عقد ت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يومي الخميس والجمعة 9 و10 آب 2018 في بغداد، اجتماعها الاعتيادي.

بدأ الاجتماع  اعماله  بالوقوف  دقيقة صمت تكريما لشهداء الحركة الاحتجاجية وضحايا الارهاب والعنف من ابناء شعبنا، وللراحلين عنا في الفترة الماضية من الرفاق والاصدقاء.

وتدارس المجتمعون تقارير ضافية عن عمل واداء الحزب وهيئاته القيادية ومنظماته ولجان الاختصاص، حيث اولت  منظمات الحزب وقيادته خلال الاشهر الماضية اهتماما كبيرا لانتخابات مجلس النواب وللادارة السياسية والتعبوية للحملة الانتخابية. كما تفاعلت مع اندلاع هبة تموز الشعبية والتظاهرات والاعتصامات السلمية من موقع المنحاز لقضايا المواطنين العادلة والمشروعة، حيث دعا الحزب رفاقه واصدقاءه الى الاسهام الفاعل فيها وتبني مطالبها والدفاع عنها، والى الوقوف مع المتظاهرين وادانة القمع الذي مورس ضدهم  بشتى انواعه.

 ولعبت منظمات الحزب دورا مشهودا في تعزيز التنظيم الحزبي في بغداد وسائر المحافظات، وساهمت في بناء صلات واسعة مع الجماهير، وخاضت معارك فكرية وسياسية واجتماعية وطبقية  دفاعا عن مصالح الفقراء والمحرومين والكادحين. وتجسد هذا الجهد الوطني ايضا في تعرية جذور الارهاب والتصدي له وللطائفية المقيتة، وفي الدفاع عن قضايا الوطن وسيادته، وفي توحيد صفوف القوى المدنية والديمقراطية والانفتاح على الفضاء الوطني، بهدف بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .

ومعلوم ان الحزب قدم منذ التغيير في 2003 حتى اليوم  الكثير من التضحيات، شهداء وجرحى ومصابين سيبقون مفخرة له بتاريخه  الحافل بالمآثر والامجاد.

والى جانب هذه النجاحات الكبيرة والتضحيات الجسام من جانب اعضاء الحزب ومنظماته وكوادره وقيادته، برزت قضايا تنظيمية توقف الاجتماع عندها بروح المسؤولية العالية والحرص الكبير على تعزيز المنجز المتحقق بهمة الشيوعيين وإرادتهم، مشددا على أهمية وضرورة استنهاض الهمم ورص الصفوف وتنظيم القوى وتوسيع صفوف الحزب وتطوير عمل المنظمات الحزبية وتعزيز دورها وصلاتها مع الجماهير وتخليصها من الثغرات والنواقص.

واتخذ الاجتماع العديد من القرارات والتوصيات  بشأن تحسين العمل والارتقاء به ، بما يضمن بناء منظمات متماسكة قوية ورصينة، مؤهلة للدفاع عن قضايا ومصالح الشعب والوطن. وابدى الحرص الكبير على تطوير الحوار الديمقراطي الداخلي، وتعزيز وحدة الحزب السياسية والتنظيمية المبنية على اسس الديمقراطية وحرية الآراء وتفاعلها، والتي تجد تعبيرها في وحدة الارادة والعمل .

وبعد دراسة التقرير المالي - الاداري ونشاط الحزب في هذا الميدان، تم اقرار مجموعة من التوجهات ذات العلاقة.

وانطلاقا من السياسة العامة التي رسمها المؤتمر الوطني العاشر للحزب (1-3 كانون الاول 2016)، درس اجتماع اللجنة المركزية التطورات السياسية منذ اجتماعه السابق ( 9  اذار 2018 ) ، وتوصل الى ان بلادنا تشهد تطورات كبيرة تضعها امام تحديات جسيمة، وان طريقة التعامل معها ستترك بصماتها على معالم عراق المستقبل، فيما يتواصل الصراع على تحديد وجهة البلد اللاحقة، وعلى منهج الحكم ونمط التفكير وآلية ادارة الدولة .

وخلال هذه الفترة جرت انتخابات مجلس النواب (ايار ٢٠١٨) وما حملته من رسائل قوية وجهها الناخبون المشاركون وكذلك المقاطعون . اضافة الى ما أثير بشأنها من طعون وقدم من شكاوى، ساهم  فيها طيف واسع بدوافع مختلفة. وقاد ذلك الى اجراء عملية  العد والفرز اليدوي وفقا لقرار المحكمة الاتحادية، وهي العملية التي اعلنت المفوضية المنتدبة انتهاءها وجاءت نتائجها المعلنة في العموم مطابقة لتلك التي اعلنت غداة انتهاء العد والفرز الالكتروني. وبعد الانتخابات بدأ ماراثون بلورة الكتلة البرلمانية الأكبر على طريق تشكيل الحكومة الجديدة،  وتجددت  التظاهرات  بأغلبيتها السلمية الساحقة، في ظروف صيف قائض وتدهور مريع في تزويد المواطنين بالكهرباء وشح كبير في الماء وارتفاع في معدلات البطالة خاصة بين الشباب . ورفعت التظاهرات  المتواصلة مطالب عادلة ومشروعة، لكنها عوملت من قبل السلطات الحكومية والاجهزة المكلفة بحماية الأمن، مع اختلاف نسبي بين المحافظات والمدن، بقسوة متناهية بدت في بعض اجراءاتها وكأنها ممنهجة  تهدف الى ضرب التظاهرات والحؤول دون قيامها، رغم الإعلان الرسمي عن التفهم لمطالبها وحتى الحث عليها والقول بحمايتها.

وأشّر انطلاق التظاهرات، كما في السابق أيضا، جوانب خلل وقصور كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالمستوى المعيشي وتقديم الخدمات، التي شهدت تراجعا مريعا وتخليا من الدولة عن بعض مهامها ذات الصلة. وبينت بجلاء ان ما يحصل ليس بعيدا عن حالة الشلل في اداء الدولة ومؤسساتها، وعن سوء الادارة واستمراء الكتل المتنفذة السير على منهج المحاصصة الطائفية - الاثنية الفاشل ذاته، الذي وفر غطاء كثيفا لسرقة المال العام وتفشي الفساد في مؤسسسات الدولة وتسربه الى المجتمع .

ورغم التحسن النسبي في هذه الفترة لعوائد النفط الخام المُصدّر، وتجاوز العجز التخطيطي في موازنة ٢٠١٨، فآن ذلك لم ينعكس في حياة الناس، خاصة الفقراء والكادحون ومحدودو الدخل، الذين أرهقهم كثيرا التردي العام الحاصل، ومعدلات البطالة المرتفعة، وضآلة أو انعدام فرص التنمية، والتراجع الكبير في القطاعين الصناعي والزراعي، وإغراق السوق بالبضائع المستوردة على حساب المنتوج الوطني، الذي لم يعد قادرا على المنافسة  في  ظل محدودية ما تقدمه الدولة له من دعم واسناد وحماية .

ومع ان انتصارا عسكريا كبيرا تحقق على داعش الإرهابي، فانه لا يعد بعد انتصارا ناجزاعلى الاٍرهاب وتنظيماته المجرمة، لأن هذا يحتاج الى حزمة إجراءات سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واعلامية اضافة الى العسكرية. وما لم يتحقق ذلك نبقى نشهد اعمالا وحوادث اجرامية  ارهابية قد تخف أو تشتد، وهو ما يوجب الحذر واليقظة وتنمية مقومات المناعة ضد الاٍرهاب والتصدي لأساليبه الخبيثة .

ان اوضاع البلد العامة، وحالة الانسداد والاحتقان الاجتماعي، وانعدام الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وحالة الفساد المستشري، والتفاوت والتمايز الطبقيين  المتسعين، والفشل البيّن في إدارة شؤون البلد، والانتشار الواسع للسلاح خارج أطر الدولة، وتعاظم دور "الدولة العميقة" والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي، والتطورات المتسارعة في احداث المنطقة وتأثيرها على الاوضاع في بلدنا، ومنها إعادة فرض العقوبات الامريكية على ايران وما تخلفه من آثار سلبية على الشعب الايراني، وامتداد ذلك الى بلدنا،  كذلك الرسائل التي وجهتها انتخاباتنا البرلمانية لسنة ٢٠١٨، والتظاهرات الاحتجاجية المتواصلة .. ان هذا كله وغيره يؤشر حقيقة ان بقاء الحال على ما هي عليه، أو السعي الى اعادة انتاج النمط السيء ذاته في إدارة الدولة، سيكونان عنوانا للفشل المتواصل، وللمزيد من الأزمات في نظام محاصصي مأزوم  اصلا.

لذا فان التغيير والإصلاح اصبحا حاجة موضوعية تفرض نفسها، وهو ما يتوجب ان يكون ماثلا امام الكتل المتنفذة والفائزة في الانتخابات، عند التوجه نحو تشكيل الحكومة الجديدة. وبعكس ذلك تبقى الأبواب مشرعة على كافة الاحتمالات، وبضمنها الاسوأ. كما ان من واجب الحكومة الجديدة ان تتبنى برنامجا اصلاحيا حقيقيا بسقوف زمنية للتنفيذ ، وان تكون حكومة كفاءات بلا محاصصة ولا فساد .

 انتخابات مجلس النواب ٢٠١٨

 جرت الانتخابات يوم ١٢ أيار الماضي وسط تحديات كبرى يواجهها البلد، وهي مثل الانتخابات السابقة لم تجر في ظروف طبيعية. حيث شهدنا احتدام الصراع  بين الكتل المتنافسة وتشظي عدد منها وإعادة تأسيس اخرى ونشوء جديدة، وظل السائد هو بناء الكتل على الاسس ذاتها وان أعلن بعضها عن برامج اوغيّر من تسمياته.

وجرت الانتخابات في ظل تعديلات مجحفة في قانون الانتخابات، بأمل ان يضمن ذلك بقاء المتنفذين في مواقعهم، ويديم هيمنتهم وسيطرتهم على مركز القرار، وفِي إدارة المفوضية الجديدة للانتخابات. وقد قامت هذه على المحاصصة مجددا، وتم فرض ذلك برغم المطالبات الواسعة بتشكيلها على أسس الكفاءة والمهنية والنزاهة، وان تكون حيادية حقا في عملها وتقف على مسافة واحدة من الكتل المتنافسة. ومن جانب آخر اتخذ مجلس النواب تحت الضغط الشعبي قرارات اخرى، منها  اعتماد العد والفرز الالكتروني للاسراع في اعلان النتائج، وبعد ان اعتُبر ان العد والفرز اليدوي يسهّل مهمة المزورين والفاسدين ومن يوظفون المال السياسي في شراء أصوات الناخبين .

وجرت الانتخابات وبلدنا يمر بأزمة متعددة الأشكال ناجمة عن عوامل عدة، يتصدرها النهج المتبع في إدارة الدولة وفِي سلوك  المتنفذين والمهيمنين على القرار منذ ٢٠٠٣، وفشلهم التام ومسؤوليتهم عما آلت اليه اوضاع بلدنا من تدهور، فيما ظلت القناعة كبيرة  بعدم قدرتهم، بعد ان حكموا ١٥ عاما، على تقديم الحلول المرتجاة .

وجاءت الانتخابات غداة فضح جماهير الشعب والحركة الاحتجاجية والمطلبية أساليب المتنفذين ووعودهم الكاذبة، وفشلهم المدوي في كل المجالات والصعد .

وكان يعوّل على هذه الانتخابات كثيرا في وضع بلدنا على الطريق السليم، وكسر احتكار السلطة وتغيير موازين القوى، والإتيان ببديل يسير على وفق برنامج اصلاحي حقيقي، ويتبناه أشخاص اكفاء ونزيهون يقرنون القول بالفعل. وقد قدم تحالف "سائرون" برنامجا ومرشحين، بينهم مرشحو الحزب الشيوعي، يعتبرون مثالا في هذا الشأن.

ودعا الحزب في حملته الانتخابية ضمن تحالف "سائرون" جماهير شعبنا الى المشاركة الواسعة فيها، والى وضع مصالح الوطن والشعب نصب العين عند الانتخاب، وان تكون حرة وتقترع بملء الإرادة  وبعيدا عن الاكراه والتزوير وتزييف إرادة الناخبين. مشددا على ان ينطلق الاختيار من القناعة الفعلية بإمكانية التنفيذ بسقوف زمنية محددة، ومن البرامج لا من الوعود التي أغدقت كثيرا لتظل حبرا على ورق.

وبعد اعلان المفوضية النتائج الأولية اثير بشأنها الكثير من الشكوك والطعون، والكثير من الحديث عن حالات تزوير في عدد من المحافظات وصفت بأنها كبيرة وواسعة. وأقدم مجلس النواب السابق، الذي فقد نحو ثلثي أعضائه مقاعدهم البرلمانية، على جملة إجراءات وسط حملة وضجيج إعلامي صاخب، شاركت فيه بعض الأطراف التي ظهر انها لم تحصل على ما كانت تتوقعه من مقاعد في البرلمان الجديد. فيما كان الأولى بها ان تراجع مواقفها وسياساتها وتبحث عن السبب الحقيقي لخسارتها وفقدانها العديد من المقاعد. ومن تلك الإجراءات القرار الذي اتخذه مجلس النواب في 28 ايار 2018، وكان نصابه وقتها موضع تساؤل ، بإلغاء جزئي لنتائج الانتخابات. وعاد المجلس بعد اكتمال نصابه بصعوبة، الى إقرار التعديل الثالث لقانون الانتخابات  رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٣ المعدل، وبموجبه أعاد العد والفرز اليدوي ليكون شاملا، فيما الغى الانتخابات في الخارج والتصويت الخاص في الإقليم والحركة السكانية. وسبق هذا إقدام مجلس الوزراء، اعتمادا على تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قبله، عَلى اتخاذ جملة من القرارات ذات الصِلة. وأثار هذا كله جدلا بشأن مدى انسجام هذه المواقف والاجراءات والقرارات مع الدستور، ومع قانوني الانتخابات والمفوضية، ومع صلاحيات السلطات الثلاث. وتباينت مواقف الكتل السياسية في التعاطي مع هذه المستجدات والتطورات، وذهب البعض مسرعا نحو الدعوة الى إعادة الانتخابات، والذي اتضح لاحقا انه الدافع الى التحرك وغايته الاساسية، وان جرى تغليفه بالحرص على العملية الانتخابية وشفافيتها وترصين الديمقراطية. علما ان هذه الأصوات لم تُسمع سابقا في حالات مماثلة، حصلت في انتخابات ماضية.

وارتباطا بهذه التطورات أكد حزبنا ان لا تزكية للعملية الانتخابية بقضها وقضيضها، ونحن على دراية بما حصل في بعض المحافظات وفِي مخيمات النزوح وبعض بلدان المهجر، ولكننا نعرف بالمثل من هي القوى  التي تستطيع التلاعب والتزوير، وتتوفر على إمكانات تتيح لها ذلك. ونحن كحزب كنّا نتضرر دائما من ممارسات التزوير والغش وشراء أصوات الناخبين واستخدام المال السياسي ومؤسسات الدولة واجهزتها، مؤكدين رفضنا وإدانتنا لها جملة وتفصيلا، سواء في الانتخابات السابقة او في الانتخابات الحالية .كما اكدنا حق المتضررين في تقديم الشكاوي الى الجهة المحددة قانونا .

ان ما أقدم عليه البرلمان يعد سابقة غير محمودة النتائج، ولا توفر الارضية السليمة والسلسة للتداول السلمي للسلطة، وستترك أثرها على الحياة السياسية في البلد. وكان يمكن معالجة الخروقات بالطرق القانونية السليمة المعتمدة، وليس باتخاذ اجراءات بعد انتهاء عملية الانتخاب والاعلان الاولي للنتائج .

ولقد حبس الجميع انفاسهم في انتظار قرار المحكمة الاتحادية، الذي صدر وفيه قبول ورفض. حيث تم القبول  بفقرات التعديل الثالث، فيما رُفضت تلك التي تخص إلغاء الانتخابات. وفِي ضوئه بدأ من جديد العدّ والفرز يدويا للصناديق المطعون فيها في كل المحافظات والخارج، بإدارة المفوضين المنتدبين (القضاة). وانتهت العملية من دون تغييرات كبيرة (6 مقاعد من اصل 329 مقعدا) في نتائج الانتخابات كما اعلنتها المفوضية المعلقة اعمالها، وفقا للعد والفرز الالكتروني، والتي هي الآن بانتظار مصادقة المحكمة الاتحادية .

 ماذا أفرزت الانتخابات ؟

 تقول النتائج الأولية المعلنة ان الانتخابات لم تغيّر على نحو حاسم موازين القوى،  ولكنها أشّرت تغييرا معينا يوحي بأن بقاء الحال اصبح صعبا. ومن الواضح ان المشاركين والمقاطعين للانتخابات عاقبوا كتلا معينة كانت تظن وتعتقد ان لواء النصر والفوز معقود لها. وقد أنتجت الانتخابات كتلا متوسطة متقاربة في عدد مقاعدها، ما يوجب عليها الدخول في مفاوضات قد تكون صعبة لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر .

ولَم يحصل التصويت والاختيار الواضح بعد على أساس  البرامج وما يمكن للكتل ان تقوم به، بل ظل متأثرا في حدود معينة بالانتماءات الفرعية والمناطقية، فيما لعب المال السياسي والموقع الوظيفي في الدولة وامتلاك الفضائيات دورا في التأثير على توجهات الرأي العام، مثلما كانت التدخلات الخارجية واضحة ايضا في تفضيل هذه الكتلة على تلك والانحياز الى وجوه وعناصر معينة .

والجانب الآخر المهم هو نسبة المقاطعين المرتفعة  قياسا الى من لهم الحق في التصويت، وهم أساسا اتخذوا هذا الموقف تعبيرا عن تذمرهم وسخطهم على ما يجري في البلد وعلى مآلات الامور السيئة، وعدم ثقتهم  بمن قادوا البلد خلال الفترة الماضية في ان يقدموا على عمل مفيد ينقذ الحال ويعيد وضع العملية السياسية على الطريق السليم.

ان رسالة المشاركين والمقاطعين واضحة في دلالاتها، وهي تؤكد الرفض لمنهج الحكم ونظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، فهما أس المشاكل والأزمات، وهو ما يتوجّب ان يكون حاضراً عند تشكيل الحكومة المقبلة، وان تتم الاستجابة لارادة التغيير كحاجة ضرورية .

 هبة تموز الشعبية

 من جديد تملأ جماهير شعبنا الشوارع والساحات العامة في بغداد ومحافظات الوطن. فقد انطلقت الحركة الاحتجاجية الجماهيرية  يوم ٨ تموز ٢٠١٨  سخطا ورفضا للاوضاع التي يمر بها البلد. واذا كانت اسبابها المباشرة تتجسد في أزمة الخدمات: الكهرباء والماء خصوصا وتصاعد وتيرة البطالة، فإنها في العمق  تربط بين هذا التدهور المريع وتفشي الفساد، وبين الفشل الذي يكمن أساسه في السير على المنهج الخاطئ والفاشل للنظام المحاصصي   .

وتميزت الموجة الجديدة من الحراك ، من تظاهرات واعتصامات وما سبقها وتواصلت معه من حراك مطلبي أفقي ومناطقي، بحضور متنوع حاشد  ومشاركة اطياف وفئات واسعة. وهذه سمة إضافية للحركة، وإن كانت تشكل حلقة تواصل مع الحركات الاحتجاجية السابقة، من حيث المطالَب العامة التي ظلت ترفعها ولَم تجد آذانا صاغية مستمعة .

وفي هبة تموز الراهنة يساهم الشباب بشكل ملحوظ وواسع، وتنتمي اعداد كبيرة منهم الى الجيل الذي ترعرع بعد 2003 وسط صعوبات جمة ومشاكل لا تعد ولا تحصى، دون ان يجد أمامه افاقاً مفتوحة، وهو يضم بين منتسبيه الكثير من حملة الشهادات الذين لا يجدون فرص عمل أمامهم، سواء في القطاع العام أم في القطاع الخاص،  فهم شبيبة  متذمرة وساخطة. وهناك البعض المحدود من المشاركين في الحركة الاحتجاجية، متنوعي الدوافع،  يريد توجيه السخط المتراكم بما يحقق أجنداته الخاصة، وبينها توجه عدمي رافض لكل شيء، بما فيه النظام الديمقراطي البرلماني. ومعروف ان للأحزاب السياسية المؤسسة على نحو سليم  دور مهم في هذا النظام.

ومن اللافت في هذه التظاهرات، المساهمة الواضحة لعدد من الاتحادات والمنظمات النقابية والمهنية، التي وقفت داعمة لها ومنددة بالقمع الذي تعرضت له ، ومنها نقابة المحامين التي تولت الدفاع عن المعتقلين .

وجاءت الحركة الراهنة على درجة من السعة والقوة والعنفوان اذهلت المتنفذين واربكتهم، خاصة وانها انطلقت في محافظات الجنوب والوسط وبغداد. وبدلاً من المعالجة الجدية للاسباب التي تقف وراء تجدد هذه التظاهرات الشعبية، وتلبية مطالَبها الانية والعاجلة، اتخذت السلطات مواقف متعسفة وضاعفت من حجم الحلول الأمنية، في مسعى للحد من التظاهرات  أو إخمادها. لكن ردود الفعل جاءت معاكسة تماما .

ان قول من بيدهم القرار انهم يتفهمون مطالب المتظاهرين ويسعون الى حمايتهم، لا يستقيم على طول الخط مع الاجراءات الأمنية المتخذة. وواضح من الممارسات الحاصلة والجارية الآن أنها تأتي بالضد من المتظاهرين وليس لحمايتهم .

وهل استخدام الرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع، والضرب المبرح بهدف الايذاء، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والاعتقالات الواسعة وتوجيه التهم جزافا، والافراج الشَرطي (بكفالة) عن المعتقلين، وفرض التعهدات المهينة والمسيئة، والتضييق على المحتجين في لقمة عيشهم، وإعداد قوائم تحت الطلب للاعتقال، ووقوع هذا العدد الكبير نسبيا من الشهداء والجرحى في تظاهرات يكفلها الدستور، هل كل هذا وغيره هو لحماية متظاهرين تقول  الحكومة ان ٩٩ في المائة منهم سلميون ؟

ان هذه الممارسات تعد مخالفة صريحة للقانون والدستور وانتهاكا فظا لحقوق الانسان العراقي، ومصادرة عملية لحق التعبير رغم الاعتراف به شكلاً وقولاً.

ان التجارب السابقة والحالية تؤكد بقوة ان لا حل أمنيا، مهما كانت قسوته، يستطيع مصادرة إرادة الناس وحقها في الدفاع عن مصالحها بطرق سلمية وحضارية. ولا يبرر الاقدام على هذا  العنف حصول بعض الممارسات المحدودة جدا والمرفوضة، في التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة ومقار الأحزاب ودور السكن .

ان هذه الاحتجاجات تريد كما سابقاتها ان توصل رسائل قوية الى الحاكمين، فيها رفض لأوضاع  البلد المزرية. وان عدم التجاوب مع المطالَب العادلة للناس سيرفع من درجة الاحتقان والتذمر، وسيقود الى تكرار الاحتجاج وربما على نحو أشد وأوسع .

ان من واجب الحكومة واجهزتها السعي الجدي الى التفاعل الإيجابي مع هموم الناس، ولا ينفع هنا الاستغراق في الحديث عن مندسين ومخربين وسواهم، فهذا لا يغير من حقيقة وجود هبة جماهيرية تعكس حالة معاناة متعاظمة. ويتوجب كذلك التعامل مع المتظاهرين الحقيقيين وليس مع من ترغب  السلطات في اللقاء بهم، والكف عن كل الممارسات غير القانونية، وان تعلن الحكومة والقضاء إسقاط كل التهم بحق المتظاهرين، وإطلاق سراح من تبقى منهم، وإسقاط "التعهدات المهينة" بما في ذلك الكف عن فرضها في  دوائر الدولة. كذلك ان يصدر امر ديواني باعتبار شهداء الهبة الشعبية شهداء للشعب، وان يتم إنصاف عوائلهم وذويهم ومساعدة الجرحى على التشافي والعودة الى ممارسة حياتهم الطبيعية .

من جانب آخر، ما زالت استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين دون المستوى المطلوب بكثير، وتبقى الاجراءات التي اعلنت عنها تحت الضغط الشعبي تنتظر التنفيذ. فهي حتى الآن وعود، ويتوجب السعي لتذليل ما يحول دون تحويلها الى واقع ملموس  .

ان حزبنا الشيوعي العراقي المنحاز أصلاً لقضايا الجماهير العادلة والمشروعة، يرفض بقوة ويدين أية ممارسة عنفية ضد المحتجين، ويدعو القوى المدنية والديمقراطية والوطنية الى دعم طموحات الناس والاستجابة لرغباتهم، مثلما يشدد على حفظ الطابع السلمي للاحتجاجات والاختيار السليم لشعاراتها ومطالبها .

وان على الجميع، خاصة الكتل المتنفذة والفائزة في انتخابات مجلس النواب ٢٠١٨، ان تدرك مغزى ومضمون هذا العناق والتشابك بين ما أفرزته الانتخابات من معطيات ودلالات، وما وجهته وتوجهه التظاهرات الحاشدة والاعتصامات المتواصلة من رسائل، عنوانها ضرورة التغيير الجدي مدخلاً لاصلاح حقيقي  ينتظره الشعب بفارغ الصبر .

 تشكيل الحكومة المقبلة

 لقد افرزت النتائج الأولية للانتخابات واقعا جديدا مختلفا  في تناسب القوى بين الكتل السياسية المختلفة ، حيث ظهرت كتل برلمانية متوسطة الحجوم ومتقاربة في اعداد مقاعدها. ونظراً لعدم حصول أي من الكتل الفائزة على مقاعد برلمانية كافية تؤهلها لتشكيل الكتلة الأكبر، فقد دخل عديد منها في حوارات ولقاءات، كان تحالف "سائرون" طرفا أساسيا فيها، كونه الحاصل على اكبر عدد من  المقاعد .

وفِي كل لقاءات "سائرون" ومفاوضاته جرى التأكيد على ثوابته، التي تضمنها مشروعه الانتخابي للتغيير والإصلاح. وجرى تأكيد اعتماد برنامج واضح وملموس للتنفيذ، يسعى الى تحقيق إصلاح جدي في النظام السياسي، والتخلي عن منهج المحاصصة، والعمل على إقامة دولة المواطنة والمؤسسات والقانون والحريات، وتوفير الخدمات للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الدخل، والتصدي للفساد، وتنويع مصادر الدخل الوطني والسير على طريق التنمية المستدامة، وحصر السلاح بيد الدولة، وضمان إستقلالية القرار العراقي، وإقامة علاقات متكافئة مع دول الإقليم والعالم .

ان تمسك "سائرون" بهذه الوجهة، وتقديمه البرنامج على أي شيء آخر كون ذلك يلبي حاجات الجماهير والناخبين، انما ينسجم مع مطالب المنتفضين، ويعني رفض العودة الى ما هو قائم من منهج في إدارة الدولة يعتمد أساسا على المحاصصة. ومن هنا جاءت المطالبة بتشكيل كتلة عابرة للطائفية، تسير على طريق الاصلاح الحقيقي وفقا لبرنامج يتضمن توقيتات زمنية محددة للتنفيذ، وان تتم مراجعته دوريا لضمان حسن الأداء. وبهذا المعنى فان الحكومة المطلوبة يتوجّب ان تكون حكومة كفاءات بلا محاصصة ولا فساد ، تضع الشخص المناسب في المكان المناسب .

ومن الواضح الآن ان الصراع  في شأن تشكيل  الكتلة الأكبر يدور بين توجهين رئيسيين. فهناك من يريد الاستمرار في المنهج المحاصصي ذاته، رغم الإعلان عن الفشل الواضح الذي بادر البعض حتى الى التصريح بتحمل نتائجه.  والتبرير الذي يطرح لهذا التمسك هو "ظروف البلد"، وعدم رغبة أحد في ان يكون في المعارضة!

وفِي إطار هذا التوجه هناك من يريد اجراء بعض التغييرات  الطفيفة التي تطال بعض القضايا الشكلية ، فيما يبقى الجوهر ذاته،  أي "محاصصة محسنة". وفي المقابل هناك دعاة المشروع الاصلاحي الحقيقي، الذين ينطلقون من معطيات وحقائق هي موضع اهتمام جماهير واسعة، تسعى الى التغيير الذي غدا  بالنسبة اليها ضرورة ملحة، وليس ترفا فكريا أو سياسيا. وان الحزب الشيوعي وتحالف "سائرون" من دعاة هذا التوجه المتمسكين به، على طريق تكوين الكتلة الانتخابية البرلمانية الأكبر ومستحقاتها .

ومن الواضح ان لقاءات الكتل في اتجاه  تشكيل الحكومة المقبلة  لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، رغم ما يعلن هنا وهناك. وقد يكون انتظار اعلان المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات من عوامل ذلك، لكن من المؤكد ان التظاهرات الشعبية الواسعة قد تركت بصماتها على المشهد، حيث جاءت رسائلها معززة لنتائج الانتخابات وما يمكن ان تتركه  في التطورات الجارية في بلدنا، ومنها تشكيل الحكومة المقبلة التي من المؤكد انها ستكون تحت ضغط كبير لتحقيق شيء ملموس للناس، خاصة تحقيق مطالبهم الملحة التي دعمتها المرجعية بوضوح في خطبة الجمعة ٢٧ تموز ٢٠١٨، وما حددت من معايير ومواصفات للحكومة ولرئيس الوزراء المقبلين.

ولا يمكن كذلك إسقاط مساعي البعض لتأخير تشكيل الحكومة المقبلة بذرائع مختلفة ، وهذا يعني استمرار عمل حكومة تصريف الاعمال وما يمكن ان يحصل من تمدد في الصلاحيات.

لذا يتوجّب التشديد على الإسراع في تصديق نتائج الانتخابات، والبدء بإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتدشين عمل السلطة التشريعية وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتشكيل الحكومة .

وستخضع هذه العملية لعوامل شد وجذب عدة، منها التظاهرات الجماهيرية وسقف مطالبها ، ومدى استعداد الكتل السياسية للاستجابة لها ، والتدخلات الخارجية لاسيما وان العراق غدا ساحة صراع تتقاطع فيها مصالح دول عدة، وذلك بفعل عوامل مختلفة منها مواقف بعض القوى السياسية العراقية .

 وفي ما يخص حزبنا فانه حدد مواصفات ومعايير الحكومة التي يعمل مع "سائرون" من اجل تشكيلها، والتي ينبغي ان تكون حكومة كفاءات وطنية عابرة للطائفية، يتمتع افرادها بالكفاءة والخبرة والنزاهة. وان تحقيق ذلك يرتبط الى حد كبير بقدرة الحراك الشعبي والجماهيري على المواصلة والضغط، وقطع الطريق امام الفاشلين والفاسدين لمنعهم من الرجوع الى موقع القرار والحكم، على وفق المنهج السابق الولاّد للأزمات.

فاذا لم يتحقق  تشكيل الحكومة وفقا لما هو مؤشر أعلاه، فان الأبواب ستبقى مفتوحة للعمل  الدستوري السلمي الديمقراطي الجماهيري المعارض، داخل البرلمان وخارجه .

 حكومات الطوارئ والإنقاذ

بالنظر الى تفاقم الأزمة العامة في البلد، والحراك الجماهيري، وحالة الاستعصاء السياسي، وتشبث بعض الكتل بمواقفها وإصرارها على منهجها الخاطيء، وحيث ان الانتخابات الاخيرة لم تحدث تغييرا كبيرا في موازين القوى لصالح المشروع الاصلاحي الحقيقي، وبما يُؤمِّن تشكيل حكومة كفاءات حقيقية، و- من جانب آخر - بعد الفشل في الغاء الانتخابات او إعادتها، انطلقت دعوات الى تشكيل "حكومة طوارئ" أو"حكومة إنقاذ" او تبديل النظام البرلماني بآخر رئاسي .

 ومثل هذه الدعوات ليست بالجديدة وقد تكررت على  لسان سياسيين عراقيين مساهمين في العملية السياسية. لكنها تثير الكثير من الأسئلة المشروعة بشأن دوافعها وآلية تنفيذها ومن يتصدى لذلك. ويبدو في نهاية الأمر انها  دعوات موجهة الى القوى ذاتها، التي تهمين الان على مقاليد الحكم والتي اُختبرت طيلة ١٥ عاما ولَم تقم الاّ بمفاقمة  الأزمة بنهجها ونمط تفكيرها وسوء ادارتها وفساد فئات منها ، دعوات اليها للعودة الى سدة الحكم بعناوين جديدة.

ولعل الاخطر في هذه الدعوات انها تعيد الوضع في بلدنا الى نقطة الصفر، وهي إٍن لم تلغ الدستور فهي تجمّده، فضلاً عن انها تفرّط بالديمقراطية وبممارستها النسبية المتحققة في بلدنا، وتفتح الاحتمالات على حالة من عدم اليقين ازاء القادم. انها لا تقدم حلولا جدية لواقعنا الراهن، على العكس يمكن ان تقود الى نهج دكتاتوري جديد في بلادنا.

ونحن نرى ان مثل هذه الدعوات ليس الاّ هروبا من استحقاقات واجبة، يتطلب تنفيذها شجاعة وارادة وتغليب مصلحة الوطن والشعب على الحسابات الضيقة والآنيّة .

 العلاقة مع القوى المدنية والديمقراطية

 ان بين القوى المدنية والديمقراطية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، مشتركات واسعة. وهي تتبنى مشروعاً للبديل المدني الديمقراطي على قاعدة العدالة الاجتماعية. وان مشاركتها في انتخابات مجلس النواب في أطر انتخابية متعددة، لا يحول دون تفعيل لقاءاتها وأطرها المشتركة، وقيامها بفعاليات ونشاطات للترويج لمشتركاتها في بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحقة، والانتصار لحرية المواطن وحقه المشروع في حياة كريمة في عراق مزدهر .

وتتوجب الإشارة الى ان حزبنا وهو يشترك مع "سائرون" ببرنامجه الوطني الاصلاحي ودعوته الى التغيير وبناء دولة المواطنة، يجد ان هذا البرنامج يتناغم تماماً مع توجهات المدنيين والديمقراطيين الآخرين، ويوسّع من  دائرة الفضاء الوطني الساعي الى تحقيق هذه الأهداف المشتركة، التي تعبر عن مصالح فئات اجتماعية واسعة .

وقد عكس اللقاء الأخير للقوى المدنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع  المدني في ٢٦ تموز ٢٠١٨ رغبة قوية في التنسيق والتعاون، وصدر عنه  بيان تضامن ودعم لمطالب المتظاهرين العادلة وادانة القمع ضدهم .

وسيعمل حزبنا بدأب على تعزيز علاقاته وتمتينها مع النواب المدنيين والديمقراطيين في مجلس النواب القادم كما في خارجه، وعلى إعادة تفعيل وتنشيط التيار الديمقراطي وتنسيقياته داخل الوطن وخارجه .

 حصر السلاح بيد الدولة

 لا نجد من السياسيين من يقول بخلاف هذا، فيما تبقى العبرة في إقران القول بالفعل من قبل الحكومة والأحزاب والكتل السياسية التي لها أذرع مسلحة .

لكن حصر السلاح بيد الدولة اشمل من هذا بكثير، وهو يمتد ليشمل كافة المسلحين والميليشيات على اختلاف أسمائها  وعناوينها، والتي تعمل خارج الدولة وضوابطها.

وهناك العديد من المبادرات في هذا الإطار، ولكن نظراً لكون الفصائل المسلحة متعددة، فلا امكانية لنجاح مبادرة الدولة، ومبادرة السيد الصدر بشأن نزع سلاح مدينة الصدر كبداية، ما لم يبدِ جميع التشكيلات التي تمتلك سلاحا الاستعداد لنزع السلاح وتسليمه الى الدولة، التي عليها ان تتخذ خطوات جريئة تشمل الكل، على طريق حصر السلاح قولاً وفعلاً بيدها .

وان من المهم ان تقوم الدولة بتقوية الجيش والشرطة والاجهزة الأمنية، لتنهض بدورها كاملا وفقا لمهامها المحددة دستوريا، ومضاعفة الجهد الاستخباري وتعزيز ملاحقة عصابات الاٍرهاب والاجرام وضمان الأجواء السلمية الآمنة .

ان  تحقيق حصر السلاح بيد الدولة واحد من  المؤشرات المهمة لعودة الاطمئنان والثقة بأجهزة الدولة، وبقدرتها على حماية المواطنين وتوفير الأمن لهم ولممتلكاتهم، وهو ايضا مؤشر على توجه جدي نحو اصلاح مؤسسات الدولة وقيامها بواجباتها. وعموما لا يمكن الحديث عن بناء دولة المؤسسات والقانون والديمقراطية الحقة ، مع وجود السلاح  غير المسيطر عليه تحت أي عنوان .

ومن المهم كذلك رعاية عوائل الشهداء وضحايا الارهاب وإنصافهم، وتقديم الدعم والاسناد للمعوقين والجرحى .

 قضايا اقتصادية واجتماعية

 إن السياسات الاقتصادية التي اعتمدت طوال السنوات الماضية لم تفض سوى إلى تعميق المشاكل البنيوية للاقتصاد العراقي، والى تشديد طابعه الريعي وزيادة الاعتماد على المورد النفطي وما يترتب عليه من ارتهان اقتصادنا الوطني إلى تقلبات السوق النفطية العالمية. وقد شهدنا الآثار الوخيمة للانخفاض الحاد في أسعار النفط عام 2014 وما ادت اليه السياسات والاجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة من تدهور في الواقع المعاشي لفئات وشرائح واسعة من أبناء شعبنا.

ومن دورة حكومية الى اخرى، تكرر فشل السياسات الاقتصادية وطرق ادارة الاقتصاد الوطني في ايجاد المخارج والحلول للتردي في الخدمات العامة والتدهور في البنى التحتية المادية، كالطرق والجسور وشبكات الصرف الصحي والماء والكهرباء وشبكات الاتصال، والبنى الاجتماعية المتعلقة بالخدمات التعليمية والصحية، الى جانب تفاقم المشكلات البيئية والمشكلات في مجال النقل، وانتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب، والتلكوء والبطء الشديدين في إعادة المهجرين إلى مناطقهم، وفي عملية إعادة إعمار وبناء المدن والمناطق المدمرة، كذلك تكريس الطابع الاستهلاكي والانحسار المستمر للانتاج الزراعي والصناعي، وتسرب الجزء الأكبر من الايرادات النفطية نحو الخارج من خلال استيراد السلع والخدمات ومزاد العملة ، بما في ذلك استيراد المنتجات الزراعية والغذائية الأساسية من الخارج، ومعظمها من دول الجوار.  يضاف الى هذا كله ما يواجه البلد من شح في المياه لاسباب عدة، منها ما يتعلق بسياسات دول الجوار وحرمان العراق من حصص عادلة في مياه نهري دجلة والفرات وغيرهما من الأنهر الصغيرة والروافد.

وترافق كل ذلك مع تفاقم الفساد المالي والإداري، واتساع الفوارق في الدخل والثروة  وبروز ظواهر الغنى المفرط إلى جانب الفقر المدقع، وتزايد حالات التشرد والتهميش الاجتماعي.

إن واقع الأزمة العامة للاقتصاد العراقي، وفشل السياسات المتبعة حتى وقتنا الحاضر في تصحيح المسارات وإحداث الاصلاحات الهيكلية المطلوبة، سواء في مؤسسات الدولة عموما وفي تلك المعنية بالشأن الأقتصادي خصوصا، والتي تعاني من الترهل والتفكك وضعف الكفاءة والفساد، ام في سبل ادارة وتوجيه موارد الدولة المالية والبشرية نحو القطاعات والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية لوضع البلاد على طريق التنمية المستدامة، إن هذا كله يؤكد الضرورة والحاجة الملحتين إلى اعتماد سياسة تنموية اجتماعية واقتصادية وبيئية، تستند إلى رؤية واضحة، قادرة على تأمين متطلبات اصلاح وتفعيل القطاع العام والقطاع الخاص، بشقيه الوطني والأجنبي،  وتيسير تحقيق التشاركات العادلة والكفوءة بينها، واعتماد توليفة مناسبة من آليات وأدوات السوق والتخطيط الاقتصادي الحكومي لتحقيق الأهداف الموضوعة.

وبات واضحا تماما ان من الصعب، إن لم نقل من المحال، تذليل التحديات التي تواجه البلد من دون عملية اصلاح حقيقية وجذرية في مختلف المجالات، لا سيما في الميدان  الاقتصادي والاجتماعي، تطال التوجهات الاقتصادية في البلد واولوياتها. الأمر الذي يقتضي تبني منحى آخر في توجيه الموارد المالية للبلد، واستثمارها على نحو سليم يستجيب لمتطلبات بناء اقتصاد قوي متنوع، وعلى وجه التحديد اعتماد السياسات والاجراءات الكفيلة باسناد القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية والخدمية المنتجة. كذلك على صعيد تأمين وضع افضل للفئات  الفقيرة والمعدمة وذوي الدخل المحدود والكادحين، بما يؤدي الى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وضمان الحاجات المعيشية الاساسية.

ويستلزم تحقيق هذا من مجلس النواب الجديد والحكومة المقبلة، تبني برنامج حكومي يشدد في جانبه الاقتصادي على اعتماد سياسة اقتصادية واضحة المعالم في ابعادها التنموية، مع تأكيد إلزام وزارات ومؤسسات الدولة، بخطة التنمية الوطنية الموضوعة، واتخاذ خطوات واجراءات حازمة لمحاربة الهدر والانفاق غير المبرر من المال العام، ومثلها ضد الفساد ولأصلاح مؤسسات وإدارات الدولة عبر حسن اختيار قياداتها، وفقا لمعايير المواطنة والنزاهة والكفاءة والاخلاص والمعرفة والخبرة العلمية والمهنية، بعيدا عن اي شكل من أشكال التمييز.

وان من بين اولويات الاصلاح الاقتصادي والاداري والمؤسسي، تشريع قوانين تشكيل الصناديق السيادية التنموية والمتخصصة، وايجاد مجلس للاعمار أو أي اطار مؤسسي آخر يتمتع بصلاحيات مركزية واسعة ويخضع لاشراف ورقابة مجلس النواب، يتولى التخطيط وإدارة المشاريع الاستراتيجية، لا سيما تلك المتعلقة بالبنى التحتية المادية والاجتماعية والبيئية.

وعند تأكيد ضرورة اعتماد سياسات واجراءات تنموية واضحة، يجب الاّ يغيب عن البال أن محور الصراع السياسي في البلدان ذات الاقتصاد الريعي مثل العراق، وهدفه الرئيس، هو تحديد مصلحة من، ولأية أغراض يتم توزيع واستخدام الريع النفطي، الذي تتحكم به الدولة ؟ وعلى مدى السنوات الماضية، استحوذت القوى والفئات المتحكمة بمفاصل الدولة وسياساتها، وشركاؤها من رجال اعمال ومقاولين وسماسرة واصحاب بنوك، على القسط الأكبر منه عبر آليات شرعية وغير شرعية. وتشكلت منظومات فساد تغلغلت في جميع حلقات الدولة ومؤسساتها العليا والدنيا، لإدامة مصالحها وإعادة انتاج ذات الأحوال والبيئة المنتجة للفساد. ومن هنا ينشأ الترابط الوثيق بين التوجه نحو توظيف الايرادات النفطية لأغراض التنمية وتحسين الأحوال المعيشية لعامة أبناء الشعب، وبين الجرأة والحزم في محاربة الفساد وتفكيك وإزالة منظوماته وتحقيق الاصلاحات الهيكلية والادارية الضرورية لتنفيذ البرامج التنموية.

 ضرورة التغيير 

 بيّنت حصيلة السنوات  العجاف التي مرت على بلدنا منذ التغيير في نيسان ٢٠٠٣، وعلى نحو جلي، ان من الصعوبة بمكان اليوم حكم العراق بالطريقة ذاتها التي حُكم بها حتى الآن. فهذه ولّادة للازمات، التي ما ان تعالج او تخفف من وطأة احداها حتى تظهر اخرى تبحث عن حلول ومعالجات. والعراق ليس استثناء هنا. فهناك بلدان اخرى مبتلية بما ابتلينا به، لكن الأنظمة المأزومة في المنهج وطريقة التفكير والإدارة والسلوك والاداء اليومي العملي، وفي التخلي عن مبدأ المواطنة وتغليب الهويات الفرعية، لا تستطيع الهروب من واقعها  الاّ بكسر هذه الحلقة المفرغة، والخلاص من احتكار  السلطة،  وهو ما يحتاج الى تغيير واضح وملموس في موازين القوى . ولقد كان هذا من الاستنتاجات الاساسية لمؤتمر الحزب الوطني العاشر. وانطلاقا منه ساهم الحزب في تشكيل تحالف "سائرون" الذي يتجاوب برنامجه  مع التطلع الى التغيير .

ان اوضاع البلد المأزومة، وانسداد آفاق حل الأزمة السياسية، واصرار المتنفذين على مواقفهم وتقاتلهم من اجل الاحتفاظ بمواقعهم ونفوذهم، وتغليبهم مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية الضيقة وتشبثهم بالمحاصصة، الى جانب الوهن الذي اصاب الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي .. ان هذا كله يجعل التغيير ضرورة ملحة، التغير في في نمط التفكير وفي المنهج واساليب الأداء وما يتبع ذلك من تغيير في الشخوص. وهو ما يقتضي تبني مشروع  وطني  للتغيير يستجيب لحاجة الوطن والشعب، ويمكنه التصدي للتحديات التي تواجه العراق والمنطقة .

ومن المهم ان لا يكون التغيير شكليا او مقتصرا على اجراءات فوقية، فالجماهير التي خرجت في التظاهرات والاعتصامات والتحشدات من جانب، وما تمخضت عنه الانتخابات من دلالات من جانب آخر، انما تعكس تطلعا الى التغيير الشامل المفضي الى الاصلاح الجدي والحقيقي. والأساس في ذلك هو تغيير بنية النظام السياسي، ابتداءً بالتخلي عن نهج المحاصصة الطائفية - الاثنية وتفكيك منظومته، واعادة بناء الدولة على اساس المواطنة .

 ان المشروع التغييري الاصلاحي هو مشروع نضالي تراكمي قد لا يتحقق دفعة واحدة، ولكنه يتمتع بإمكانات واقعية، وهو يستحق مواصلة العمل والنضال من اجله، نظرا الى استجابته لمصالح طيف من أبناء الشعب العراقي هو الأوسع، وتجسيده طموحهم الى حياة أفضل في عراق آمن ومستقر .

ولا ريب ان هذا المشروع التغييري سيواجه صعوبات ومشاكل ومقاومة وعراقيل جمّة، لانه يمس مصالح الفاسدين والفاشلين وعامة المتمسكين بنهج المحاصصة .

  مستجدات إقليمية ودولية

 

  • تواصل التراجع في اقتصاديات الدول الرأسمالية ونسب النمو فيها منذ الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨ بعد انهيار سوق العقارات الامريكي وافلاس العديد من المصارف وشركات التأمين، وتزايد الصعوبات ذات الصِّلة بالاستثمار،  فضلاً عن الركود الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر والبطالة، وفرض سياسات التقشف في عديد من البلدان. فيما تصاعدت اجواء الكراهية ضد الأجانب والمهاجرين،  وجرى  تأجيج اجواء الحرب الباردة وفرض جولات جديدة من سباق التسلّح  واستخدام العقوبات  الاقتصادية والسياسية على نطاق واسع، وتصدير السلاح  باضطراد  حتى الى المناطق التي تشهد نزاعات عسكرية .
  • وتواصل إدارة ترامب خطابها وسياستها العنجهية المتغطرسة واليمينية، وتعود الى سياسة القوة الأكبر المهيمنة على الصعيد الدولي، في وقت تتضاءل فيه إمكانيات ممارسة هذا الدور لأسباب داخلية  ومالية على وجه الخصوص. اضافة الى المتغيرات على الصعيد العالمي ورغبة أغلبية دول العالم  وشعوبها في شق طريق حياتها وتطورها الخاص بها. ويتزايد النزوع  العام الى تحقيق انفراج دولي حقيقي وإطفاء  بؤر التوتر ، وتركيز الجهود على مجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية في  تأمين الموارد الغذائية والبيئة الصالحة ، ومعالجة شح المياه ومواجهة التغيرات المناخية الكونية والامراض الوبائية وانتشار  التطرف والارهاب والنزعات القومية العنصرية المتطرفة  .

  

  • وفي داخل الولايات المتحدة الامريكية هناك  الكثير من الحراك والرفض حتى من قبل عناصر في  الحزب الجمهوري لسياسات ترامب، الذي  اعتمد كثيرا في حملته الانتخابية على مجاميع قومية عنصرية متطرفة ، وما يسمى  " حركة اليمين البديل " التي تركت بصماتها على سياساته ومواقفه. وخلال فترة حكمه أقدم ترامب على الغاء او تعديل العديد من إجراءات من سبقه من الرؤساء ، خاصة على صعيد التأمين الصحي والتعليم والرعاية الاجتماعية وما يتعلق بالهجرة واللجوء. وهو ما جوبه بمعارضة قوية داخلية وخارجية ، اسوة بعزمه  على بناء جدار عازل مع المكسيك ، وفرض إجراءات مشددة على مواطني العديد من الدول الاسلامية الراغبين في الدخول الى أمريكا . في وقت اعتبرت فيه مجلة " المصلحة القومية " الامريكية ان العدو الأول لأمريكا ليس روسيا او الصين،  بل  سقف الدين العام الامريكي والعجز العام في الموازنة الامريكية، الذي قد يزداد بنسبة ٣٠ في المائة في الفترة بين ٢٠١٩ و ٢٠٢٣. وهذا يعني ان الأمريكيين سيضطرون الى دفع كل خامس دولار يملكونه لتسديد الدين العام . والتقدير ان واشنطن ستلجأ الى جدولة الدين العام بقروض من اليابان والصين ، اللتين تستثمران ١,٢ ترليون دولار في السندات الامريكية. في وقت تقول فيه احدى الدراسات ان نسبة سكان الولايات المتحدة الامريكية الذين يعيشون تحت خط الفقر، ازدادت بنسبة ٦٠ في المائة مقارنة بمثيلتها في عام ١٩٦٨ .

 

  • وأدت سياسة ترامب غير المتسقة الى توتير علاقات بلاده مع بلدان تعد من الحلفاء التقليديين لامريكا، خاصة الدول الأوربية والدول الأعضاء في حلف الأطلسي التي طلب منها ترامب تحمل مسؤولية اكبر فيه وتسديد التزاماتها المالية تجاهه، كما أراد منهم لعب دور اكبر في التصدي " للخطر الروسي ". وبفعل الضغط الامريكي وتساوقاً معه تم فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب الأزمة الاوكراينية وضم جزيرة القرم الى روسيا .

 

  • وفِي موازاة سلوك ترامب تجاه شركائه الأوربيين ، يجري تصعيد خطير لحرب اقتصادية تجارية مع الصين ، بل وسعي الى فرض تغييرات هيكلية في التوجهات الاقتصادية للصين. فيما تشير الاخيرة الى سعيها لتجنب مثل هذه الحرب التجارية ، التي قد تصل الى فرض رسوم كمركية على البضائع الصينية يصل مجموعها الى خمسين مليار دولار. لكنها ، كما تقول ، ستدافع عن نفسها في نهاية المطاف باجراءات مماثلة .

 

  • وبدت مؤشرات التباين والاختلاف بين أمريكا وحلفائها واضحة اثناء قمة مجموعة السبعة المنعقدة في كندا ( حزيران ٢٠١٨) ، حيت وصف ترامب الحوارات فيها بـ " الهراء ". وهذه القمة عادة ما تُستبعد منها الصين وروسيا. وكانت عناوين الاختلاف الرئيسة فيها ذات صلة بفرض الرسوم الكمركية الذي تريده أمريكا ، وما قابلها من إجراءات أوروبية وكندية مماثلة ، كذلك الموقف من الاتفاق النووي مع ايران الذي أعلنت أمريكا التخلي عنه من طرف واحد. فيما تعارض هذا الموقف كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا ، ووصلت الأمور الى حد ان مسؤولين امريكيين خيّروا أوربا بين ايران وصداقة أمريكا.

 

  • وفي مقابل قمة كندا كانت هناك القمة الإقليمية لمجموعة " شنغهاي " التي تضم روسيا والصين وعددا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، والتي تمخضت عن الالتزام بالتجارة الدولية الحرة ، في ما بدا انه رد على إجراءات أمريكا الحمائية. وتوافق المشاركون كذلك على التعاون المتكافىء والحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران. فيما يتواصل نشطاء مجموعة دول " بريكس " في توجه واضح نحو عالم متعدد القطبية .

 

  • وتواجه البلدان الأوربية مشكلة اللجوء والمهاجرين وهي عاجزة حتى الآن عن الاتفاق على نظام اوربي للجوء، ولتوزيع أعداد المهاجرين على دول الاتحاد الأوربي ، ويتجه بعضها الى معالجات فردية بدل الالتزام الجماعي .

 

  • وفي بلدان الرأسمالية التقليدية تواجه قوى اليسار ومن بينها الشيوعيون والحركات الاجتماعية ، مهمات عدة في وقت واحد ، منها كبح جماح النزوع العنصري الشعبوي المتطرف ، الذي ما برح ينمو في هذه البلدان وغيرها. وقد حقق هذا بعض النجاحات وخاصة في إيطاليا ، وعناوينه البارزة الآن هي الموقف المعادي للاجانب ، وقضم الحريات والتوجه نحو بناء انظمة استبدادية، والمحاولات المستترة لسلب الجماهير ما سبق ان انتزعت من مكتسبات بنضالها وتضحياتها، خاصة في مجالات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وامتيازات التقاعد والسن المحدد له ومجانية التعليم وغيرها. ويتجلى الرفض في حركات احتجاج وإضرابات واسعة، كالتي حصلت في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واسبانيا وغيرها .
  • وحظي باهتمام كبير لقاء الرئيس الامريكي مع الرئيس الكوري الشمالي ، وما نتج عنه من تخفيف للتوتر بين البلدين ، وشروع بيونغ يانغ بالتخلص من ترسانتها النووية. وعُدّت هذه الخطوات اجراءات مهمة على طريق نزع فتيل التوتر في الشرق الاقصى وتحسين العلاقة بين الكوريتين ، واستخدام الاموال في تحقيق التنمية لصالح شعوب منطقة شرق اسيا .

 

  • وفي أمريكا اللاتينية ترفض قوى اليسار والشيوعيون والحركات الاجتماعية التسليم بما احرزته قوى اليمين والليبرالية الجديدة من نجاحات انتخابية، وتخوض صراعا حادا من اجل تحقيق الديمقراطية والتنمية والعدالة ووقف التدخل الامبريالي الامريكي. وقد تحقق لها بعض النجاحات، لعل ابرزها فوز الرئيس المكسيكي الجديد، اليساري التوجه .

 

  • وتعيش دول اقليم الشرق الأوسط الكثير من الأحداث المترابطة والمتداخلة مع مثيلتها على الصعيد الدولي ، وتفرز معطيات تؤكد ما جرت الإشارة اليه من ان هذه المنطقة بما تتمتع به من مزايا وثروات هائلة، تبقى موضع صراع وتقاطع مصالح دول عدة. وان العديد من بؤر التوتر فيها ليس معزولا عن ذلك. وفيما تبقى العوامل الداخلية هي الحاكمة ، فان الأساس يكمن في  مدى الاستجابة والقدرة على تحقيق انفراج في الأوضاع لصالح الاستقرار وتوفير الحريات العامة والشخصية ، وبناء أنظمة ديمقراطية  ، وتحقيق تنمية ديناميكية توفر الحد الأدنى من متطلبات الحياة ، لاسيما الاساسية منها وبما يوفر فرص عمل للاعداد المتزايدة من العاطلين. والى جانب هذا وفي اجواء التحريض الطائفي والتطرف والممارسات الإرهابية المدانة، ومساعي الترويج للأفكار التي لم تعد تستجيب لتطلعات الناس ، وما تفرضه التطورات من استحقاقات ، يبقى مهما مدى القدرة على تنمية الوعي الاجتماعي ، وإيجاد مصدات سياسية وفكرية واقتصادية  واجتماعية، تحول دون تفاقم الظواهر السيئة التي أعاقت انطلاق البناء والإعمار وتحقيق التقدم والرخاء ، بل ومنعت حتى الحفاظ على الدول الوطنية ككيانات.

 

  • وتأتي التدخلات الخارجية ومساعي فرض الهيمنة والتحكم بمقدرات وشؤون هذه المنطقة الحساسة لتزيد الامور تعقيدا. ويتجلى هذا في أشكال عدة ، منها دفع المنطقة الى أتون صراعات عسكرية مدمرة ، والتشجيع عليها وتغذيتها بالاسلحة خدمة لمصالح المجمعات الصناعية العسكرية ، كذلك التحريض على التشظي الداخلي والتشجيع عليه ، وتأجيج مظاهر العداء بين دول المنطقة على أسس عرقية وطائفية مقيتة لا ناقة فيها ولا مصلحة لشعوب المنطقة. فيما يتم التغاضي عن ممارسات اسرائيل وتنكرها للقرارات الدولية التي تنصف شعب فلسطين وحقه في إقامة دولته الوطنية.

 

  • وفي هذه الأجواء جاء التصعيد المتزايد للتوتر بين أمريكا وإيران والغاء الاتفاق النووي من طرف أمريكا واعادة فرض العقوبات عليها في مطلع آب الحالي، وتوسيعها لتشمل تلك التي تخص النفط والصناعة النفطية الإيرانية ، والتي من المزمع تدشينها في تشرين الثاني القادم ، وهي جميعا خطوات أحادية ومن دون غطاء شرعي دولي . وأخذ التصعيد مداه في تهديدات متقابلة ، حيث اشارت ايران الى انها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه منعها من تصدير نفطها ، ولن تسمح للآخرين بفعل ذلك ، وستعمد الى غلق مضيق هرمز.  وجوبه هذا برفض واسع اقليمي ودولي، وأدى كل ذلك الى توتير الاجواء ، منذراً باحتمال الانزلاق الى صراع عسكري مهلك . ويجري هذا في وقت تشتد فيه الأزمة الداخلية والاقتصادية في ايران ، ويزداد التدهور في قيمة التومان وفي الحياة المعيشية ، فتخرج تظاهرات واحتجاجات في مدن عدة. وقد أثار ما يحصل تساؤلات مشروعة عن المتضرر الأساسي من العقوبات المفروضة ، ومخاطر الصراع العسكري ومدياته وتأثيره على مجمل المنطقة ومنها العراق ؟ ومدى قدرة ايران على الصمود وتأدية دورها في صراع إقليمي محتدم ، خاصة وان الضغوط الدولية والاسرائيلية تتزايد باتجاه التضييق على دورها في سوريا مثلا .

ان تجارب فرض العقوبات الاقتصادية ، ومنها ما تعرض له بلدنا في التسعينات ، والتي يقول فارضوها انها عقوبات للانظمة تستهدف الضغط عليها لتغيير سياستها ، تظهر انها سرعان ما تتحول في الممارسة الى عقوبات للشعب ، ذات آثار وخيمة انسانياً واجتماعياً واقتصادياً، تشدد من معاناته وتفاقم صعوباته المعيشية، وتهدد نسيج المجتمع وأركان الدولة .

ان شعوب المنطقة ومنها الشعب الإيراني ، تتطلع الى اوضاع مستقرة تستطيع فيها توظيف مواردها وثرواتها لخير ابنائها ولبناء بلدانها ، والى علاقات متكافئة مع الدول الاخرى تعتمد الشرعية والقوانين والاعراف الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد .

ويبقى من حق هذه الشعوب ان تمتع بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وان تختار انظمتها وفقاً لإرادتها، من دون حروب وعقوبات اقتصادية وحصار .

 من جانب آخر وفي تطور لافت اقدم الكنيست الاسرائيلي على إقرار قانون "اساس القومية" العنصري. ويعتبر هذا القانون جريمة جديدة تضاف الى جرائم دولة الاحتلال بحق وجود الشعب الفلسطيني. وان إقراره يشكل مسعى اضافيا لطمس حقوق الشعب الفلسطيني وبضمنها حقه في تقرير المصير. ونحن اذ ندين ممارسات اسرائيل العدوانية وحصارها لقطاع غزة وانتهاكاتها المتكررة للمسجد الاقصى ومعاملتها اللاانسانية للأسرى واستمرارها في فرض سياسة التجويع على الضفة والقطاع ، نجدد دعمنا الكامل للشعب الفلسطيني ولحقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشرقية .

  • وقبل ذلك اطاحت هبة شعبية شاركت فيها جماهير واسعة برئيس الحكومة الاردنية السابق هاني الملقي ، الذي اُستبعد في مسعى لتهدئة الغضب الشعبي على السياسة الاقتصادية للحكومة المدفوعة من صندوق النقد الدولي ، وعلى الزيادة الحادة في الضرائب ، ورفع الدعم عن الخبز. لكن العبرة تبقى في تخلي الحكومة الجديدة عن النهج السياسي - الاقتصادي لسابقتها ، والانحياز الى المطالب الشعبية والاستجابة لها ، وهو ما تشير اليه وتطالب به القوى الوطنية الاردنية وبينها الشيوعيون .
  • وبيّنت سبع سنوات من الصراع العسكري الدامي في سوريا وما تسبب فيه من ضحايا بشرية ومشردين ولاجئين وخراب ودمار هائل ، ومن جوع وفقر وآلام ودموع ، انه آن الأوان لسوريا وشعبها ان يروا شيئا آخر ، ما يتطلب وقف العمليات الارهابية وكل اعمال العنف والتدخلات الخارجية ، والاستجابة الى مساعي الامم المتحدة وتحقيق تسوية سلمية تفسح في المجال للشعب السوري كي يختار نظامه بحريته ، ووفق ارادته الحرة وتطلعاته الى حياة آمنة وتمتعه بحقوقه وبالحريات الديمقراطية والحياة الدستورية ، والحفاظ على وحدة بلاده وسيادتها الوطنية .
  • وبشأن الحرب المجنونة والعبثية في اليمن والتي تتواصل بلا معنى ولا جدوى، وتزيدها التدخلات الخارجية العسكرية ضراوة وتعقيدا، يرى الاجتماع ان مصلحة اليمن وشعوب المنطقة تكمن في ايقافها فورا، وان تتم الاستجابة الى جهود الامم المتحدة والجلوس الى طاولة المفاوضات، والوصول الى تفاهمات تحمي اليمن من التفتت والضياع، وتنقذ شعبه من المآسي والكوارث التي حلت به .
  • واذ يتواصل نضال شعوب المنطقة بأشكال مختلفة، بينها الحراك الشعبي والضغط الجماهيري والاضرابات والاعتصامات في سبيل الحقوق المدنية والديمقراطية، ومن اجل لقمة العيش والحياة الكريمة والحريات ، فان حزبنا يدين كافة الممارسات القمعية ضد القوى الوطنية والديمقراطية، وضد قوى اليسار والتقدم والاشتراكية والشيوعية، ويجدد تضامنه معها في نضالها من اجل غد افضل تستحقه شعوب المنطقة، التي عانت الكثير على ايدي الانظمة الدكتاتورية والرجعية .
  • وفي رأينا ان مصلحة شعبنا وبلدنا تكمن في تجنب التخندقات وسياسة المحاور، وفي الحفاظ على علاقات حسن الجوار والتكافؤ والحرص على استقلالية القرار العراقي .

توجهاتنا :

- الانحياز الى الناس وتبني مطالبهم العادلة، والمشاركة الفاعلة في مختلف النشاطات والفعاليات الجماهيرية وفي الحركة الاحتجاجية والمطلبية السلمية  .

- العمل على إدامة زخم الحراك المطلبي والشعبي، والتحفيز على المشاركة فيه، والانفتاح على مختلف القوى والتجمعات الجماهيرية والتنسيقيات، والعمل على حفز المشتركات في ما بينها بما يعزز التنسيق والتعاون لتحقيق مطالب الناس في توفير الخدمات وفرص العمل ومكافحة الفساد وانهاء النظام المحاصصاتي لادارة البلد.

- المساهمة الفاعلة في استنهاض التيار الديمقراطي وتعزيز العلاقة بين مختلف القوى المدنية والديمقراطية بما يدعم السير على طريق تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي .

- تعزيز دور تحالف "سائرون" وتمتين العلاقة مع مختلف اطرافه، واقامة الصلات والعلاقات مع مختلف الاحزاب والكتل والقوى التي نتشارك معها في تحقيق التغيير والاصلاح الحقيقي، وفي مكافحة الفساد والارهاب وحصر السلاح بيد الدولة وبناء دولة المواطنة على قاعدة العدالة الاجتماعية .

- مواصلة التحضير والاستعداد لانتخابات مجالس المحافظات، والعمل مع القوى الوطنية الاخرى على فرض قانون انتخابي عادل، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات على أسس المهنية والحيادية والنزاهة .

- القيام بحملات منظمة من اجل كشف الفاسدين، والضغط في اتجاه فتح كافة ملفات الفساد منذ 2003 ، واعتماد الشفافية في ادارة المال العام .

- توسيع صلات وعلاقات الحزب ومنظماته مع كافة فئات وشرائح المجتمع، وبينهم المثقفون والشباب والنساء ، وتعزيز مشاركتهم في النضالات  المطلبية والحراك الجماهيري، وفي تنمية الوعي الاجتماعي .

- التصدي لكل الاجراءات والقرارات والقوانين التي يراد بها مصادرة او التضييق على حرية التعبير والتظاهر السلمي وتقزيم الديمقراطية، وفضح اية ممارسات تنتهك حقوق الانسان العراقي .

- التشجيع على حوار بناء بين الكتل السياسية العراقية في اتجاه تشكيل حكومة كفاءات بلا محاصصة ولا فساد، تتبنى مشروعاً وطنياً اصلاحياً ذا سقوف زمنية للتنفيذ، وضمان حق المعارضة في ممارسة دورها كاملاً في الحياة السياسية .

- وعلى الرغم من المحاولات متعددة الاهداف لإضعاف البرلمان ودوره، فانه يبقى منجزاً ديمقراطياً يتوجب الحفاظ عليه وتطويره، بما يمكّنه حقاً وفعلاً من اداء دوره التشريعي والرقابي .

- حث مختلف الأطراف على التمسك بالقرار العراقي المستقل، وإقامة العلاقات مع دول الجوار والعالم على أساس التكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية .