رشيد غويلب
اختتمت السبت الفائت في العاصمة الارجنتينية بوينس آيرس أعمال قمة مجموعة العشرين ، بعد أن حالت الخلافات بين البلدان المؤثرة فيها بشأن قضايا الاقتصاد والمناخ، دون التوصل إلى اتفاق ملموس. وبضغط من ترامب، خلا البيان الختامي من عبارة مكافحة الحمائية، واقر البيان بالرفض الأمريكي لستراتيجية عالمية لمكافحة التغير المناخي.
ومرة اخرى تؤكد مجريات القمة، انها لا تمتلك الشرعية والقدرة على حل المشاكل الحارقة في العالم. وعلى الرغم من أن البيان الختامي تضمن عناوين مثل: شروط لتجارة عالمية عادلة، خطوات ملموسة ضد التغيرات المناخية، نحو سياسة هجرة انسانية، مكافحة اسباب اللجوء، تنظيم الاسواق، فرض ضرائب على الشركات في جميع انحاء العالم.. الا ان اتفاقا ملموسا بشأن التحقيق الفعلي لهذه الاهداف ظل غائبا.
لذلك دعت الحركات الاجتماعية والمنظمات المضادة للعولمة، الى الغاء مجموعة العشرين، فهي غير قادرة على تحقيق ما تدعو اليه، وما تحققه يتعارض مع مصالح اغلب سكان الارض.

العالم أقل أمنا

وعلى اثر اندلاع الازمة المالية العالمية قبل 10 سنوات، رفع تمثيل المشاركة في القمة الى مستوى رؤساء الدول والحكومات. ولم يتغيّر من الأمر شيء، على عكس ما تدعيه المستشارة الالمانية انغيلا ميركل. فملفات الصراعات تتكرر ويزداد عددها، ومنها حرب امريكا التجارية ضد الصين، وتصاعد الصراع الروسي – الاوكراني، واعتراضات البلدان الغربية على ضم شبه جزيرة القرم. والجديد هو الصراع التركي – السعودي، ومطالبات منظمات حقوق الانسان القضاء الارجنتيني بمحاسبة ولي العهد السعودي اثناء وجوده في الارجنتين، على خلفية مسؤوليته عن التصفية البشعة للمعارض السعودي جمال خاشقجي. وذهبت ادراج الرياح توقعات وآمال البعض في ان تتحول القمة الى فرصة لمناقشة الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا واليمن. كذلك الوصول الى تفاهمات بشأن الاستثمارات في البنى التحتية للبلدان النامية، ومكافحة الفساد.

مقاومة متنوعة متسعة

كانت رسالة الاحتجاجات والفعاليات الاخرى المضادة لقمة العشرين واضحة عند رؤساء دول المجموعة، وممثلي صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الرأسمالية العالمية فوجودهم في العاصمة الأرجنتينية غير مرحب به.
لقد شارك اكثر من 50 الفا في تظاهرة الجمعة. وفي التجمع الختامي أمام مبنى الكونغرس، حيث تعقد الجلسات، قرئ البيان الختامي للتحالف المضاد للقمة، والذي يضم 55 منظمة: "ندين خضوع حكومة ماكري لسياسات مجموعة العشرين، وتوقيعه اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، الذي يلزمنا بتسديد اقساط ديونه غير الشرعية، وغير القابلة للسداد. ونرفض وجود، ترامب والقادة الإمبرياليين الآخرين، وممثلي البنوك العالمية والشركات الكبرى، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - هؤلاء أعداء الإنسانية السيئين ، في بلدنا".

إجراءات أمنية غير مسبوقة

لقد اراد الرئيس الارجنتيني المحافظ ماكري، ان تكون القمة الأولى للمجموعة في جنوب العالم، بعيدة عن صور العنف المفرط والصدامات التي شهدتها القمة السابقة في هامبورغ الالمانية. لذلك اقدم فريقه الامني على اجراءات غير مسبوقة مثل اعتبار يوم الجمعة يوم عطلة رسمية، ومطالبة وزيرة الأمن الارجنتينية باتريسيا بولريتش، الملايين من سكان العاصمة مغادرتها خلال ايام انعقاد القمة، فضلا عن تعطيل وسائط النقل المحلي. وعلى الرغم من السماح بمرور التظاهرة وسط المدينة، الا ان ذلك كان مصحوبا بتهديد المتظاهرين باستخدام القسوة المفرطة ضدهم.
وانزلت الحكومة 22 الف شرطي، و 3 آلاف جندي الى شوارع المدنية، التي قطّعت اوصالها الحواجز الكونكريتية. ولم يؤد ذلك الى تحجيم المشاركة في التظاهرة، التي حافظت على سلميتها، وحققت نجاحا كبيرا. ومن الجدير بالذكر ان حكومة اليمين المحافظ الارجنتينية استعانت بالمخابرات المركزية الامريكية ومخابرات الدول الغربية الأخرى، التي حوّلت العاصمة بوينس آيرس عمليا الى مستعمرة، بحجة الحفاظ على سلامة القادة، وخصوصا الرئيس ترامب، والرئيس البرازيلي الجديد المعروف بفاشيته السافرة.
وقالت ناشطة يسارية ان اجراءات الحكومة تجاوزت كل الحدود: فمن" يغادر منزله هذه الايام يتهم بكونه ارهابيا او يساريا، نحن نعيش حالة متطرفة من التعصب والعنصرية فضلا عن القمع الشديد. لقد تمت عسكرة مدينتنا ونحن محاصرون داخلها".

المنتدى العالمي للتفكير النقدي

من جانب آخر تحولت دورة المنتدى، الذي ينظمه مجلس العلماء الاجتماعيين بدعم من اليونسكو، لهذا العام والذي جرت اعماله قبل واثناء القمة في العاصمة الأرجنتينية ايضا، الى قمة بديلة شارك في اعمالها احزاب اليسار ، والحركات الاجتماعية، وعلماء واكاديميون من اختصاصات مختلفة، وشخصيات سياسية عالمية، كرئيسة الارجنتين السابقة كريستينا كيشنر، التي القت كلمة افتتاح المنتدى، ورئيسة جمهورية البرازيل المقالة ديلما روسيف، ونائب الرئيس البوليفي، وشخصيات يسارية عالمية اخرى.
وشارك في مناقشات المنتدى اكثر من 50 الفا من الناشطين والمهتمين، الذين بحثوا المواقف والرؤى البديلة في سبيل "عالم آخر ممكن".