تحت هذا العنوان كتبت الصحفية الفرنسية المستقلة جوينيل لينوير في موقع Mediapart :

بعث العراق وفدا مكونا من 200 شخص (اكثرهم للسياحة والتسوق-المترجم) إلى المؤتمر الدولي حول المناخ، cop27 الذي عقد في شرم الشيخ، في نوفمبر/تشرين الثاني ، حاولت بغداد اظهار جديتها في موضوع المناخ، السلطات العراقية لديها بالفعل دواعي القلق، علما ان العراق هو خامس دولة معرضة لتأثيرات تغير المناخ من ناحية ندرة المياه، وفقر التغذية، ودرجات الحرارة العالية، استنادا إلى تصنيف وكالة الأمم المتحدة للبيئة.

تقرير هذه الوكالة بعنوان GEO6)) المعد من قبل مجموعة من الباحثين والباحثات المنشور عام 2019، يتوقع ، ان الشعب العراقي يعيش كابوسا يراه يتحقق كل يوم، العواصف الرملية التي كانت موسمية ومحدودة آخذة في الازدياد، أكثر من عشرة عواصف في وسط وجنوب البلاد في ربيع وصيف عام 2022، الاسباب تعود إلى جفاف الاراضي وازالة الغابات التي تزيد من حدة ظاهرة التصحر، و التي تؤشر على 40 بالمائة من الاراضي الزراعية، إن التصحر لا يمكن الا ان يزيد ظاهرة العواصف الترابية، اضافة إلى درجات الحرارة العالية في الصيف التي تصل إلى اكثر من 50 درجة مئوية، وقلة هطول الامطار.

في مدينة البصرة، كثير من الاحيان لا توجد قطرة ماء تخرج من الحنفية وعندما يتدفق الماء تكون ملوحته عالية جدا لا يمكن استخدامه للشرب او الطبخ او حتى الاستحمام والا سوف يقودك إلى المستشفى، وهذا ما حدث عام 2018،حيث تمت معالجة أكثر من 120000 شخص نتيجة التلوث.

في بغداد، أصبح من المعتاد عبور نهر دجلة بسهولة، اما شمالا في منطقة ديالى فأن المزارعين اجبروا على عدم زراعة الرز وكذلك تقليل المساحات المزروعة بالحنطة والشعير إلى النصف. (تعميم وزارة الزراعة بتخفيض إلى النصف المساحات المزروعة* الخطة الزراعية لهذه السنة-المترجم)

يقدر البنك الدولي ان تغير المناخ يكلف العراق 20بالمائة من موارده المائية بحلول منتصف القرن، وان ثلث الاراضي المروية حاليا سوف تصبح جافة تماما وغير منتجة.

المنظمة الدولية للهجرة (OMI) ترصد حالات النزوح من المناطق الريفية إلى المدن المكتظة اصلا وغير القادرة على توفير الخدمات الاساسية.

بلاد الرفدين القديمة، التي يعبرها نهرين عظيمين، دجلة والفرات، حيث ولدت الزراعة وكذلك الكتابة، هو الآن ببساطة يموت من العطش. (فقدنا أنهارنا) ملاحظة ذكرها عالم البيئة سلمان خير الله، مؤسس منظمة غير حكومية ’’ حماة دجلة’’.

عشرات السدود على أعالي النهرين (المنبع)

تغير المناخ ليس السبب الوحيد في نقص الذهب الازرق، هناك ايضا يد الانسان.

توجد مصادر النهرين المغذيين في مرتفعات الاناضول في تركيا، نهر الفرات يتدفق ثم يمر عبر سوريا قبل دخوله العراق، اما نهر دجلة فانه يتوسع عند جبال زاغروس بفعل الروافد القادمة من إيران، ثم يلتقي هذان النهران في جنوب العراق ليشكلا شط العرب، وهو مصب شاسع يصب في الخليج العربي، 80 بالمائة من الموارد المائية تأتي من ثلاث دول هي تركيا، إيران، سوريا، حسب ما ذكره سلمان خير الله.

عام 1993، عندما وافق صدام حسين على بناء تركيا خمسة سدود كبيرة، ’’ قيل اننا فقدنا نهر الفرات’’ كما قامت تركيا ببناء عشرات السدود على نهر دجلة منذ السبعينات، اما إيران فقد حولت مجرى الروافد داخل اراضيها للاستخدام الزراعي الخاص بها.

لا يزال ثلث التدفق الطبيعي لنهر دجلة يد خل العراق اليوم، الاسوأ من ذلك، فأن جيراننا يمكنهم غلق الحنفية إذا ارادوا ذلك والسبب عدم وجود اتفاق لتقاسم المياه معهم ناتج عن سوء العلاقة بين بغداد وانقرة وكذلك إلى عدم وجود أي نوع من المباحثات مع الجيران.

استجابت بغداد بدورها إلى بناء السدود على نهري دجلة والفرات في عهد صدام حسين، بينما اظهرت مجموعة من الدراسات العلمية العيب الرئيسي لهذه الخزانات الكبيرة، ألا فهو التبخر الذي يحرم البلاد بحدود 10بالمائة من مواردها المائية كل عام، حسب تقرير معهد الطاقة العراقي عام 2018.

في عام 2020، اعلنت السلطات العراقية عن انشاء سد جديد على نهر دجلة في منطقة مكحول،230 كم عن بغداد، وهو برنامج يعود تاريخه إلى عام 2000، وقد تم التخلي عنه بعد الاطاحة بنظام صدام حسين، واعتبر غير مناسب من قبل الحكومات المتعاقبة.

تغير المزاج وأصبح مشروع سد مكحول (مشروع استراتيجي) لزيادة سعة التخزين وانتاج الكهرباء وتوفير 20000 فرصة عمل، وكان هذا المشروع مقررا اكتماله عام 2024، وان يكون قادرا على تخزين ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه.

(للأسف، في مجال البيئة لدينا كلمات سحرية)

’’ أذا قلت الطاقة الكهرومائية’ ’ يعتقد الناس ان هذا امر جيد، وأنها طاقة خضراء، وإذا اضفت انها تساعد في مكافحة ندرة المياه، فهذا أفضل بكثير’’

يأسف جيمس بوغ، عضو المنظمة غير الحكومية (أنقذوا نهر دجلة)، إذا تم تنفيذ المشروع، فسيتم غمر           67 كم من الاراضي الصالحة للزراعة.

وفقا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة، وكذلك OMG العراقية، سيتعين نقل 40 قرية او 120 ألف مواطن، وما يقرب من 200 موقع أثرى، بما في ذلك موقع آشور، عاصمة آشور القديمة، نتيجة الغرق، ويتساءل المختصون ’’ سنملأه بماذا...بالريح؟’’ وقد ذكر الوزير السابق للري حسن الجنابي، (ليس لدينا في السنوات المقبلة أدنى احتمال لامتلاك ما يكفي من المياه لملأ هذا الخزان)

تهديدات للأهوار في جنوب البلاد

إن سد مكحول سيضعف أكثر الاهوار في جنوب العراق، وهي أكبر الاراضي المشتركة بين العراق وإيران الرطبة في غرب اسيا، مهد الحضارة السومرية والنظام البيئي الاستثنائي، وقد اختفت بالفعل في التسعينات، عندما قرر صدام حسين تجفيفها لطرد ومطاردة المعارضين لنظامه.

تمت استعادة الاهوار جزئيا، بعد سقوط الدكتاتور، اليوم هي معرضة للتهديد جراء انخفاض الاطلاقات المائية للنهرين وكذلك ندرة هطول الامطار، مما يسبب بموت القصب والاسماك والجاموس نتيجة الملوحة العالية للمياه، وهجرة السكان المحليين إلى مراكز المدن، ان فقدان مساحات من الاهوار او حتى اختفائها، من شأنه ان يعزز من تصحر هذه المنطقة ويجعلها غير صالحة للعيش، لذا فأننا ندور دائما في حلقة مفرغة.

وفقا لتقرير منظمة (انقاذ دجلة) أن الحلول موجودة، فالعراق لا يحتاج إلى سعة تخزين اضافية، ولكنه يحتاج إلى ادارة المياه بكفاءة واستدامة، يما في ذلك تحديث قطاع الزراعة،  وصيانة البنى التحتية التي اهملت تماما خلال عقود من عدم الاستقرار بسبب العقوبات الدولية والنزعات المسلحة والفساد.

ذكر سلمان خير الله، ان 40 بالمائة إلى 60 بالمائة من الانابيب والمضخات ومحطات معالجة مياه الصرف، تعمل بشكل جيد اما الباقي فهي غير صالحة للعمل والصيانة سيئة، واضاف بأن مياه الصرف الصحي لا تزال ترمى مباشرة في الانهار سواء كانت قادمة من المراكز الحضرية او الصناعات.

في بغداد يمكننا روية رمي مخلفات المستشفيات مباشرة في نهر دجلة وكذلك في البصرة، بل ان مخلفات التنقيب عن البترول نجدها في الانهار والقنوات، لم يعد بإمكاننا شرب هذه المياه، لم نعد نستطيع الصيد، لم نعد قادرين على الاستحمام، لم يعد نهرا وانما مجار، هذا ما اكده سلمان خير الله.

في مناطق الشمال يتم اهمال توزيع مياه الانهار، بينما تصل فيها نسبة هطول الامطار السنوية 800 ملم وفقط 150ملم في الجنوب، كما ان سكان المنبع يستهلكون المياه بشكل مفرط في حين ان سكان الوسط والجنوب يضطرون لشراء قناني المياه والخزانات، ناهيك عن الاستخدامات غير القانونية في مزارع السمك وصناعة الثلج والايس كريم، وكذلك استخدام التقنيات القديمة في الري.

ساعدت وكالة الامم المتحدة ووزارة الزراعة، المزارعين في المناطق المحررة من داعش، باستخدام انظمة جديدة للري مثل طريقة التنقيط، والمفروض تعميم هذه الطريقة على عموم البلاد.

ان الطبقة السياسية في العراق، ومنذ فترة طويلة تعمل من اجل مصالحها الشخصية، وارسال وفد كبير إلى القمة لا يغير شيئا، ان الكفاح من اجل تغير المناخ لا يخفي اهمال السلطات الحاكمة.

عرض مقالات: