بدا مظهره كجذع شجرة عملاقة، فشلت الريح في جعلها تنحني ولو قليلا، هكذا كان بوجهه المبتسم وديعا وهادئاً وأنيقا، أناقة جيل الستينات، لم يتخل عن ربطة العنق وجاكيتات السبورت البسيطة والانيقة.
هكذا هو أسعد اللامي مذ عرفته، وكان ذلك بناءً على هاتف من الصديق الطبيب والاديب حيدر عبد المحسن، بعد وصولي عيادته قدمه لي، وهكذا وبكل بساطة منذ ذلك التاريخ أصبحنا اصدقاء، في تلك المناسبة التي يعود تاريخها الى العام 2006، وضعنا يومها اللبنة الاولى والخطوط العامة لاصدار مجلة أدبية تعنى بفن السرد حصرا، يومها تم الاتفاق بيننا وبسهولة على أن يكون اسمها " إمضاء " ووفقنا فيما بعد في اصدارها... والتي كان لها ثقلها وتميزها في الساحة الثقافية والادبية السردية منها حصرا.
في الجلسة التأبينية التي اقامها الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق للراحل الكبير.. كلفت في ادارتها كم حاولت التهرب من هذه المهمة التي أعدها شاقة إذ كيف يمكن أن تؤبن صديقا يشبهك في كل شيء. افتتحت الجلسة معرجا على أحد الافلام الامريكية الشهيرة نسيت عنوان الفيلم لكني اتذكره جيدا، الفيلم يتحدث عن عائلة متجانسة ومتألفة جدا ومتصالحة مع نفسها والعالم الذي حولها وسعيدة جدا، حتى اللحظة التي يموت فيها الأب.. ومنذ اليوم الاول لموته يجد الاب نفسه في بيته، ويحضر مراسيم دفنه ويعود مع العائدين ويدخل بيته وهو يتألم على نفسه وعلى زوجته التي تبكيه وكذلك اولاده يقول لنا الفيلم أن جسده غادر لكن روحه بقيت في البيت. الأب الميت يرى كل شيء لكن لا أحد يراه، يسمع كل شيء، لكن لاأحد يسمعه، كان في كل يوم يطوف في البيت ويرى ويسمع بكاء عائلته عليه، لكن وبفعل المحبة الكبيرة وحدها، تتمكن الزوجة من اكتشاف روح زوجها في البيت، وتستمر احداث الفيلم الذي لا أريد أن أسهب فيه، لكن ماأريد أن اخلص اليه هي المحبة التي بفعلها أنه موجود في القاعة حيث كنا نقيم جلسة التأبين وقلت: أنا متأكد انكم وبفعل المحبة تستطيعون اكتشاف روح اسعد اللامي وهو بكامل اناقته وابتسامته يجلس في اخر القاعة.. وقلت: أنا شخصيا اراه الان وهو يشيرلي بإشارات يريد مني كتمان سر وجوده في آخر القاعة وأسمعه يطلب مني نقل رسالته الاخيرة، بأنه استطاع أن يكتب الفصل الاخير من روايته الاخيرة ولكن على سرير بائس في مستشفى بائس، الفصل الاخير من الرواية يقول: بقدر ماكان صعبا ومملا ومريرا ويحتوي على الكثير من الغموض والقسوة، كانت كتابته سهلة، ولقد استخدم في كتابته تقننيات خاصة وكلمات خاصة لم يستخدمها من قبل في أي عمل من اعماله، وقلت: أنه يتمنى للحضور اياما سعيدة وبعيدة عن تفاصيل الفصل الاخير من روايته الاخيرة. وقال بالحرف الواحد، أنا جئت لاسمع كلماتكم، لكنه بقي يردد ماقاله د. حيدر عبد المحسن في مقطوعته التي تبدأ بكلمة ياحسافة وتنتهي بذات الكلمة:
ياحسافة.. تركناك تسبح في دمك.. وكنا نقول مطمئنين:
سيأتيك الشفاء قبل حينه.. لماذا لم يبعد أحد منا عنك يد الموت.. وأنت في رأسك اكثر من الف قصة وقصة تكتبها بقلبك
مات أسعد اللامي! علينا أن نكف عن الكتابة علْنا، نكف عن القول
نصفق الراح بالراح ونظل نصفقها ونصفقها و.....

عرض مقالات: