في الوقت الراهن مهما تغيرت الأرقام فإن العراق تحكمه مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق التي اصبحت بمثابة العرف في الواقع السياسي العراقي، في المحصلة ليس هناك أي تغير في خارطة السيطرة الفعلية والرئيسة في هذا البلد الذي انهكته الحروب والصراعات الداخلية.

 أفرزت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة التي أجريت في العاشر من اكتوبر/تشرين الأول 2021 أرقاما مرعبة بالنسبة لسير العملية السياسية في - العراق الجديد - كما أطلق عليه بعد اسقاط حكم صدام حسين في عام 2003.

والرعب لا يأتي من الأطراف المشاركة في العملية السياسية، وإنما من الرقم الذي يمثله مقاطعو العملية الانتخابية، وهو 13 مليون عراقي أي ما يشكل حوالي 60% من مجموع المواطنين العراقيين الذين يحق لهم التصويت.

صوت 9 مليون عراقي من أصل 22 مليون مواطن يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات التي شارك فيها ثلاثة آلاف وثلاثمائة واثنان وعشرون مرشحاً. وبحسب المفوضية العليا للانتخابات العراقية، كانت نسبة المشاركة 41% وهي أقل نسبة مشاركة منذ عملية فك الارتباط بين العراق كدولة وبين حزب البعث العربي الاشتراكي وحاكمه صدام حسين وذلك من خلال استخدام مباشر للقوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة الامريكية آنذاك.

حيث جرت أول عملية انتخابية في عام 2005 وكانت نسبة المشاركة 59% والانتخابات التي بعدها كانت في عام 2010 بلغت نسبة المشاركة فيها 62% والتي تلتها في عام 2014 بلغت النسبة 60% أما الانتخابات قبل الأخيرة والتي جرت عام 2018 فقد حصدت 44% ولكن الانتخابات الحالية هي الأدنى من حيث نسبة المشاركة مقارنة مع سابقاتها في الاعوام الماضية.

حركة مقاطعة العملية الانتخابية هي من حيث العدد أكبر حركة سياسية في تاريخ العراق ولكنها حركة غير منظمة حاليا، بل إن هذا الرقم هو تعبير عن سخط وعدم رضا الشارع العراقي عن عملية الحوكمة التي يجتاحها الفساد والمحسوبيات واللصوصية.

مستقبل العراق كدولة وشعب مرهون بتحرك هذه الملايين التي لم تقم بالتصويت، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن من سيمثل هذه الفئة العريضة من الشارع العراقي؟

وعلى الرغم من ضخامة الرقم، الا أن الاطراف العراقية التي شاركت في الانتخابات وحصدت العشرات من مقاعد البرلمان تعتبر نفسها قد حققت انجازا ونصرا تاريخيا، ولا تريد أن ترى الواقع الجديد والذي يقول لسان حاله إن كل تلك الاطراف ستكون خارج عملية صناعة القرار إن تمكنت هذه الكتلة البشرية الكبيرة التي تشكل 60% من الصوت العراقي من تنظيم نفسها في كيان تنظيمي موحد.

هذه الانتخابات التي افرزت ارقاماً جديدة افرزت معها ايضا مفاهيم وحقائق جديدة ومنها:

  • حصد عدد من مقاعد البرلمان لا يعني حصد العدد الحقيقي للأصوات التي من المفترض ان يتم تمثيلها من خلال تلك المقاعد البرلمانية.
  • تقلص الهيمنة والنفوذ الايراني من خلال تراجع شعبية كتلة فتح التي تمثل الحشد الشعبي وتدعمه قيادة الحرس الثوري الايراني.
  • دخول العملية السياسية في العراق إلى مرحلة الاحتضار وذلك بسبب مقاطعة الاغلبية لهذه الانتخابات.

*كاتب سوري

عرض مقالات: