وأخيرا وبعد عام كامل من التدمير والتهجير والكذب والخداع وعقوبات اقتصادية خيالية وقاسية, وتفجير إرهابي دولي لأنابيب الغاز المسال الروسي, وضخ لا مثيل له للأموال والأسلحة المتنوعة, واعلان روسيا انسحابها من معاهدة سالت ٢, عندها تيقنت قوى السلام في أوربا بأن أصبحت هناك حاجة للتحرك من أجل المطالبة بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا, ولكي نتوخى الدقة الحرب بين روسيا والناتو بقيادة اميركا. وبعد عام كامل من ضياع بوصلة اليسار الأوربي الذي انشغل (مفكروه) بتحليل سبب (غزو) روسيا لأوكرانيا الذي عدوا هدفه أن القوميين الروس أرادوا الإستحواذ على أراضي أوكرانيا الغنية بالزراعة والمعادن, دون الغوص عميقا والاعتماد على التحليل الماركسي وتسلسل الأحداث التي أوصلت الأمور إلى حد قيام روسيا بعمليتها العسكرية واحتلالها ما يقرب من ربع  الآراضي  الآوكرانية. كان على اليسار الأوربي بجانب إدانة الموقف الروسي والمطالبة بوقف الحرب, تعرية وإدانة حلف الناتو العدواني والمطالبة بحله والذي وطيلة أعوام كثيرة من التخطيط والخداع ونقض الاتفاقات التي وقعها مع روسيا عامي ١٩٩٨ و٢٠١٠ التي نصت على عدم تمدد الناتو شرقا وتبني الأمن الجماعي لاوربا, حيث توّجها عام ٢٠١٤ وكعادة الغرب العدواني بالتخطيط ودعم الانقلاب الذي جرى في أوكرانيا وسيطرة القوميين المتطرفين والنازيين على السلطة وما تبعها من انسلاخ الأجزاء الشرقية لوغانسك ودنيتسك اللتان يتحدث سكانها بالروسية وتحملها القصف اليومي لأحيائها السكنية من قبل الانقلابيين وتحويلها إلى خراب. نعم فمن وجهة نظر القانون الدولي فإن روسيا قد خرقت هذا القانون وضمت القرم ودونباس إليها بعد طلب من سكانها عبر انتخابات (لم يعترف بها الغرب) من الانضمام لروسيا, أو كان على روسيا تحمل عبأ انضمام اوكرانيا إلى حلف الناتو وغلق موانئها على بحر الأسود وآزوف وتحول الدولة الاوكرانية الواسعة الأطراف من دولة حيادية جارة إلى دولة نووية معادية لروسيا كما كان يخطط له الناتو ويطالب به حكامها من أجل تحقيق هدف إخضاع روسيا ومن بعدها الصين والعالم, وعند ذاك تنتفي الحاجة إلى من يدافع عن السلام ! لقد خرق الغرب العدواني والولايات المتحدة بشكل خاص عشرات المرات القوانين الدولية حين شنوا الحروب واحتلوا ودمروا دولا وقتلوا ملايين البشر في فيتنام ولاوس وكمبوديا والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان ويوغسلافيا وهايتي ونيكاراغوا وغيرها من الدول في معظم القارات, ودعموا الأنظمة الدكتاتورية وقلبوا أنظمة ديمقراطية كما في شيلي ودول عدة أخرى ولكنهم أفلتوا من العقاب بسبب تغوّلهم وقوتهم العسكرية النووية.

 لم يفت الوقت بعد على اليسار الأوربي لتصحيح الأخطاء وتحويل أنظاره إلى منبع العدوان والحروب واللصوصية والكذب والخداع, إلى حلف الناتو والولايات المتحدة وشركاتهم الاحتكارية الجشعة والتي جنت المليارات من هذه الحرب ولا زالت بينما تعاني عموم الشعوب من الضائقة الاقتصادية والتضخم. فعلى قوى السلام المطالبة بحل حلف الناتو العدواني والمطالبة بوقف إمدادات السلاح لأوكرانيا وإيقاف الحرب بين روسيا واوكرانيا والجلوس على طاولة المفاوضات وحل الخلافات بالطرق السلمية, إلى جانب عودة اللاجئين إلى ديارهم وإعادة بناء الدولة الأوكرانية, كما يتوجب تأمين حقوق ومخاوف روسيا بالأمن والمساواة, كما يتطلب من قوى السلام مطالبة الدول النووية بالعودة إلى المعاهدات الدولية من أجل الحد من انتاج الأسلحة النووية وتأمين الأمن الجماعي للعالم ومطالبة الغرب العدواني انتهاج سياسة متوازنة وعدم الكيل بمكيالين في حل النزاعات الدولية في المناطق الملتهبة في فلسطين وأسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وعدم التدخل في شؤون الدول.

 تنظر دول وشعوب العالم التي تعيش تحت تهديد الغرب العدواني والحكام التابعين له إلى اليسار العالمي كمنقذ وداعم لحقوقهم كما كان يفعل دوما عندما كان يستهدي بالمبادئ والفكر الماركسي الخلاق ويعتمد على بوصلته الأممية. فاليسار الأوربي قد فقد الكثير من تأثيره وقوته في اوربا بسبب عوامل كثيرة ذاتية وموضوعية ولكنه يستطيع العودة من جديد لو استعاد بوصلته الفكرية ودفاعه عن مصالح الطبقات المسحوقة وتوطيد علاقته مع جماهيره, كما ستكون الفعاليات السلمية القادمة مناسبة لتقوية اواصره بالجماهير وتصدر نضالاتها وجعل هذه الفعاليات والنشاطات السلمية قاطرة للتقدم والنجاح في لجم تجار الحروب التي يتصدرها المجمعات العسكرية الصناعية في أوربا والولايات المتحدة, وإطفاء حرائق التوترات في العالم وإدانة التهديد باستخدام الأسلحة النووية التي تهدد بنهاية العالم.        

عرض مقالات: