تعطي طقوس تكريم الشعراء انعكاسا لاخلاقيات الجهات التي تقوم بها ، فصدام حسين ومن منطلق دونية منظومته العقلية العدوانية وسعيه المفضوح في عمليات شراء الذمم ابتكر الصيغة الأولى لتكريم من تغنوا وتغزلوا به وارسوا خطاب الحقد والكراهية منذ الاستعدادات الأولى للحرب مع إيران، وقد عبرت مكرمته تلك وافصحت عن هويتها المحشوة بالقبح إذ كانت عبارة عن (الف دينار ومسدس) لكل مشارك في اول مهرجان أقيم برعايته ومباركته والذي تخللته صراخات أرباع الشعراء الذين ارتضوا لانفسهم القيام بدور تحريضي يقع ضمن مقتضيات ثقافة العنف والذي يتقاطع تماما مع القيم الجمالية والإنسانية التي ينشدها الشعر في قضاياه الجوهرية.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود اديمت تلك (المكرمة) واتخذت أشكالا عديدة في منح وهبات ما انزل الله بها من سلطان لا يراد من خلالها سوى مسخ القيم الجوهرية للخطاب الإبداعي، وهكذا التحق هذا اللون الإبداعي ومن خلال نماذج قراقوزية بجحافل المنشدين للدمار والخراب ولكل مايسيء لمعاني الحرية والسلام.

اسوق هذه الاسطر وانا أتذكر تلك المكرمة الكبيرة حقا التي منحها لنا حزبنا الشيوعي العراقي لمناسبة عيده الأربعين بعد صدور مجموعتنا المشتركة (قصايد للوطن والناس) العام ١٩٧٣ والتي تضمنت مشاركة ٣٢ شاعرا ومن مختلف الأجيال الشعرية والتي فاضت بالانشاد الجميل لشعبنا وحزبه .. للعراق وترابه وتضحياته من أجل (وطن حر وشعب سعيد).

لقد تفرقت السبل بنا جميعا، وكانت الشهادة من نصيب الشعراء (فالح الطائي، فوزي السعد، بحر الخالدي) إذ تمت تصفيتهم من قبل النظام القمعي، بينما غيب (ابو سرحان) ابان الحرب الأهلية ببيروت ١٩٨٢ .. بينما عدد آخر راحت تعصف بهم حياة المنافي القسرية وبقي من بقي تحت حالات متباينة اعذبها مر.

لقد كانت مكرمة الحزب لنا كبيرة بما تعنيه إلا وهي صورة بحجم متواضع لمؤسس الحزب الخالد (فهد) معززة باسطر قليلة مكتوبة وموقعة بقلم سكرتير الحزب وقتذاك الراحل عزيز محمد تعبر عن شكره المشاركة بأعياد الحزب من خلال المجموعة المذكورة.

وهكذا رحلت الآلاف والمسدسات واختفى صراخ المهرجين...بينما بقيت صورة فهد وتوسعت واتخذت حجم العراق مهما اشتد به البلاء.

تحية للوطن حين يكون اغنية الشاعر .. والخزي لحاكم يؤسس الخراب لوطنه والفاقة والرعب لشعبه.

عرض مقالات: