المشترك من اجل تأمين حق شعوبنا في العيش في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، تنعم فيها بالحرية والسلام والحياة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القاها الرفيق بسام محي نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي