صوت مجلس النواب في الخامس من شهر آذار الماضي على قانون شركة النفط الوطنية في وقت كانت الانظار تتجه الى تشريع قانون النفط والغاز المعطل منذ احدى عشرة سنة بهدف تحويل اقتصاد النفط الى رافعة كبرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . لكن تشريع قانون شركة بهذه العجالة اثار العديد من الاعتراضات من قبل الاقتصاديين بشكل عام والمختصين بالشان النفطي بوجه خاص .
ولعل قراءة متأملة لنصوص هذا القانون تضعنا امام اشكالية وضع القطاع النفطي بين كيانين متداخلين في مهماتهما هما الشركة ووزارة النفط وما قد يؤسس لمشاكل تتعلق بالتخطيط ورسم السياسات الاسترتيجية للقطاع النفطي وفي الوقت ذاته تجريد الوزارة من مهامها السيادية الدستورية والدور المركزي للحكومة في تنفيذ النصوص الدستورية الشاملة لكامل الساحة العراقية وفي توزيع العوائد البترولية على المواطنين بمختلف الاشكال وبدون تمييز بما في ذلك ادارة الصناديق السيادية المشار اليها في نصوص القانون والتي حشرت فيها من دون مبرر .؟ ولا نعتقد انه من المقبول ان تكون جزءا من عوائد الشركة من الارباح التي تدخل في هذه الصناديق مبررا لادخالها في هذا التشريع مع ان هناك مصادر تمويل اخرى تدخل في صلب الصلاحيات المركزية للحكومة.
ومن الملاحظات الاساسية على هذا القانون عدم الوضوح في النصوص المتعلقة بتوزيع نسبة من الارباح على المواطنين حيث كان المفروض توزيعها على جميع العراقيين ومن الخطأ الفادح تسميتهم بالمواطنين المقيمين بدلا من العراقيين وفي هذه النصوص الضبابية مخالفة صارخة للنصوص الدستورية التي نصت على عدم التمييز بين العراقيين وحقهم في السكن والتنقل في العراق وخارجه ثم ما المقصود بتوزيع نسبة من الارباح على المقيمين وحسب الاولوية على شرائح المجتمع فما المقصود بالاولوية هنا ؟ كل ذلك يعرض العراقيين الى الظلم نتيجة الاختلاف في تفسير نصوص غير مفهومة تنطوي على مقاصد مضمرة .هذا اضافة الى حرمان المواطنين في الاقاليم والمحافظات غير المنتمية الى اقليم من حصتها في نسب الارباح الموزعة بدون ذنب اذا امتنعت تلك الجهات عن اداء التزاماتها المالية الى الشركة .
وحيث ان النصوص القانونية قد اكدت على ان الارباح التي تمثل حصة المواطنين في صندوق المواطن الواردة في الماد 13 / ثالثا / (ب) تتيح امكانية زيادة نسبة المساهمين في رأسمال الشركة وتتيح فتح ابواب جديدة لمساهمات اكبر وتتحول بالتدريج الى شركة مساهمة . هذه النصوص وغيرها في متن القانون تهيء لاحتمال تحول الشركة في قادم الايام الى نظام الخصخصة وهذا الاستنتاج يمكن التوصل اليه ببساطة اذا اخذنا بالاعتبار تصريحات بعض المتحمسين لهذا القانون من ان هذا القانون يمثل ثورة على الدولة الريعية وليس الاقتصاد الريعي التي تؤكد عليه منظومة المفاهيم المرتبطة بهذا الاقتصاد ويدعون بملء الفم ان مهمة الدولة تنحصر في التخطيط وتقديم الخدمات ناسفين بهذه التصريحات جوهر الدستور العراقي الذي رسم الدور المركزي للدولة الذي برهنت عليه الكثير من النظريات الاقتصادية التي اكدت على ضرورة قيام الدولة باجراءات الحماية كوسيلة للامة الضعيفة لاجتياز حالة التخلف عن طريق تطور القوى المنتجة وبلوغ المساواة في المركز بين المتبادلين في الاقتصاد .
وحري بنا الاشارة الى نص المادة 19 / سادسا المتعلقة ( بمساهمة الشركة في تنمية القطاع الزراعي والصناعي والخدمي علىى ان تشمل هذه النشاطات كافة انحاء العراق ) . والذي يتمعن في هذا النص يجد بدون وهم انه يحمل الشركة كل واجبات الدولة ووزاراتها ويحمل في طياته ابعادا سياسية اكثر مما هي اقتصادية وانه يلغي تماما دور الدولة في تنمية هذه القطاعات بل يتعارض مع مهمات الشركة التي حددتها بشكل واضح المادة (3) من القانون .
وانطلاقا مما تقدم وما تم بحثه من قبل الكثير من اصحاب الاختصاص في الشأن النفطي فان واجب الحكومة يقتضي الطعن في هذا القانون لحماية الدستور من الانتهاكات في العديد من نصوصه والتجاوز على صلاحيات الحكومة المحددة دستوريا

عرض مقالات: