الحديث عن المرأة العراقية وتضحياتها وصمودها البطولي وما وضعته من لمسات انسانية في تاريخ العراق الحديث، يستدعي بالضرورة استذكاراً يليق بها. ومن ثنايا باقة الورد الزاهية، وفي مناسبتين عزيزتين على الحركة النسوية العالمية والعراقية على الاخص، يوم المرأة العالمي وتأسيس رابطة المرأة العراقية.

 الدليمي تستعرض سيرتها

ولدتُ في العام 1923 في بغداد، ابنة بكر، وتبعني ستة اطفال اخرين اربعة اخوة واختان. نشأت في وسط عائلة ذات دخل متوسط حيث كان والدي يعمل مستخدما في اسالة ماء بغداد. وعلى الرغم من كبر عدد افراد الاسرة (كانت جدتي والدة أمي تعيش معنا ايضا)، سعى ابي الى تنمية الاهتمامات الثقافية لدينا فكان يوصل لنا في اللقاءات المسائية اليومية المعلومات العامة، التي يجمعها من قراءته للكتب التاريخية والاجتماعية، وكان يقرأ لنا ما تنشره الجرائد اليومية حتى أصبحنا متعلقين بجريدة “حبزبوز”، ونقدها للأوضاع السائدة بأسلوبها الساخر، وعن هذا الطريق نمت لدينا القدرة على المناقشة والتساؤل، وازداد تعلقنا بتراثنا، وحبنا لوطننا وشعبنا.

في اعوام الحرب العالمية الثانية كنت طالبة، وكنا نعيش في منطقة قرب باب المعظم، الا ان أقرب مدرسة لنا كانت مدرسة “تطبيقات دار المعلمات”، وكانت في حينها مدرسة نموذجية وفيها درست الابتدائية والمتوسطة، اما الدراسة الاعدادية فقد اكملتها في الثانوية المركزية للبنات.

كنت طالبة تتأثر بما تدرس من علوم وتحاول ان تفهم من خلالها ما تشهده من اوضاع ومعاناة مريرة يعيشها شعبنا، خاصة بعد دخول الكلية الطبية في عام 1941 – 1942، الذي اتاح لي فرصة الاطلاع على تفشي مختلف الامراض بين بنات وابناء شعبي وارتباطها بأوضاعهم المعيشية المتردية.

 حياتها الجامعية وصحيفة “تحرير المرأة”

تضيف الراحلة الدليمي: ان طالبات كل كلية كن يعقدن اجتماعهن وحدهن، والى جانب الكليات كنا نستفيد من المؤسسات الاخرى، فقد عقدنا مثلا، اجتماعا في النادي الرياضي الاولمبي في الاعظمية حضرته أكثر من مائة امرأة، تحدثت فيه عفيفة رؤوف عن المؤتمر الاول للنساء العربيات، الذي عقد في القاهرة. وكانت الرابطة مدعوة اليه، ومثلتنا فيه الرئيسة، وكانت هدى الشعراوي هي المبادرة لعقد المؤتمر، وكان من قراراته تأسيس اتحاد نساء في كل قطر عربي، لا جمعية نسائية. بالنسبة للعراق حضرت المؤتمر الى جانب “رابطة النساء العراقيات”، كل من “جمعية مكافحة الامية”، وهي جمعية تقدمية ايضا، كانت تعمل فيها الدكتورة روز خدوري، وهي التي مثلتها في المؤتمر، وجمعية حماية الطفل، ومثلتها الدكتور سائحة امين زكي. واكد المؤتمر أهمية دور المرأة في النضال ضد الاستعمار والصهيونية، الى جانب نضالها في سبيل حقوقها. اي ان عمل المرأة كان مراعيا للإطار الوطني والقومي، وتلك سمة من سمات ذلك العهد، ولم يكن عملا انثويا محضا منعزلا عن المجتمع وقضاياه الوطنية. وفعلا تمخض اجتماع النادي الاولمبي الذي تمثلت فيه كافة ممثلات الجمعيات المذكورة عن تأسيس “الاتحاد النسائي العراقي” وتشكيل هيئته الادارية التي مُثلت فيها “رابطة النساء العراقيات”، بثلاث عضوات وكان ذلك في عام 1945. واصدرنا صحيفة باسم “تحرير المرأة”، وكنا نكتب فيها خواطرا اما التوجيه الفكري فكانت عفيفة رؤوف مسؤولة عنه. وكانت أشياء لطيفة جدا تخص حياة المرأة والطفل والحرمان في العراق، لازلت اذكر تعقيبا لها اسمه “الحرمان”، تظهر تأثرت به جدا لعمق محتواه واسلوب كشفه لمشاكل الشعب. لم يتحمل نظام نوري السعيد هذه الصحيفة فاغلقها في عام 1947، مع بداية الحملة الشعواء ضد الحريات في ذلك العام، (ولم يكن قد صدر منها سوى عددين).

 بدايات الانتماء الحزبي

في اوج الحملة في عام 1947 قررت الانتماء الى حزب التحرر الوطني ومن ثم الى الحزب الشيوعي، لأنه كان قد قدم طلبا لإجازته رسميا، وهو الحزب الجماهيري الذي نعرفه آنذاك ولا يحتاج الامر الى بحث وتقصي، ولكن السلطة لم تجزه، عندئذ انتميت مع الكثير من الاعضاء الاخرين الى الحزب الشيوعي العراقي.

تعرفت على افكار الحزب الشيوعي من خلال النقاشات التي كانت تدور في الكلية بين الطلبة وكان يشارك فيها العديد من الطلبة من مختلف الاحزاب العراقية. اضافة الى ذلك كانت هناك صحف وطنية، مثل جريدة حزب الشعب وجريدة الحزب الوطني الديمقراطي، وهما “الوطن” والأهالي” وغيرهما من الصحف التقدمية الليبرالية، وكان الحزب الشيوعي العراقي يحوز على شعبية متميزة وسط الطلبة مقارنة بالأحزاب الاخرى، نظرا لوضوح اهدافه، وصموده، وصلابته، وعدم مراوغته حول القضايا الوطنية التي كان يطرحها بالشكل الصحيح.

كان للحزب نشاط في كليتنا وكان يمثله آنذاك فاروق برتو، الذي كان يزودنا بجريدة الحزب السرية وأديباته الاخرى، ويمكن القول ان الدكتور فاروق برتو كان اول من عرفني على الحزب، وكان تحركه مقتصرا على ايصال ادبيات الحزب. وكانت لدينا نشاطات مع قوى وطنية اخرى، فعندما اعدمت السلطات الملكية الضباط البرزانيين الاربعة، قام طلبة صفنا، وهم من مختلف الميول والاتجاهات بأضراب عن الدراسة، وكان زميلان من البارتي هما اللذان اخبرانا بجريمة الاعدام، وهما جمال رشيد فرج، وكمال ناجي، فأعربنا عن تضامننا الوطني.

وكنا نخوض نقاشات سياسية، نقرأ الجرائد العلنية ونناقش ما فيها.. وكل هذا وسع من مداركنا.

رشحت للحزب عام 1947، ونلت شرف العضوية في سنة الوثبة ضد معاهدة بورتسموث في عام 1948، وفي هذه السنة تخرجت من الكلية وباشرت ممارسة مهنة الطب وساعدني عملي السياسي في صفوف الحزب، والتمعن في أدبياته وافكاره، على تفهم أعمق لمشاكل ابناء وبنات شعبي، الامر الذي ساعدني ايضا على الاندفاع في خدمة شعبي ووطني، كما اتاحت لي مهنتي كطبيبة الاطلاع عن قرب على مشاكل الشعب.

 صعوبات في عمل المرأة

اثناء عملي كطبيبة في محافظة كربلاء واجهت صعوبات كثيرة وكنت مضطرة، مثلا، الى لبس العباية، والى مراعاة امور عديدة حتى عندما اذهب لفحص مريض في البيت.

في أحد الايام اتصل بي تليفونيا مدير الصحة العام – الدكتور الطوخي – قائلا: هناك مشروع لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة البجل، هل توافقين على العمل فيه؟ فأجبته حالا ودون أي تردد: “موافقة”، لأتخلص من القيود المفروضة علي في كربلاء. والتحقت بالمشروع في عام 1950، وكان غرضه التقصي عن مرض البجل (وهو مرض من امراض الصحة العامة الشائعة، ويسمى primitive syphilis) في التجمعات السكانية الواقعة حول المياه. فأخذنا دجلة مثلا حتى الموصل واخذنا الفرات الى عانة، بعد ذلك نزلنا الى الاهوار، الى كل مناطقها في العمارة والبصرة والناصرية، وهي واسعة جدا.

 فرصة للقاء بالنساء

كانت فرصة فريدة وكبيرة لا تعوض بالنسبة لي، فلو بقيت خمسين سنة في مكاني لما تعرفت ولا حتى تصورت حياة الناس ومعيشتهم في مثل تلك الاحوال التي رأيتها، خاصة وأننا كنا نتابع اوضاعهم الصحية. فاطلعت عن قرب وعايشت اوضاع الناس، ويا لها من اوضاع، مرة رأيت احدى النساء تخوض في مياه الهور الوسخة، وكانت في فترة النفاس، فطلبت منها ان تعتني بنفسها، منبهة اياها الى خطورة ما تفعل، فردت “يا دكتورة هل تحسبينا من الاوادم، احنه بهاي عيشتنا مو اوادم”، فأثرت في كثيرا.

كنا نستخدم اثناء الحملة ما يسمى بالكارت او البطاقة الصحية التي نثبت فيها نتائج الفحوصات وغيرها من المعلومات التي كنا نستفيد منها في المتابعة. وقد تجمع لدي الالاف منها، بما فيها من كم هائل من المعلومات فأعددت في ضوئها كراسا خاصا بأوضاع المرأة العراقية عموما، وفقا لاجتهادي في ذلك الوقت.

وبعد انتهاء مهمة التقصي الميداني، رجعت الى بغداد في عام 1951، للعمل في المستوصف التابع للمشروع، والذي كنا نتابع فيه مرضى البجل، تبلورت لدي فكرة اعادة نشاط “رابطة النساء العراقيات”، وبدأت التحرك، فوجدت ان الرئيسة عفيفة رؤوف قد انجبت في هذه الفترة المزيد من الاطفال وازدادت مسؤوليتها العائلية ولذلك اعتذرت عن المشاركة في المهمة. عندئذ شرعت بتجميع النساء، وبلغ عددهن 20 امرأة، معظمهن من خريجات الكليات، ومنهن من هن شقيقات لمناضلين، وعدد منهن مناضلات.

 الحزب الشيوعي ساعدني في تلك المهمة الصعبة

كان الحزب يساعدني، يزودني بأسماء العوائل والنساء فأقوم بزيارتهن، ومنهن من تربطني معهن صداقات شخصية قديمة ظلت قائمة بيننا. فاشتركت معي، مثلا احدى طالبات صفي الدكتورة خالدة القيسي، والعديد من بنات الحقوق وباشرنا بمناقشة ورسم اهداف الرابطة وبرنامجها. وقد استغرق ذلك سنة بكاملها، كنا نلتقي اسبوعيا على شكل زيارات اجتماعية الى ان توصلنا الى وضع الاهداف والبرنامج. وعندئذ تقدمنا الى وزارة الداخلية بطلب الاجازة باسم “جمعية تحرير المرأة”، وهو اسم جريدتنا سالفة الذكر، وشرعنا ننشط بشكل علني، مستغلين فترة البت بالإجازة التي تمنح الهيئة المؤسسة حق مزاولة النشاط لأربعة اسابيع.

 بدايات تأسيس الرابطة

اتذكر جيدا اننا اخترنا اسماء نساء غير معروفات، ولم نضع في طلب التسجيل اسماء نساء معروفات وعندما ذهبت عضوات الهيئة المؤسسة لتقديم الطلب لبسن “البوشي” للتمويه، اذ كانت بينهن بنات من عوائل سياسية وشيوعية.

نشطنا خلال فترة التأسيس وانتظار الاجازة نشاطا جيدا، وكان تنظيم الحزب يدعمنا، فوصلتنا مئات التواقيع من المدن الاخرى مثل البصرة والعمارة تؤيد الجمعية الجديدة وهيأتها المؤسسة. اما في بغداد فقد حقق نشاطنا العلني الحصول على تأييد واسع، الا ان طلبنا رفض “بناء على مقتضيات المصلحة العامة”. وردا على ذلك عقدنا اجتماعا وقررنا بالإجماع مواصلة العمل بشكل سري لتحقيق ذات الاهداف والبرنامج المتفق عليه. وقررنا ايضا تغيير اسم الجمعية الى “رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية”، وكان ذلك في يوم 10 آذار 1952.

ونشرنا النظام الداخلي وبرنامج الرابطة (تم طبعهما في مطبعة سرية بمساعدة الحزب)، وبدأنا نعمل وفق النظام الداخلي للرابطة فشكلنا حلقات وهي اشبه بلجان بسيطة التنظيم، خالية من المركزية الزائدة، كل حلقة تقوم بالاتصال والتحرك على النساء من حولها، تعرفهن بأهداف وبرنامج الرابطة وبحقوق المرأة المهدورة. وكانت اهداف الرابطة تتضمن ثلاثة محاور:

1- النضال من اجل التحرر الوطني والسلام العالمي

2- الدفاع عن حقوق المرأة

3- حماية الطفولة العراقية

بدأنا العمل في بغداد، ومن ثم عملنا في المحافظات، وقد شجعنا على ذلك التأييد والتواقيع التي وردتنا، فصار لنا اول الامر فرع في السليمانية. وكانت الاخت المسؤولة هناك نشطة، ولها علاقات واسعة مع النساء في اربيل، حيث شكلت فرعا ايضا، ثم جاء دور البصرة والعمارة والناصرية وغيرها.

 حلقات تنظيمية واساليب من الحياة اليومية

لم نعتمد الاساليب التنظيمية الهرمية، بل اعتمدنا اسلوب الحلقات، وجعلنا جريدتنا وسيلة الصلة بين بغداد والفروع، وكل من تريد تشكيل حلقة جديدة كانت تعرف عن طريقها ما ينبغي القيام به.

لقد اعتمدنا اساليب العمل المستنبطة من الحياة اليومية للمرأة العراقية، مراعين كثرة مسؤولياتها البيتية ولم نلزم العضوات بحضور كل اجتماع. بالمقابل كنا نذهب نحن اليهن، ونسعى الى ان تكون كل عضوة قريبة منا. الشيء الاخر هو سعينا لتحريك المرأة بحدود الحياة اليومية والامكانيات المتاحة. كنا مثلا نجمع النساء المراجعات للعيادات الطبية في المستوصفات والمستشفيات ونتحدث اليهن عن الادوية وانواعها واهميتها، وعن ضرورة الوقاية الصحية والرعاية الطبية، ونشير بنفس الوقت الى ان الطبيبة الواحدة تكشف يوميا على مائتي امرأة. من هنا فهي (الطبيبة) لا تستطيع الاهتمام بالمريضة كما يجب، ومثل هذه الامور كانت تحظى بالتأييد والاستجابة، وكنا نغتنم هذه الاستجابة ونرشدهن لما يجب ان يقمن به. فمثلا، في حالة الازدحام على مستوصف ما، نقوم بتحريك النساء المراجعات ونعلمهن ان يقدمن طلبا لتوسيع المستوصف او لزيادة عدد اطبائه والمساعدين العاملين فيه ونعزز الطلب بالتواقيع. وفي ايام افتتاح المدارس كنا نقوم بحملة توعية لإفهام الرابطيات بضرورة إطلاق حملة توعية لإفهام الرابطيات بضرورة ان تقوم كل واحدة منهن بأخذ اخيها او اختها لتسجيله بالمدرسة الفلانية، وفي حال رفض تسجيله لعدم وجود اماكن، تطلب من مدير او مديرة المدرسة افتتاح صف جديد، او زيادة عدد المعلمين. وقد جرت الاستجابة للعديد من هذه المطالب. وتعاطف العديد من مديرات المدارس معها. وفي حالة الرفض كنا ننضم وفودا الى وزارة المعارف، تشترك فيها نساء المحلة، وقسم كبير منهن لسن رابطيات، تقودهن رابطية للمطالبة بفتح مدرسة او زيادة عدد الصفوف او عدد المعلمين. وحققنا الكثير من هذه المطالب، اضافة الى هذه الانشطة خصصنا في جريدتنا ركنا خاصا للقارئات يطرحن فيه ما لديهن من مشاكل ومقترحات ومعالجات، وقد حرك ذلك الاجواء النسائية كثيرا.

 نشاطات وطنية

من خلال نشاطي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي تحققت صلتي بالحركة الوطنية العراقية، وبدأنا في الرابطة التوجه للنشاط داخل الحركة الوطنية، فكنا ننظم خلال الاحداث الوطنية والسياسية الوفود الى الاحزاب السياسية، تأييدا او لإبداء موقف او اعلان وجهة نظر. وكانت الوفود معروفة بكونها لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة. وصرنا نقرن في نشاطنا بين العمل السري والعلني، على سبيل المثال انتمت اثنتان او ثلاث عضوات من اعضاء اللجنة العليا للرابطة الى “الاتحاد النسائي العراقي الذي اجازه نوري السعيد باسم “جمعية النساء العراقيات” وكانت رئيسته آسيا وهبي – زوجة توفيق وهبي – التي فرحت بوجودهن في جمعيتها نظرا لنشاطهن المتميز، بعد ان افتقدت أي نشاط يذكر، ولم تكن فيها طالبات كليات.

حصيلة ايجابية ومشاركة نسوية واسعة

الحصيلة كانت ايجابية جدا، فقد اتاح لنا العمل العلني في صفوف المنظمات النسوية الاخرى منافذ عديدة ومفيدة جدا لممارسة نشاطنا، وللتعريف بهويتنا الوطنية لأوسع الجماهير، وسهل العمل العلني اصلا تحرك العديد من الفتيات اللواتي كن يجدن صعوبة كبيرة في الخروج من البيت. فأخذن يحضرن الفعاليات المعلنة لجمعية مجازة رسميا، وقد لقين الدعم المعنوي من قبلنا، والذي شجعهن على الخروج والمشاركة.

احتكاكنا بالنساء اتسع كثيرا في هذه المجالات، فبدلا من عقدنا اجتماعا في بيت لا يتسع لأكثر من عشرة الى عشرين امرأة، كان الحضور لاجتماع علني يدعو اليه اتحاد نساء، او جمعية نسائية مجازة رسميا، لا يقل عن مائة الى مائتي امرأة. هذا بالإضافة الى استغلالنا للصحف اليومية العلنية، حيث كنا ننشر فيها ونزودها بالأدبيات والمعلومات ونزورها في المناسبات الوطنية، وفي الاحداث السياسية ونعرض عليها مشاكل المرأة. وكان العديد من النساء تستجيب وتتعاطف معنا، وعدا هذا كنا نعتمد اسلوب التجمع، نشكل تجمعا او نحضر تجمعا، تستطيع الرابطية عمل الكثير عبره. وكانت التجمعات تجري عادة داخل البيوت، على شكل حفلة او “جاي العباس” او لمناسبة مولود وغير ذلك.

اعود الى أثر العمل الحزبي فأقول ان النشاط في صفوف الحزب يكسب الانسان الكثير من القيم الفكرية والسياسية التي تعينه في العملية النضالية اي انه ينوره ويدفعه للعمل بوعي أكبر، اما بالنسبة لأساليب العمل، فقد كنا نتبع اساليب ديمقراطية حقا وفعلا، ولا صحة اطلاقا لما تروجه بعض الاقلام التي تستهين بهذه الحقيقة.

 دور محلي وعالمي

انتمت رابطتنا الى اتحاد النساء الديمقراطي العالمي في عام 1953، اي بعد سنة من تأسيسها، وتم قبولها في مؤتمر النساء العالمي الثالث في كوبنهاغن، الذي حضرته أنا ممثلة عنها، وكان المؤتمر خاصا بحقوق المرأة، وقد اتاح لي ان ارى لأول مرة نساء من كل انحاء العالم.

بعد رجوعي الى العراق قمنا بطبع قرارات مؤتمر كوبنهاغن في كراس باسم مستعار، ووزعناه بشكل واسع وقمنا بقراءته لمن لا تعرف القراءة، ونظمنا اجتماعات كرست لمناقشة القرارات. اعقبناها باجتماعات اوسع لمناقشة ومعالجة المشاكل التي تعاني منها النساء العراقيات، واصدرناها في كراس باسم “المرأة تحل مشاكلها”، باسم مستعار ايضا، وتضمن امثلة وتجارب واساليب عمل لحركات نسوية اخرى، وقلنا في خلاصته ان على المرأة ان لا تنتظر الاخرين ليحلوا مشاكلها، بل يتعين ان تأخذ قضيتها بيدها. وبالمناسبة كان الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم الشخصية التقدمية المعروفة يساعدنا كثيرا في مسائل الطبع في مطبعته.

لقد استفدت كثيرا من حضوري لمؤتمر النساء العالمي الثالث، واصبحتْ لدى قيادة الرابطة قناعة بأهمية المشاركة في مثل هذه المؤتمرات فأخذنا نرسل ممثلات الرابطة للمساهمة بفعاليات اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، وأصبح للرابطة ممثلة دائمة في سكرتارية الاتحاد. وفي عام 1959، انتخبتُ في مؤتمر اتحاد النساء الديمقراطي العالمي لعضوية لجنته التنفيذية، وبقيت عضوة تنتخب في مؤتمراته اللاحقة، الى ان قام اتحاد السلطة بـ “ضغربته” في عام 1979 ومطالبتنا بعضوية مكتب الاتحاد، وتأزم الموقف فيما بعد بين السلطة الحاكمة ورابطتنا.

 كلمات للمستقبل.. انتصارا لقضايا المرأة

اعتقد ان العمل من اجل قضية المرأة وحقوقها عمل يتطلب قبل كل شيء صبرا كبيرا ويتطلب أيضاً خلق علاقة مرنة بأوساط النساء المحيطات بنا. هذا أول ما ينبغي أن يكون في ذهنية من تريد ان تعمل في مجال المرأة، ان تخلق لها صلات حميمية ودائمة بالنساء، تتعرف على مشاكلهن وتنمي الاساليب التي تساعدها في حل مشاكلهن وبالاستناد الى امكانيتهن واستعدادهن.

لا ينبغي ان نفرض مقدما اهدافا واساليب عمل، انما يتعين ان نستقي الاهداف واساليب العمل من خلال احتكاكنا المباشر مع النساء المعنيات، والاساليب تختلف من مكان الى اخر.

* مقابلة أجريتها قبل ربع قرن مع الدكتورة نزيهة الدليمي رائدات الحركة النسوية العراقية، وأول رئيسة لرابطة المرأة العراقية، وأول وزيرة عراقية في تأريخ العراق الحديث، ومناضلة سياسية.. نُشرت المقابلة في العدد المزدوج: رقم 3، تشرين الأول ورقم 4 ،تشرين الثاني 1998 من  صحيفة  "طريق الشعب" تحت عنوان:" ذكريات حية وخمسون عاماً من النضال المثابر الدؤوب".. أعيد نشرها لمناسبة الذكرى المئوية لميلادها (1923 - 2007 ).

عرض مقالات: