أولا: نبذة تاريخية

منذ أكثر من 6 ألاف عام، كان العراقيون القدماء أبناء وادي الرافدين أول من صنع البيرة وشربها. واكتشفت مئات من الألواح الطينية والقطع الاثرية التي سَجلت طرق صناعة البيرة وشربها.، كما وُجدت أكواب وآنية لشرب الخمر وتصنيعه.

وكانت مسلة حمورابي قد أولت اهتماما خاصا بالخمر فأوردت قوانين تفصيلية لتنظيم صناعتها وتوزيعها وطرق شربها، وقواعد لساقيات الخمر وبيوتهن، وعقوبات قاسية بحق من يغشها أو يخالف القوانين.

واستمر شرب الخمر والبيرة في العراق في كل العهود التي مرت في العراق الى يومنا هذا، ولم نسمع يوما بحدث جسيم سببته الخمرة وشاربيها.

 ثانيا: عودة الى عام 2016

في الوقت الذي كانت فيه قواتنا العراقية الباسلة تحارب قوى الارهاب الداعشية في معركة مصيرية لتحرير الموصل وتخليص الوطن من افكار وممارسات وقوانين داعش السوداء، وفي الوقت الذي كان شعبنا يحتاج فيه الى التكاتف والوحدة ضد الإرهاب والفساد، وضع مجلس النواب العراقي المصون في اعلى اولياته تشريع قانون حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها، كإضافة لقانون واردات البلديات. وتم تمرير القانون في اللحظات الأخيرة في اجتماع مجلس النواب العراقي الذي عقد، يوم السبت، (22 تشرين الاول 2016)، في جلسته الـ 24 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة برئاسة سليم الجبوري وحضور 226 نائبا.

وتخالف هذه الفقرة اصلا المادة الاولى من الدستور التي تنص على عدم "تشريع أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، والمادة الثانية التي تمنع "اي تشريع يتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادي الديمقراطية".

وأثيرت ضجة كبيرة في الشارع العراقي عندما جرى التصويت على قانون منع المشروبات الروحية في مجلس النواب في عام 2016 مما أدى الى عدم الاخذ به.

 ثالثا: العام الحالي 2023

يوم الأربعاء 22 شباط 2023 صدر العدد الجديد من جريدة الوقائع العراقية، وهي الجريدة الرسمية التي تتضمن القوانين والقرارات المصادق عليها من قبل رئاسة الجمهورية، وتضمن العدد قانون واردات البلديات في المادة 14/ أولاً "يُحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة، ويعاقب كل من خالف ذلك بغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار، ولا تزيد على 25 مليون دينار عراقي".

والقانون يشمل جميع محلات بيع المشروبات الكحولية، وهو لا يستثني المواقع السياحية والفنادق والمطاعم والنوادي الليلية وحتى الأسواق الحرة في المطارات العراقية، وغيرها من الأماكن.

وقال أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية ومعامل صناعة "العرق" العراقي، أن هذا القرار سيؤدي إلى غلق محالنا ومعاملنا وبالتالي تسريح آلاف العاملين فيها، كما أنه سينعش عمليات تهريب الخمور عبر الحدود ورفع أسعارها بشكل كبير، ويشجع على تعاطي المخدرات.

وقبل تشريع هذا القانون، كان العراق يستند إلى قانون المشروبات الروحية رقم 3 لسنة 1931، بالإضافة إلى عدد من قرارات "مجلس قيادة الثورة، وكان يشترط أن يكون مقدم طلب الحصول على إجازة لبيع المشروبات الكحولية من الطوائف غير المسلمة.

وجرى إعادة تحريك هذا القانون مرة أخرى ودفعه لرئاسة الجمهورية للتصديق عليه بحجج واهية وبدون نقاش أو تشاور بالرغم من مضي سبعة سنوات على اقراره الأول. وجرى تمرير القانون بينما كان العراقيون مشغولين بزلازل تركيا وسوريا وشحة المياه.

ولكن على الأكثر، ستتم مواجهة هذا القانون وخصوصاً المادة 14، في اتجاهين. الأول هو من خلال المحكمة الاتحادية العليا، والثاني بالطعن بالقانون من قبل المتضررين من المادة 14 من القانون، وخاصة الخسائر المتعلقة بالجانب المالي.

 رابعا: مَطالب ومُطالبات

بالرغم من مطالبات الشعب العراقي من خلال حراكه الشعبي بحكومة مدنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية والقومية والدينية، تحترم الانسان وحقوقه الشخصية والعامة، الا أن أحزاب الإسلام السياسي الطائفية تصر على تقييد شعبنا بأحكام جائرة، وفرض عقلية متأخرة في محاولات غير دستورية لقمع الحريات. بحجج واهية مدفوعة بحقد وتطرف ديني وطائفي مرفوض من كل محبي الحرية والتقدم، وبتشجيع من قبل دول جوار لها مصلحة في اعادة العراق للقرون المظلمة.

لا يُعقل في بلد يحوي تنوعًا دينيًا ومذهبيًا وثقافيًا ويحمل تاريخا غنيا وممتدا مثل العراق أن يتم فيه فرض مثل هذه القوانين السيئة، وبخاصة أن الحظر في حقيقته مرتبط بمصالح ضيقة لنواب مجلس النواب المتشددين، لقد حارب العراقيون الإرهاب والتطرف ومصادرة الحريات المتمثل بداعش الإرهابي، لكن هذه الممارسات اليوم تعيد للأذهان تلك الحقبة المظلمة من تاريخنا.

فلنتعلم من تجارب الشعوب الاخرى، لقد حاولت أمريكا منع المشروبات الكحولية في بداية القرن الماضي، فخلق هذا المنع جيشا من العصابات والمجرمين وسوق سوداء خصبة، وزاد من تفشي المخدرات التي لا زال المجتمع الامريكي يعاني منها.

إن تشريع مثل هذه القوانين يشير إلى إفلاس مجلس النواب واحزابه الطائفية، وعدم قدرته الإيفاء بوعوده في تحسين ظروف العراقيين الذي انتظروا طويلا للعيش في عراق مدني يسوده مبدأ المواطنة وتحكمه العلاقات الحضارية في محاولات بائسة لتقييد حرية الفكر والاختيار.

لقد كان الاجدر بمجلس نوابنا الموقر ان يشغل نفسه بتحسين معيشة الشعب العراقي وتوفير أبسط سبل العيش له من كهرباء وماء وصحة وخدمات وعمل وأمان وعدالة اجتماعية، وان يحل مشكلة الإدمان على المخدرات القادمة من دول الجوار، وأن يخطط لتلافي شحة المياه والتصحر البيئي الذي يدمر العراق بشكل بطئ.

1 أذار 2023

عرض مقالات: