ما يحدث في أفغانستان ليس جديدا: قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة تغادر البلاد بعد 20 عاما من حرب فاشلة ضد الإرهاب، لم تحقق حتى الحد الأدنى من أهدافها، فلا الديمقراطية تحققت، ولا حقوق الانسان أفضل مما كانت عليه في عام 2001، ولا التعليم تطور، ولا النساء تحررن. وما في افغانستان يعيد الى الأذهان لعبة الولايات المتحدة وحلفائها في دعم قوى إرهابية يمنية معادية للإنسان، لأسقاط أنظمة تقدمية ووطنية، تحت غطاء معاداة الشيوعية. والعودة ثانية لغزو ذات البلدان لأسقاط الدكتاتوريات التي رعتها، وتفتيت دولها الوطنية، وفي النهاية، تركها فريسة للفوضى كما هو الحال عندنا في العراق وما دار ويدور في أفغانستان. ولعل ما يحدث يؤكد الحقيقة التي تتبناها قوى اليسار والتقدم والديمقراطية، في ان الشعوب وحدها القادرة على بناء بديلها الوطني، وتحتاج في نضالها الصعب الى تضامن انساني، وان الرهان على مراكز الهيمنة البعيدة والقريبة، يطيل من المأساة ويسرق من عمر الشعوب عقودا إضافية.

جديد أفغانستان

في الأيام القليلة الماضية، سيطرت قوات طالبان الإرهابية على العديد من مراكز محافظات البلاد، كما أكد مسؤولون محليون لوكالة الأنباء الألمانية الاثنين الفائت. ويجري التصدي لهجمات طالبان على عاصمة محافظة قندهار في الجنوب. ووفقًا لتصريحات ممثلي الحركة الإرهابية، تسيطر طالبان حاليا على 85 في المائة من مساحة البلاد، لكن الحكومة في كابول ترفض ذلك. وطبقا لقاعدة البيانات الخاصة لمدونة Long War Journal المعنية بجمع معلومات عن "الحرب على الإرهاب" في الولايات المتحدة، من مجموع 421 منطقة، هناك 212 منطقة تخضع لسيطرة طالبان. و116 منطقة تشهد مواجهات، والبقية تخضع لسيطرة الحكومة أو ان وضعها غير محسوم.

 تطبيق شريعة طالبان

في هذه الاثناء تقوم الحكومة الأفغانية بتسليح نفسها. وتم ليلة الأحد، نصب نظام دفاع صاروخي في مطار كابول، لمواجهة قصف طالبان.

وفي نهاية حزيران الفائت، أعلن المتحدث باسم طالبان صبيح الله مجاهد صراحة في مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الالماني أن حركته تريد الاستيلاء على السلطة في كابول، وتشكيل حكومة شاملة تضم "جميع الأفغان". كما أعلن مجاهد أنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. وعندما سئل المتحدث عن الوضع المستقبلي للمرأة، رد بعمومية: "لا شيء لدينا ضد النساء. ونتمنى أن نعيش في مجتمع إسلامي وأن تعيش النساء كمسلمات تحت مظلة الشريعة". وفي مقال له في النيويورك تايمز في شباط 2020، أكد أمير الحرب ونائب زعيم طالبان سراج الدين حقاني أن طالبان ستحمي "حقوق المرأة التي ضمنها الإسلام".

وحسب إذاعة صوت أمريكا ليوم الجمعة الفائت، أن طالبان بدأت في فرض قيود صارمة على المناطق التي تم احتلالها مؤخرًا في الشمال. ولم يعد يُسمح للمرأة بمغادرة المنزل بدون مرافقة "محرم". وتم منع الحلاقين من حلاقة اللحى. واضطرت عشرات المحطات الإذاعية في الشمال إلى وقف برامجها المعتادة، وبث دعاية لطالبان. ووثقت منظمة هيومن رايتس ووتش اخيرا، قيام طالبان بتهجير مواطنين تعاونوا مع الحكومة الأفغانية من منازلهم وإضرام النار فيها. وقُتل لاجئ اعيد من مدينة هامبورغ الألمانية قسرا، بألقاء قنبلة يدوية على مسكنه، بعد ان رفض التعاون مع طالبان.

حصيلة مروعة

بعد 20 عاما من الحرب الفاشلة تتحدث وسائل اعلام الحكومة الأفغانية عن الفي قتيل امريكي، و160 ألف مدني افغاني، بالإضافة الى 66 ألف من منتسبي قوات الأمن الحكومية، و4 الاف من القوات الدولية، 80 ألف من مقاتلي طالبان.  

بالإضافة إلى ذلك، وبسبب التعاون والدعم المباشر لأمراء الحرب من قبل دول الناتو، كان الفساد والمحسوبية والتجزئة العرقية وزراعة المخدرات، فضلا عن ما يعيشه الأفغان أيضا من عمليات السطو والاختطاف والاغتيال، وبيع الوظائف والمواقع، وللأخيرة في أفغانستان اسعارا مناسبة، على سبيل المثال لا الحصر ثمن السفير هناك 40 ألف دولار فقط. وتجري عمليات غسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال الى الخارج، وهجرة ما تبقى من الكفاءات مستمرة. وإزاء هذا الواقع علقت إحدى الصحف السويدية بالقول، ان بناء أفغانستان مستقرة وديمقراطية سيظل على الأرجح حلما بمدينة فاضلة.

النساء يواجهن الإرهاب

 بعيدا عن أجواء الياس وصعوبة المهمة، وبعيدا عن تبدل الاستراتيجيات الامريكية نحو مواجهة الصين، او سيناريو تمكين طالبان في أفغانستان، كنقيض نوعي، في إطار توازنات إقليمه. بعيدا عن هذا كله، تحدث تقرير للغارديان البريطانية، ان مزيدا من النساء في وسط وشمال أفغانستان تنظم تظاهرات مسلحة، وان مقاطع فيدو نشرت لنساء مسلحات بالرشاشات وقاذفات الصواريخ في شوارع العديد من المدن الكبرى. وفي واحدة من أكبر هذه الاحتجاجات خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى تموز الحالي، تجمع مئات النساء في وسط البلاد في مدينة غور ورددن أغاني وشعارات مضادة لطالبان. واكتسبت قمر غول، البالغة العمر 15 عامًا، شهرة وطنية، بعد ان ثأرت من اثنين من مقاتلي طلبان، بعد اعدام والديها. وسلطت الأضواء على محافظة منطقة بلخ في شمال البلاد، سليمة مزاري، البالغة من العمر 39 عامًا، والتي تقاتل في الخطوط الأمامية ضد طالبان.

عرض مقالات: