سبق ان اكدنا مرارا ان اوضاع البلد لا تسر احدا ، وان هناك كما كبيرا متراكما من المشاكل والصعوبات ، التي تبحث عن حلول لم تجدها منذ 15 عاما . بل ان جوانب منها اخذت تنحدر من سيىء الى اسوأ ، ونخص بالذكر هنا ملفات الخدمات العامة ، وتجهيز الكهرباء والماء ، والتدهور في قطاعات الصحة والتعليم والنقل ، كذلك الارتفاع المتزايد في نسب الفقر والبطالة وقلة فرص التعيين في القطاعين العام والخاص. علما ان بين الباحثين عن عمل دون جدوى حملة الشهادات وخريجو الجامعات في مختلف الاختصاصات .
وازاء هذه الحالة الكالحة والمأساوية تتصاعد حالة الاحتقان الاجتماعي ، ويرتفع منسوب التذمر والسخط ، وتتسع هوة عدم الثقة بين المواطنين من جهة ، والمتنفذين واصحاب القرار والمهيمنين على ادارة شؤون البلد منذ التغيير في نيسان 2003 حتى يومنا الراهن .
لقد قبضت الناس على الجمر وشدت الاحزمة على البطون وقدمت التضحيات الجسام ، وتسامت على اخطاء وممارسات لا تحصى تعاني منها كل يوم ، وتتحسس عواقبها الوخيمة ، خصوصا في فترات التصدي لداعش الارهابي . لكن التمادي تواصل من قبل المتنفذين ومعه العبث بالمال العام ، والنكوص عن الوعود التي اغدقت ، وتعميق الفجوة بين الفقراء والاغنياء. كما يبرز اصرار بعض المتنفذين على ذات المنهج الفاشل ، وتشبثهم بالمحاصصة الطائفية والاثنية في تقاسم السلطة ، وما يوفره ذلك من فرص لادامة الهيمنة والسيطرة والنفوذ والمال. وكل هذا وغيره رفع من منسوب الغضب والرفض الشعبيين.
في مواجهة هذه الاوضاع المزرية ، اضطر ويضطر المواطنون من فئات وقطاعات مختلفة ، للنزول الى الشارع مطالبين بحقوقهم التي تخلت الدولة فعلا عن بعضها ، وملحين على توفير الخدمات ومحاربة آفة الفساد وتوفير فرص العمل. ولجأت الجماهير الى التظاهر والتجمع ، والسعي بمختلف الاشكال القانونية والسلمية الى اشهار مطالبها ، التي لم تجد اذانا صاغية ، وكأن البعض يراهن على عامل الزمن لنسيانها ، فيما الغضب الشعبي يتحول تدريجيا الى بركان من السخط والتذمر .
أن ما يجري اليوم من تظاهرات واحتجاجات هو تحصيل حاصل لأزمة البلد الشاملة وأسّها المتمثل في المحاصصة الطائفية والاثنية ، ولما وصلت اليه امور البلد وحالة الانسداد والاحتقان التي تلف مختلف النواحي. وقد اطلقت موجة التظاهرات بنسختها الجديدة ، والتي تميزت بسعة المشاركة فيها وشمولها قطاعات واسعة ، رسالة قوية رافضة لمنهج الفشل ، ومحذرة من ان الاصرار عليه لا يعني الا تكرار الفشل.
ان هذه التظاهرات تنسجم مع روح الدستور وحق المواطن في التعبير عن رأيه وعن مطالبه ، وهو ما يتوجب ان ترعاه الدولة والحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ، وان تصون حياة المتظاهرين وتؤمن سلامتهم . ومن هنا فليس مقبولا على الاطلاق اللجوء الى استخدام الرصاص الحي والافراط في استخدام القوة ، وتجهيز قوائم الاعتقال التي شملت ناشطين مدنيين معروفين ، وغيرها من الاساليب المرفوضة في بلد دستوري يريد ترسيخ الحياة الديمقراطية.
ويمكن بالطبع في تظاهرات واحتجاجات واسعة من النوع الذي نشهده اليوم ، ان نجد من يسعى الى التأثير على مسارها بوجهة معينة. ولكن هذا لا يؤثر قطعا على طابعها العام ، ومطالبها التي تؤيدها اغلبية ساحقة من ابناء شعبنا وخاصة المحرومون والكادحون منهم .
اننا اذ نرفض وندين استخدام العنف ضد المواطنين المتظاهرين ، وندين اي اعتداء وتجاوز على المؤسسات العامة والخاصة ومقار الاحزاب ودور السكن ، ونشدد على احترام منتسبي القوات المسلحة ، ونؤكد ان قوة التظاهرات تكمن في سلميتها وعدالة مطالبها ، نكرر ان هذه المطالب ، الآنية منها وذات البعد المستقبلي ، لا يمكن حلها وفقا لمنطق فرض الامر الواقع واستخدام الوسائل الامنية والافراط فيها. فنحن على يقين من ان هذا سيفاقم المشكلة ويزيدها استعصاء ، وسيفتح في المجال لمن يتربص ببلدنا ويسعى لدس انفه في ما يجري، داخليا وخارجيا.
ان التجربة تؤكد من جديد مدى الحاجة الى اقامة حكومة كفاءات ، بعيدا عن المحاصصة والفساد، حكومة تلتزم ببرنامج اصلاحي وبسقوف زمنية للتنفيذ وبوضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، بما يعطي اشارات واضحة وملموسة الى توفر الارادة الصادقة للسير على طريق التغيير والاصلاح الحقيقي ،والتصدي بحزم للفساد ، وتلبية حاجات الناس الآنية ، ومعالجة ما تراكم من مشاكل وما علق من ملفات، وتأمين الحياة الحرة الكريمة والآمنة للشعب.
ان اوضاع البلد لا تحتمل اجراءات ترقيعية وتسويفية واغداق للوعود المجردة ، فما يحصل اليوم قابل لان يتجدد اذا استمرت اسبابه الموضوعية ، والاساس في ذلك هو معاناة الناس التي تتفاقم يوما بعد اخر وتبحث عن حلول ملموسة عاجلة.
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
16 تموز 2018