استبشر العراقيون بحزمة من الإجراءات التي طال انتظارها وراهنوا عليها طويلا دون طائل، ليبادر السيد مصطفى الكاظمي، رئيس مجلس الوزراء الجديد باتخاذ قرارات جريئة حاسمة وحازمة رغم قلتها، من شأنها أن تحيي الأمل الذي فقده العراقيون منذ زمن بعيد، بتوالي حكومات طائفية أدارت ظهرها للمطالب المشروعة للشعب العراقي وفي مقدمتهم المنتفضين الأبطال بعدم الانصات لمطالبهم وحراكهم المشروع واحترام الدم العراقي الذي سال ظلما بعد ان تورطت أطراف محسوبة على فصائل استهدفت الشباب المنتفض فذهب ضحية هذه الاستهدافات المجرمة مئات الضحايا وآلاف الجرحى والمعطوبين، دون أن نرى أي تحرك جدي يوقف نزيف الدم الطاهر وكشف القتلة وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم جراء ما اقترفوه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية مورست بدم بارد، مما وسع من الهوة بين السلطة والثوار المنتفضين وعموم الشعب العراقي، وبات مطلب كشف القتلة ومن يتستر من ورائهم مطلبا ملحا وعادلا لا يمكن التنازل عنه، حين نذر المنتفضون انفسهم مشاريع تضحيات لاسترداد حقوق الضحايا الأبرياء، شهداء وجرحى، ومحاسبة المجرمين، فجاءت الإجراءات الفورية التي اعلن عنها السيد الكاظمي، رغم قلتها، بمثابة المؤشر الإيجابي الذي ظل ينتظره الشعب العراقي لاسترداد حقوق الشهداء من خيرة أبنائه من الشباب اليافع، ضحايا الغدر والإجرام وهم بعمر الورود، وترك الآلاف من الجرحى والمعطوبين ينتظرون الإنصاف ومحاسبة القتلة ومن تلوثت أياديهم بالدم الطاهر، فكانت أولى الإجراءات هي إعادة بطل تحرير الموصل الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي بات رمزا وطنيا شامخا ناله الحيف من الحكومة المستقيلة، الى وظيفته مع نيله استحقاقا اعلى، وإعادة السيد يحيى رسول لمهمته السابقة وإبعاد من سبقه من الذين أساؤوا للمنتفضين بتوصيفاتهم غير الأخلاقية لشباب الثورة المباركة، والشروع بإطلاق سراح المعتقلين من الشباب المنتفض والإعلان عن الالتزام بمحاسبة قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، وغيرها من الاجراءات التي استقبلها العراقيون بفرح وغبطة وأعادت الأمل في نفوسهم، لتبقى هناك من المطالب الأساسية الملحة التي لا يمكن التهاون فيها، بل تعتبر من الأولويات لإجراء الإصلاحات الحقيقية المطلوبة، منها محاسبة الفاسدين، وكشف ملفات الفساد لكل المتورطين فيها مهما كانت مكانتهم في العملية السياسية برمتها، وفتح ملفات في غاية الأهمية والخطورة ظلت حبيسة المناورات السياسية بتسويفات مريبة منها: اسباب سقوط الموصل، وجريمة سبايكر المروعة التي راح ضحيتها الالاف من الشباب الأبرياء، وتبديد ثروة العراق الهائلة بطرق فساد غامضة، وصعود شخصيات غير مؤهلة بالمرة لان تتسلم مناصب هامة ويكون بيدها سلطة القرار، وعدم الشروع بمحاسبتها بشدة لما ارتكبته من أخطاء قاتلة سببت كوارث للعراق وعلاقاته الخارجية وأطلقت العنان للسلاح المنفلت وتشكيل مليشيات تصول وتجول ولا تحتكم لا للقانون ولا لضوابط احترام سلطة (الدولة) ولا… ولا… وهنا يكمن الملف الأخطر الذي ينبغي على السيد الكاظمي البت فيه دون تهاون أو تأخير، ذلك هو نزع السلاح بكل صنوفه من المليشيات التي تعمل خارج سلطة القانون ومحاسبة من ارتكب مخالفات بحق المجتمع العراقي أيا كان نوعها وحجمها ودون تهاون او تردد، وهذه المطالب والملفات وغيرها تعتبر من اهم ما يتأمله العراقيون من حكومة السيد الكاظمي، إذا ما اريد لها ان تحظى بمباركة عموم العراقيين. إننا هنا نود ان نؤكد للسيد الكاظمي أن العراقيين يستبشرون منه خيرا لإعادة الوضع بكل مفاصله على الطريق الصحيح، وينبغي أن يعلم أن الشعب برمته سيكون من خلفه داعما وساندا بقوة، إذا ما تبين أنه صادق في توجهاته الوطنية، ونأمل أن يكون ذلك خيرا ليستعيد العراق عافيته ويصحح ما واجهه من خراب ممنهج على أيادي رهنت البلد بيد قوى أجنبية وقدمت كل جاهل ونصف متعلم وطارئ صفوف الشعب وتركت الخيرين من الكفاءات والوطنيين الأحرار في الصفوف الخلفية، ومارست كل أنواع الشطط والتجاوزات الخطيرة، وضع العراق على سكة الخراب، وتبديد ثروة الشعب، سالكة ذات النهج الذي كان يمارسه بلطجية البعث وزبانيته، لا فرق ابدأ بين ما كنا نعانيه من إقصاء لكل الشرائح الوطنية وتقريب كل المنحرفين والقتلة ليتصدروا المشهد وبكل وقاحة، فاغدقوا، مثلما الآن العطايا والهبات والمناصب والامتيازات لكل من هب ودب من المنحرفين والجهلة وأصحاب السوابق، أفليس ما نراه اليوم هو ذات النهج الذي كان سائدا إبان حكم الطاغية، مما حدى ببعض الناس الترحم على النظام البائد نكاية بما قامت به أحزاب الإسلام السياسي من تجاوزات خطيرة فاقت كل تصور، الأمر الذي سبب غصة كبيرة لدى شرائح المجتمع العراقي التي كانت تتأمل التغيير الحقيقي لتعيد الوطن المسروق لأبنائه البررة، لا أن تظل دار لقمام على حالها، بل وأسوء مما كانت عليه.

ان من الامور التي ينبغي على السيد الكاظمي القيام بها هي التحضير لإجراء انتخابات مبكرة وعاجلة ضمن سقف زمني معقول، وهذا المطلب الجماهيري الملح من شأنه إذا ما بدأ السعي بالتحضير له، ان يعزز العلاقة بين الشعب والحكومة وان يستعيد ثقة الجماهير به وبحكومته، كما يجب ان يتحرك السيد الكاظمي وبقوة على ملف علاقات العراق الخارجية بدول العالم سيما العربية منها، لخلق نوع من التوازن الدولي بين العراق ودول العالم، لأن العراق وما يواجهه من ازمات حادة في كافة المجالات، الصحية والمالية والسياسية والأمنية بأمس الحاجة للدعم الدولي لتمكينه من القيام بمهامه بمعية العون الداخلي والخارجي، إذا ما أريد للعراق ان ينهض من جديد معافى ليحتل مكانته الطبيعية بين دول العالم المختلفة. وليعلم السيد الكاظمي أن مرجعيته ومرجعه وسانده هو الشعب وليس سواه، ومن المحزن أن يظل العراقي المظلوم يراقب الفاسدين وهم ما زالوا ينعمون بالعيش رغم كل ما ارتكبوه من تجاوزات خطيرة، وهذا الأمر يظل من المثالب التي اذا لم تتم معالجتها، فأن اي إصلاح منقوص أو محاب، سيواجه رفضا  جماهيريا ستكون نتائجه وبالا على العملية السياسية برمتها وسنظل ندور في ذات الحلقة المفرغة، ويقينا أن السيد الكاظمي بحكم تجربته وفهمه الواسع لطبيعة الوضع السياسي وملابساته، على بيّنة بما ينبغي فعله، حتى وان كانت إجراءاته من التحدي والمجابهة الشجاعة مع اقرب الناس له إذا ما وضع مصلحة الوطن والشعب فوق أي اعتبار آخر. متمنياتنا له بالتوفيق والسؤدد لخدمة الوطن والعراقيين الذين يستحقون اغلي التضحيات لتجاوز ما يعانيه الشعب من مآسي ظلت لصيقة بحياته على مر عقود المحن والنكبات    

عرض مقالات: