انتهت الازمة بين امريكا وايران في عهد إدارة الرئيس السابق اوباما باتفاق التخصيب النووي منخفض الدرجة مع  دول ( 5 + 1 ) واستبشرت ايران بالنتائج  التي ستسمح لها باستعادة مدخراتها المالية في امريكا وفك الحصار الاقتصادي والغاء العقوبات عنها ، فاسترجعت بعض اموالها واستنشقت نسيم الرياح الاوربية التي  سمحت لبعض شركاتها بالتعاون مع ايران من منطلقات اقتصادية اولا ومن منطلقات سياسية وامنية ثانيا .

أدركت اوربا من خلال مشاركتها بالمفاوضات الماروثونية مع ايران وامريكا ان خطر التخصيب النووي سيكون مقلقا لها اذا ما تطور لدرجة تسمح لحصول ايران على سلاح نووي او امكانية تطوير قدراتها الى نقطة حرجة قد تفضي الى احتدام الصراع في بلدان الشرق الاوسط ، على الاخص ان العداء الايراني لاسرائيل يهدد باشتعال الصدام الاقليمي في المنطقة وينشر نيرانه الحارقة في الشرق الاوسط ولاريب من انتشار الشرر الى السواحل الاوربية .

بعد استلام ترامب دفة الحكم اثر انتخابات ملتبسة  بدأت لعبة القط والفأر بين الادارة الامريكية الجديدة وايران ، فاثر التهديد بالتخلي عن الاتفاق النووي ، حسم ترامب امره والغى الاتفاق مع ايران بينما ظلت اوربا محتفظة بحقها في الاتفاق مع ايران في محاولة للحد من التهديدات غير المأمونة العواقب مع ايران وحلفائها وعلى الاخص الوضع الهش في لبنان الذي تتحكم فيه بنادق وصواريخ حزب الله وزعيمه السيد نصر الله .

تختزن امريكا تجربة طويلة في التعامل مع انظمة ودول العالم من خلال التدخل المباشر وغير المباشر والتهديد والعقوبات والتآمر والجميع يعرف ما قامت به ضد القذافي من تدخل والمسلسل الذي بدأ من سحب اسلحته التدميرية حتى اسقاطه في الفخ والتخلص منه وتدمير ليبيا والاستيلاء على ثروتها النفطية ومدخراتها المالية في البنوك الاوربية .

لذلك لن تأمن ايران الجانب الامريكي وستظل تـرقب بعين مفتوحة التحركات الامريكية التي تدور في المنطقة ، وفي عين الوقت تلعب امريكا لعبة القط والفأر مع ايران بغية انهاكها وتركها تلهث على فراش الموت البطئ كي تستحوذ على السلطة فيها القوى المعارضة التي تتربص الفرص في القفز الى سدة الحكم مثلما حدث للشاه وخروج الامر من يد السلطة المركزية وسيطرة  الشارع المناهض للحكم على مقاليد البلاد بعد انهيار مقاومة الشاه وشل قدراته العسكرية والامنية .

تحاول امريكا تهديد ايران تارة بالبوارج الحربية والطائرات القاذفة التي تبعث بها الى قواعدها المرابطة في السعودية وقطر والبحرين وغيرها من دول المنطقة ، وتارة بالعقوبات وقطع سيل العملة الصعبة التي تجنيها ايران من بيع نفطها الى دول العالم التي تحاول الاستفادة من الاسعار التفضيلية التي تمنحها ايران لمن يشتري نفطها مثل الصين و الهند وتركيا .اضافة الى تبادل النفط مع السلع الضرورية التي تحتاجها ايران .

تحاصر امريكا ايران عسكريا من خلال نشر قواتها في مياه الخليج  كي تغلق الشريان الحيوي لايران - مضيق هرمز - وشل حركة القوات العسكرية الايرانية وعدم السماح لها بحرية الحركة من والى ايران ، وبعد احكام السيطرة على الخليج تحاول حشد الحكومات العربية والاسلامية اعلاميا ضد ايران التي سارعت بتقديم مبادرة عدم اعتداء مع دول المنطقة .

من الواضح ان امريكا تسلك مع ايران اسلوب  المسلسل الامريكي  توم اند جيري في سبيل تغيير النظام  مثلما صرّح ترامب انهم لا يريدون اسقاط النظام وانما تغيير سلوكه. ولكن هل تستطيع امريكا الاستمرار بهذه اللعبة لغاية التخلص من النظام الايراني . ارى ان الامر يعتمد على اكثر من عامل محلي وعلى الاخص قوة التحالف بين صفوف جبهة المقاومة لما يسمى صفقة القرن ومدى تحملها للمناورات المتعددة الجبهات - اليمن ، سوريا ، لبنان ...الخ - كذلك على استمرار روح  المغامرة في ادارة ترامب ودور مجلس الشيوخ  الامريكي في كبح تهوره وايقاف المسلسل الامريكي واسدال  الستار لتوقيع اتفاق نووي صاروخي جديد مع ايران .

عرض مقالات: