إن ما تطرقت إليه بلاسخارت مؤخرا وخلال حضورها معرض الكتاب الدولي المقام في أربيل من ان "النظام الذي تأسس عام ٢٠٠٣ لا يمكن له الاستمرار" يثير الكثير من الجدل حول مسؤولية أي من القوى التي ساهمت بولادة نظام ما بعد صدام المشوه والذي أنتج نظام المحاصصة الطائفية والعرقية التي ألحت الإدارة الأمريكية على فرضه على العراق والعراقيين قبل الغزو وبعده ولقي المباركة والترحيب من قبل زعماء الطائفية العرقية وإيران. إن الجرائم البشعة التي أرتكبها المحتل من تدمير شامل للبنى التحتية وتسبب بمقتل ملايين العراقيين تحت ذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل, وبناء الديمقراطية وجعل العراق نموذجا يحتذى به في المنطقة هذه الكذبة المخادعة التي مهدت ليس فقط في بناء هذا النظام المشوه والذي كلف العراقيين دماء ثمينة وحرب داخلية طائفية, ومليارات من الدولارات التي أهدرت على محاربة الإرهابيين من بقايا النظام السابق والقاعدة وبعدهم داعش الإرهابية ولكن أيضا حصل كل ذلك وقواعد المحتل العسكرية وقواته متواجدة على أرض العراق وسوريا والدول المجاورة. وكان ينبغي على المحتل أن يحافظ على أرواح العراقيين وثروات العراق وأمواله وإعادة بناء ما خربته الحرب، نجدهم كانوا يغضون النظر عن تهريب النفط وهدر المال العام وشبهات الفساد الواسعة وسرقة أموال العراق عن طريق المشاريع الوهمية وصفقات بيع الدولار من البنك المركزي. وما يحز بالنفس فإنه وبعد كل هذا الدمار وملايين الضحايا وتفشي الفساد أفلت هؤلاء المجرمين من العقاب وعن دفع تعويضات الحرب والدمار. ولقد ذكّر الصحفي البريطاني باتريك وينتور في مقاله حول غزو العراق في صحيفة الغارديان من أن "العديد من التحذيرات، التي طرحها الكثيرون من الخبراء في شؤون العراق والشرق الأوسط، قبيل اندلاع الحرب، والتي تم تجاهلها وخاصة من قبل الساخر بوش وحلفائه، مؤكداً بأن إقدام هؤلاء على غزو العراق واحتلاله وإدارته، رغم جهلهم بظروفه، مثّل غطرسة بامتياز".

 فالعراق اليوم لازال محتلا من قبل الولايات المتحدة وتركيا وايران حيث تتواجد قواعدهم وأذرعهم العسكرية وعملاءهم في جميع مفاصل الدولة وتدخلاتهم في الشأن السياسي والاقتصادي والأمني العراقي واضحة للعيان حيث ومنذ الأيام الأولى للاحتلال تم حل الجيش العراقي والشرطة وحل محلهما جيش وقوات أمن جرى تدريبها من قبل ضباط الاحتلال وتشكلت على أسس طائفية وعرقية مما أفقدها مهنيتها وكفاءتها العسكرية وأصبحت مترهلة بالفاسدين والتابعين للطائفيين مما سبب باحتلال داعش لثلث الأراضي العراقية في فترة رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي.

 وكان العراقيون وهم يمرون بظروف صعبة أمنية واقتصادية وسياسية, حيث ما ان يتخطون تلك الأزمات يجدوا أنفسهم وقد أدخلهم قادتهم الفاسدين في أخرى أعمق وأخطر, فقد كانوا يأملون أن تسجل الأمم المتحدة حضورا واضحا في مساعدة الشعب العراقي تخطي مآسي الحروب والتأثير على الشأن العراقي من خلال الضغط على الحكومات المتعاقبة لرفع مستوى معيشة العراقيين والحد من التدخلات الأجنبية بالشأن العراقي وخاصة من إيران وعملائها والوقوف إلى جانب شباب الانتفاضة الباسلة والقوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني وقوى التغيير الديمقراطي , ويكون لها حضور فاعل في الانتخابات التي جرت في العراق من خلال الضغط على السلطات الثلاث إقرار القوانين الانتخابية العادلة والحد من التزوير الواسع إضافة إلى فضح التلاعب بنسبة المشاركين بالانتخابات. ولكن مع الأسف نجد هذه المنظمة وقد اندمجت بالكتل الفاسدة وكما يحلو للعراقيين أن يقولون بأنها تدعم الفاسدين والقتلة خاصة وتأتي زيارة غوتيريش سكرتير منظمة الأمم المتحدة الأخيرة للعراق ولقاءاته بقتلة المتظاهرين والفاسدين وتعمده على عدم الالتقاء بممثلين من شباب الانتفاضة ومن منظمات المجتمع المدني وقوى التغيير الديمقراطي دليل من أن هذه المنظمة أصبح وجودها شكليا وفقدت تأثيرها وحيادها ودفاعها عن مبادئها الإنسانية وأخذت شيئا فشيئا تأتمر بمراكز القرار في الغرب.   

 في ظل كل هذه الظروف واستمرار الكتل المتنفذة الغوص أكثر في مستنقع سياستها الاقتصادية الريعية التي تعتمد على بيع النفط مقابل استيراد الكثير من السلع التي كان العراق يصنعها ويزرعها من قبل هذا من جانب ومن جانب آخر التشبث بسياستها المنافية للدستور إن كان في تقديم ميزانيتها السنوية دون تقديم الحسابات الختامية أو مناقشة وإقرار البرلمان العراقي عدد من القرارات التي تتعلق بانتخابات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية القادمة أو قوانين تحاول بها تكميم الأفواه وتقليص مساحة الحريات الخاصة والعامة حيث جرى قبل فترة منع بيع وتصنيع وتوزيع واستيراد المشروبات الكحولية وهذا معناه استهداف أرزاق أتباع الديانات والطوائف الغير مسلمة مما يعتبر انحياز السلطة السياسية لضغوط القوى المحافظة كما سيزيد من انتشار ظاهرة المخدرات وازدهارها. فالحكومات التي تعاقبت على دست الحكم فشلت تماما في المحافظة على تطبيق الدستور حيث ما زالت الميليشيات التابعة للأحزاب ترتكب الموبقات تجاه المتظاهرين السلميين وتهدد السلم الأهلي إضافة فشل تلك الحكومات في فض النزاعات العشائرية المسلحة وتجريدها من أسلحتها المتوسطة وحصر السلاح بيد الدولة. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن حكومة الكاظمي ومن بعده السوداني لم يستطيعا تقديم قتلة شباب الانتفاضة إلى القضاء العادل والنزيه وتطبيق قانون الأحزاب الذي يمنع تلك الأحزاب التي لها أذرع عسكرية بالاشتراك في الانتخابات, أي أن تلك الحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية وقد حان الوقت إلى تنحيها عن الحكم أو إجبارها على فسح المجال للبدائل الوطنية الكفوءة لإعادة بناء الوطن على أسس اقتصادية وسياسية علمية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب لإعادة قاطرة العملية السياسية إلى السكة الصحيحة اعتمادا على مبدأ المواطنة المتساوية, فالفشل في ذلك سيؤدي الى الكثير من التراجع في كافة مفاصل الدولة والمجتمع مما يهدد السلم الأهلي.        

عرض مقالات: