في عشية الانطلاق الرسمي للحملة الدعائية لانتخابات مجلس النواب، التقت " طريق الشعب " الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، وأحد قادة تحالف "سائرون " ومتصدري مرشحيه في بغداد .
وفي الحوار الذي اجرته معه تحدث الرفيق فهمي عن الظروف المحيطة بالانتخابات الوشيكة وعن اهميتها وخصوصيتها ، وطبيعة الكتل المتنافسة ، وما يميز تحالف "سائرون" وبرنامجه وآليات عمله ، ودور المواطن - الناخب في عملية التغيير والاصلاح المنشودة، عبر حسن الاختيار والتصويت للنزيهين والكفوئين، الذين يقرنون اقوالهم بالافعال. وشدد سكرتير اللجنة المركزية على اهمية نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وعلى دور المفوضية العليا للانتخابات في تحقيق ذلك .
في ادناه نص الحوار:

تحديات الانتخابات

طريق الشعب : انطلقت يوم السبت 14 نيسان رسميا الحملة الدعائية لانتخابات مجلس النواب 2018. فما الذي يميز هذه الانتخابات عن سابقاتها ؟
رائد فهمي : هذه الانتخابات تأتي بعد تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة على داعش الارهابي وتوجيه ضربات قوية الى امكاناته وقدراته ومنظومته العسكرية، فقد خلالها الارض التي سيطر عليها في 10 حزيران 2014 وبعده، ليتم تحريرها من قبضته. وهذا انجاز كبير دون ريب لكنه لم يدحر الارهاب تماما بعد. الارهاب انحسر، انما لم يتم زواله، لان ذلك يحتاج الى مقاربات مركبة: سياسية وعسكرية وفكرية واقتصادية وثقافية واعلامية .
وتجيء الانتخابات ايضا بعد وقت غير قصير من انطلاق الحركة الاحتجاجية بنسختها الثانية في تموز 2015، وتواصلها ورفعها مطالب أساسية للمواطنين، تخص الخدمات ومكافحة الفساد واعتماد سياسات حازمة ضده، والقيام باصلاحات جذرية ذات بعد سياسي، وحمل الدولة على النهوض بدورها المطلوب.
وفي الوقت الذي تجري فيه الانتخابات يواجه بلدنا تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، جراء انخفاض اسعار النفط، التي ارتفعت الآن بعض الشيء ولكنها لم تستعد بعد مستوياتها السابقة، وجراء فشل السياسات الاقتصادية السابقة، والفشل في اقامة المشاريع، وعجز الدولة عن القيام بمهامها في تأمين الخدمات. كما لعب الفساد المستشري دوره، اضافة الى سوء الادارة .
والى جانب هذه التحديات هناك مهمة ترسيخ النجاحات الامنية المتحققة، واستكمال عملية استئصال داعش والارهاب. وان كل ما ذكر اعلاه يقود الى استنتاج رئيسي توصل اليه المواطنون والحركة الاحتجاجية وكل الحريصين على انقاذ البلد مما هو فيه الان ، مفاده ان البلد لا يمكن ان يستمر على ذات السياسات والنهج وطريقة ادارة الدولة ولا بنائها القائم. لذا فان الاصلاح في ضوء التجربة السابقة اصبح ضرورة. والاصلاح المطلوب يتعلق باعادة بناء الدولة بهدف تفعيل دورها واستعادة هيبتها، وتخليصها من الفساد والتشظي الناجمين عن نهج المحاصصة، ولوضع رؤى واضحة بشأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي اولوياتها ، وحث الخطى لتعزيز النسيج الوطني العراقي الذي عانى كثيرا في السنوات الماضية جراء السياسات الطائفية المؤسفة والتناحرات والمناكفات والتدافع على السلطة والامتيازات .
ستجري الانتخابات على اساس محصلة التجربة السابقة، التي تؤشر ضرورة الاصلاح وكونه لن يتحقق الا عبر التغيير. ونعني التغيير في النهج ، كما في الشخوص. فكل نهج جديد له من يؤمن به ويتحمس لتنفيذه. نعم، مطلوب تغيير نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، وهو الاساس في ما ظهر من ازمات وفي تناسل هذه الازمات وادخال البلد في لجّة الصراعات بتداعياتها على حياة المواطن اليومية امنيا واقتصاديا واجتماعيا. فالتغيير معناه مغادرة سياسة دولة المكونات ووليدها نهج المحاصصة في ادارة الدولة، والذي فشل بامتياز. لذا ستكون هذه الانتخابات بالضرورة نقطة فارقة في الحياة السياسية للبلاد .

التغيير الحقيقي هو المطلوب

نعم، الانتخابات الحالية مرتبطة بالتغيير والاصلاح ومحاربة الفساد والارتقاء بمستوى حياة المواطنين وتأمين الخدمات لهم، كذلك تحقيق العدالة الاجتماعية والتصدي لكل مظاهر تبديد وسوء استخدام المال العام. وان تطورات السنوات الماضية وحالة الفشل العام والارتفاع الملحوظ في مستوى وعي المواطن قياسا الى الدورات الانتخابية السابقة، الى جانب التطور الحاصل في الحركة الاحتجاجية وتواصلها، كل هذا وغيره ترك بصماته وتداعاياته على المشهد السياسي وعلى القوى والكتل التي تخوض الانتخابات. فالملاحظ اليوم هو التفكك في الكتل القائمة المشكلة على اسس طائفية وإثنية وحصول انقسامات فيها، ويعود بعض اسباب ذلك الى الفشل الواضح لهذه الكتل، والى محاولة قسم منها التكيف مع الرفض الشعبي الذي يعبر عنه المواطنون والحركات الاحتجاجية، والسعى الى النأي بنفسه عن هذا الفشل. لكن هذه المحاولات تصطدم بوعي شعبي متزايد، ونزعة عارمة الى التغيير الحقيقي وليس الى تبديل الخطاب وترديد الكلمات التي باتت معروفة. فالناس عندما تتحدث عن تغيير حقيقي تريده ان يمتد الى الشخوص والكتل ايضا. ويريدون وجوها جديدة غير مرتبطة بالفساد وسوء الادارة وحالة الفشل السابقة، وان تكون صادقة مع النفس في إقران القول بالفعل، وذات مواصفات يعتمد عليها في بناء جسور الثقة مع المواطنين وتعزيزها .

اصطفافات جديدة

هذه تحديات كبيرة نلحظها في ما يدور الآن من سجالات، وفي اعادة تشكل واصطفاف الكتل. وفي مقابل هذا بدأت تتشكل كتل اخرى مرتبطة بالتحديات التي تواجه الوطن، كتل لها بعدها الوطني وتنطلق من المصلحة العامة، ومن الادراك العميق لحقيقة ان المشاكل التي تواجه البلد لا يمكن حلها من قبل تيار سياسي او اجتماعي واحد. وهذه الخلاصات النابعة من التجربة والتحديات وواقع البلد، ادت الى ظهور كيانات عابرة للطوائف، ذات تنوع فكري وسياسي واجتماعي وقومي وديني، ونهج تغييري اصلاحي ووطني عام، يهدف الى تعزيز مكانة العراق ودوره. وهذا ما حصل في التقاء السيد مقتدى الصدر وحزب الاستقامة الوطني مع الحزب الشيوعي العراقي وعدد من الاحزاب الاخرى المدنية والوطنية والقومية، في تحالف"سائرون". حيث اجتمعت على ارضية وطنية مدنية وثيقة الصلة بالعدالة الاجتماعية وبمساواة العراقيين من دون تمييز، وبالعمل المشترك لاقامة دولة المواطنة ، دولة المؤسسات والقانون. وهذا اهم معلم من معالم انتخابات 2018، وهو ايضا ما يميزها عن الانتخابات السابقة .

المنطلق هو تغيير البنية السياسية

طريق الشعب : وفقا لما اشرتم اليه يظهر انكم في تحالف " سائرون " وفي الحزب الشيوعي العراقي تعولون كثيرا على صندوق الانتخاب في عملية التغيير والاصلاح. فهل هذه امكانية واقعية ؟
رائد فهمي :
للتغييرالمطلوب مفاصل عدة ، وما نتطلع اليه كمدخل ومنطلق هو تغيير في البنية السياسية ، في النظام السياسي القائم. وكما هو معروف نحن في بلد فيه دستور، وتداول السلطة فيه مكفول دستوريا، وليس مطروحا اليوم ان يتم التغيير بغير الآليات الدستورية السلمية والديمقراطية . لذا ووفقا للدستور فان المدخل الى التغيير هو صندوق الانتخاب ومن خلاله تغيير تركيبة مجلس النواب، وبالتالي تغيير تشكيل الحكومة القادمة .
من جانب آخر ندرك ان التغيير السياسي المطلوب سوف يصطدم بعراقيل وتحديات كبيرة. خاصة وان الفساد قد استشرى، وهناك قوى تعرقل عملية الاصلاح. ولدينا تصور ان هذه العملية لن تنجز بعد الانتخابات مباشرة وحالا، وان المباشرة بها تتطلب وجود كتلة اصلاحية، وهذا شرط اساس وضروري لوضع عملية الاصلاح على السكة وفي الاتجاه السليم. كذلك مطلوب هنا البعد الجماهيري الداعم، والرقابة الشعبية، والتفاعل الايجابي والدعم من جانب كل القوى التي تريد التغيير والاصلاح لهذه الرغبات الشعبية.
ووفقا لهذا التصور والفهم لا بد ان تكون هناك مشاركة حقيقية عريضة في الانتخابات. نقول هذا لان بعض القوى المتنفذة، وهي تسمع وترى المطالبات الواسعة بالتغيير، واحتمال ان تكون هناك استحقاقات انتخابية تمس مواقعها، تراهن على إشعار المواطن بالتعب والاحباط والجزع، وعلى تفكيك وتسقيط القوى المعارضة الحقيقية الداعية الى الاصلاح. لذا فان مشاركة المواطن في الانتخابات عنصر اساسي، المشاركة القائمة على ارادة حقيقية في استخدام حقه الديمقراطي والدستوري، وفي توظيف صوته على نحو ايجابي وفاعل يسهم في اطلاق عملية التغيير في تركيبة البرلمان اولا، ولاحقا في تركيبة الحكومة وبناء الدولة .

التاثيرات الخارجية

ومن المهم الاشارة هنا الى بعض ما يتم تداوله من اشاعات حول "دول معينة كبرى" لها مشاريعها الخاصة في شأن رسم مستقبل العراق، وانها قد تتدخل حتى في طريقة ومضامين التغيير. فطبيعي ان لا انكار لتاثير العوامل الخارجية في المشهد السياسي العراقي، وان قسما من هذه التأثيرات والتدخلات تضخم ارتباطا بطريقة تغيير النظام الدكتاتوري في نيسان 2003 على ايدٍ خارجية . تضاف الى ذلك الانقسامات في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، التي عرقلت تكوين موقف وطني واحد، ووجود قوى عراقية استمرأت التعويل على الخارج للاستقواء به. فالتدخلات الخارجية لا تأتي برغبة من قوى دولية او اقليمية فقط، ولا تأخذ شكلا تآمريا خارجيا مفضوحا، بل ان لها امتدادات في الداخل .
وهنا، عندما نتحدث عن ضرورة هذا المشروع الوطني الجامع، ووجوب وضع المصالح الوطنية الكبرى في المقدمة، وجعلها الاساس لتحقيق اصطفاف عابر للطائفية وللهويات الفرعية يضم قوى وطنية سياسية متنوعة، ويقوم على اساس من الهم الوطني وتعزيز النسيج الوطني العراقي ، هنا يكون هذا كله شرطا ووسيلة اساسية لسد الثغرات، ولقطع الطريق على تمرير اية تدخلات خارجية تلحق الضرر بمصالح بلدنا .
نعم، هناك تدخلات ومشاريع ضارة من طرف هذه الدولة او تلك القوى اقليمية، لكن المشروع القائم على الارادة الوطنية ، والذي يضع مصلحة الوطن في المقدمة، ويتشكل من اطياف متنوعة، ويتمتع بمساندة قوى متنوعة ايضا، ستكون له الكلمة العليا في قطع الطريق امام مثل تلك التدخلات .
ان من الخطأ التصور ان العملية الانتخابية محسومة سلفا، وان صناديق الاقتراع مرتبطة بخطط واجندات خارجية واقليمية وبامتداداتها الداخلية. فصوت الناخب هو في المطاف الاخير الصوت المقرر في هذه العملية ، وان اية محاولة لاشاعة اليأس والاستسلام انما تصب في مصلحة القوى التي تريد ادامة حكمها واعادة انتاج نفسها، رغم كونها المسؤولة عما حل بالبلد، وعن حالة الفشل وسوء الادارة وتبديد المال العام .

تحالف " سائرون " المظهر الابرز في الحياة السياسية العراقية

طريق الشعب : اذن ما الذي يميز تحالف "سائرون " عن غيره من الكيانات والتحالفات؟
رائد فهمي :
ثمة اتفاق واسع داخليا وخارجيا، وبين المراقبين والمعنيين في الشأن العراقي وشؤون الانتخابات وما يمكن ان تؤول اليه، على ان تحالف "سائرون "يمثل المظهر الجديد والابرز في الساحة السياسية العراقية. فما الذي يميزه؟ ولماذا تثار اسئلة واستفسارات وقضايا قد تسبب قلقا لدى اوساط معينة من جانب، في حين تحفز املا عند قطاعات اخرى اوسع من المواطنين؟
ان السمة الابرز هي التقاء قوى متنوعة في اطار سائرون؛ قسم منها ذو طابع مدني، ديمقراطي، وقومي، ووطني متنوع، والآخر قوى وطنية ذات توجهات اسلامية، وهي تيارات جماهيرية واسعة . البعض يعتقد ويروج الى كونها متقاطعة، وان بينها خلافات عقائدية وايديولوجية، حتى ليصعب تلاقيها بسبب ما بينها من حالة صدام! كما يروج للادعاء ان خط الصراع السياسي انما يمتد بين المدنيين والاسلاميين. وفي هذه اللحظة بالذات يأتي تحالف “سائرون” ليعبر ذلك كله ويدحض هذا الادعاء ويقدم صورة مختلفة. وهذه النقطة، هذه الاضافة الجديدة، تحمل افقا واعدا يمكن ان يتجاوز في ابعاده حتى محطة الانتخابات. فمضامين هذا التحالف اكبر من مجرد تجميع قوى في لحظة الانتخابية، وهي تقدم رؤية مختلفة لمستقبل العراق، تقوم على اساس ان مصالح البلد العليا في هذه الفترة الحرجة، وامام التحديات التي تواجهه، تجعله يستجمع قواه على ارضية وطنية. خلال الفترات الماضية لم تكن هذه الارضية للاسف هي الاساس للتحالفات السياسية الواسعة، حيث انها نحيت وابعدت لحساب اسس وهويات فرعية ومصالح اضيق من مصالح البلد. وقد كرس ذلك التوجه الانقسامات، ولم يسعف ابناء الاطياف المختلفة، الذين كانوا يتطلعون الى معالجة مشاكلهم من خلال الكيانات السياسية التي تدعي تمثيلهم، فاذا بها تتعمق بدلا من ان تذلل وتعالج. بل ودخلت في صدام داخل كل كيان حول ادارة اوضاعه وحل مشاكله. فكان الاستنتاج الذي خلص اليه الجميع يقضي بضرورة الانتقال الى الفضاء الوطني. وهذا الاصطفاف في الفضاء الوطني هو الشكل الملموس الذي يقدمه تحالف "سائرون".
"

سائرون " تحالف عابر للطوائف

ان اي مراقب موضوعي لا بد ان يلاحظ ان "سائرون" هو الاكثر تجسيدا لفكرة التحالف العابر للطوائف، لا بل والمناهض بحكم تركيبته للطائفية السياسية. وان هذه التجربة بهذه المواصفات وبهذا التجسيد السياسي الملموس، وقدرة التحالف على تجاوز الكثير من المصاعب والتساؤلات والشكوك التي اطلقت في شأنه، خصوصا الحديث حول "عجزه" عن تجاوز الخلافات الايديولوجية، نقول ان هذه التجربة انما قدمت ردا مفحما بهذا الخصوص. وان "سائرون" حتى هذه اللحظة هو التحالف اكثر تماسكا بين التحالفات القائمة، وقد استطاع من خلال البرنامج الذي اعتمده والآليات التي تنظم حياته الداخلية، ان يحقق الانسجام في مواقف اطرافه. انه يحترم الخصوصية الفكرية والتنظيمية والسياسية لكل طرف، ولكنه في الوقت نفسه يجسد المشتركات التي يعمل من اجلها كل الاطراف بخطاب وعمل مشترك سياسي وانتخابي. وحتى لاحقا يمكن ان يتجسد ذلك في عمل حكومي وتنفيذي، في حال سمحت الامور ونتائج الانتخابات بذلك .

التنوع الفكري لا يمنع العمل المشترك

ان "سائرون" بتركيبتها المتنوعة تخوض المعركة الانتخابية موحدة، وتقدم رؤية متماسكة ونموذجا واعدا ودليلا عمليا على ان التنوع في المنطلقات الفكرية لا يمنع اطلاقا العمل المشترك، اذا ما توفرت الرغبة الصادقة لدى جميع الاطراف ووضعت مصلحة الوطن وجماهيره، خاصة الشعبية، في المقدمة، واذا توفرت الرغبة الاكيدة في التغيير والاصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تحالف "سائرون" يحمل وعودا حقيقية ليس فقط على الصعيد الانتخابي القريب، بل ويقدم تصورا وامكانية لاعادة بناء النسيج الوطني وتوحيده، وتحديد طبيعة الصراع الذي يخوضه بلدنا، وهو صراع شعبنا بمختلف اطيافه مع التخلف، ومن اجل التنمية وتعزيز السيادة الوطنية واعادة هيبة الدولة، وان تكون هذه الدولة قادرة على اداء وظائفها لخدمة المجتمع، وان تكون ممثلة لكل ابناء الشعب العراقي، بمعنى الدولة مدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، دولة الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا، والقادرة على ان تؤمن لجميع اطياف شعبنا القومية والدينية، ممارسة طقوسهم والتمتع بخصوصياتهم بضمانة الدولة وبحمايتها.
ان "سائرون" رؤية وصيغة متقدمة، اذا ما عممت مضامينها وسادت على الصعيد السياسي والاجتماعي، وهي كفيلة بوضع العراق على طريق الاستقرار والبناء والنمو والتقدم ، وتعزيز مكانة العراق اقليما ودوليا. فتحالف "سائرون" ليس فقط تجمعا لقوى جماهيرية ذات برنامج انتخابي اصلاحي، بل ان هناك املا في ان يستمر وتتوسع قاعدته ليكون رافعة كبيرة لتخليص البلاد من دوامة ازمات المحاصصة ودولة المكونات، واعتماد نهج الاصلاح الحقيقي الجذري والعبور به الى الدولة المدنية على اسس العدالة الاجتماعية .
"

سائرون" مشروع بديل عن المحاصصة

طريق الشعب : هل نفهم مما تحدثتم به ان "سائرون" بديل للوضع الراهن القائم؟
رائد فهمي :
نعم، "سائرون" يحمل مشروعا بديلا عن مشروع ونهج دولة المحاصصة الطائفية، وهو يدعو الى اقامة دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على احترام الدستور والحريات وعلى التنوع في المجتمع، والبناء الاتحادي للدولة .
تحالف "سائرون" يتميز ايضا عن القوائم الاخرى في تركيبة مرشحيه، حيث ان 99في المائة منهم مرشحون جدد ولم يتولوا سابقا اية مسؤولية في الدولة، واطرافه قوى تتميز بالصدقية والجدية وقد شاركت في حركة الاحتجاج وعبّرت عن دعمها واسنادها لمطالب الناس، فهي لا تطلق الوعود جزافا، وان تحالفها انما يقدم المشروع والاشخاص الذي يتصفون بالنزاهة والصدقية والاخلاص. نعم، تحالف "سائرون" يمتلك الكثير من ملامح البديل، وهذا يشكل منعطفا في الوجهة التي سادت في الحياة السياسية .

نريد للمشتركات ان تتسع

طريق الشعب : "سائرون" عنده برنامجه وآليات عمله. ما ابرز ملامحهما ؟
رائد فهمي : جرى تنظيم العمل والحياة الداخلية لتحالف "سائرون"، عبر تثبيت المشتركات التي تعكس رغبة اطرافه كافة في ان الا يكون تحالفا انتخابيا وحسب ، بل وتحالفا سياسيا ويحمل ايضا بعدا ستراتيجيا. آليات عمله الداخلية تؤشر المسؤولية المشتركة والمتساوية في صياغة سياسات التحالف وصناعة القرار وتنفيذ التوجهات، بمعنى ان قيادة التحالف هي القيادة المشتركة. وتبين الآليات على نحو جلي ان كل طرف يحتفظ بخصوصيته الفكرية والسياسية والتنظيمية، وهناك مشتركات قابلة للتطور. وتسمح آليات عمل التحالف لهذه المشتركات بان تتسع. وهناك رغبة لدى اطراف التحالف في تعزيز الثقة في ما بينها، وفي توسيع مساحات العمل ومده الى البعد الجماهيري، فالتحالف ليس تحالفا فوقيا، بل له بعد وامتداد جماهيري. وما يوحد التحالف ليس فقط نظامه الداخلي، بل كذلك الاهداف التي يتضمنها البرنامج، وهو يدعو بوضوح الى التغيير والاصلاح وتأمين مصالح الشعب بشكل عام، مع التركيز على الفئات والشرائح الشعبية الاكثر معاناة وتهميشا، وتضررا من الازمات التي يعانيها بلدنا .
ويوازن برنامج التحالف بين التحديد الدقيق للاولويات وبين التكثيف، وهو ينقسم الى عدة اجزاء ومنها ما له صلة باعادة بناء الدولة وهذا شرط اساس لانطلاق عملية الاصلاح. والاصلاح المطلوب في الدولة له بعد تشريعي ، يتحقق عبر تفعيل القوانين او تشريع اخرى جديدة لتعزيز دولة المواطنة. والامر الاخر المهم يتعلق بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو ما لم يتحقق سابقا، ويعني الغاء اي شكل من اشكال التمييز، وتطوير معايير الوظيفة العامة، وتفعيل القوانين ذات العلاقة ومنها قانون الخدمة العامة. وبما ان الفساد غدا مشكلة كبيرة فقد تضمن البرنامج معالجات واضحة، لا تتعلق بالشخوص فقط بل ايضا بالتعامل مع الفساد كمنظومة. وهنا يتوجب تفعيل الاجهزة المعنية: البرلمان والهيئات الرقابية الاخرى. وان اطراف التحالف تدرك اهمية اعتماد الشفافية ومحاسبة الفاسدين وكشف كافة ملفات الفساد وخاصة الكبرى منها، من اجل اعطاء رسالة واضحة للمجتمع ولكافة مفاصل الدولة، تعكس وجود ارادة سياسية حقيقية وحازمة، وهو ما كان غائبا على مدى الفترة الماضية. فالفساد يحتاج الى منظومة متكاملة للتعامل معه، احد جوانبها العقاب. واصلاح الدولة يتطلب اصلاحات تشريعية وادارية وتقليص البيروقراطية. وهذه الاجراءات والاصلاحات لا بد ان تنعكس على حياة المواطن في نهاية المطاف، ولا بد من ان تتولد عنده قناعه بان وضعه يتحسن، وهو الذي يعانى كثيرا في واقعه المعيشي ومن سوء الخدمات وتخلفها وتردي الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية والخدمات البلدية. كما يعاني من البطالة التي تبلغ مستويات عالية ولا سيما بين الشباب، وبين خريجي الجامعات بالذات الذين يفترض ان يساهموا في بناء الوطن. وهذه المشاكل هي موضع الاهتمام في البرنامج في بنوده ذات العلاقة بالمشروع الاقتصادي والاجتماعي .

المواطن هدفنا في نهاية المطاف

وهذا البرنامج يتعامل مع كل المشاكل ومع تطوير اقتصاد البلد وتشجيع القطاعات المنتجة: الزراعة والصناعة والخدمات الانتاجية واعادة تشغيل المصانع والمعامل. ففي القطاع الخاص 80 في المائة منها متوقف، وفي الدولة كذلك نسبة عالية منها لا تعمل أو تعمل بمستوى اقل من طاقاتها التصميمية. وهذا يقتضي رؤية سياسية واقتصادية وتشريعات وتوفير الاطر المناسبة لاجل تفعيل هذه القطاعات، بمعنى ان ننتقل بالاقتصاد العراقي من بنيته الريعية المعتمدة على ايرادات النفط الخام المصدر، الى اقتصاد متنوع يعتمد على القطاعات المنتجة. وهذه الاجراءات لابد ان تقترن بالعدالة وبما له صلة بتوفير العيش الكريم للمواطن. علما ان العدالة الاجتماعية لا تعني توفير العيش الكريم وحسب ، بل هي وسيلة لتحقيق تماسك المجتمع، ولبناء النسيج الوطني والوحدة الوطنية، ومعالجة بؤر التوتر والنزواعات. والعدالة الاجتماعية لها فصل مستقل في البرنامج، وهناك اشارات الى الضمانات الصحية والتأمين ضد البطالة و في حالات العجز والشيخوخة ، اضافة الى دعم الشرائح المهمشة في المجتمع مثل الايتام والارامل وذوي الاعاقة. ولتحقيق العدالة الاجتماعية هناك حاجة لاصدار تشريعات وتنفيذها. والعدالة الاجتماعية تتطلب تطوير البنى الاجتماعية ، ومعالجة قصور الدولة في تقديم الخدمات العامة كالصحة والتعليم والسكن والنقل والخدمات البلدية .

حصر السلاح بيد الدولة

وفي البرناج اشارة الى القوات المسلحة واعادة بنائها على وفق حاجة البلد وحمايته ، وان تكون القوات ذات ولاء وطني وبعيدة عن التحزب الضيق، وان يحصر السلاح بيد الدولة ، وان لا تكون هناك تشكيلات خاصة خارج إطارالدولة .
وفي البرناج تأكيد على احترام التنوع القومي، وفيه دعوة الى حل المشاكل بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان وحل ما علق من قضايا وملفات، على اساس الدستور ولمصلحة الجميع وبما يعزز الوحدة الوطنية .
ان في برنامج "سائرون" ملموسية واهدافا كبيرة، وهو يسعى الى تحقيق التغيير والاصلاح وبناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية .

الثقة بالمفوضية تعتمد على اجراءاتها

طريق الشعب : ما مدى اطمئنان "سائرون" الى اجراءات المفوضية العليا لجهة سلامة ونزاهة الانتخابات ؟
رائد فهمي :
الانتخابات تعتمد على مشاركة المواطن، وعلى ضمان ذهاب صوته فعلا الى من ينتخبه . وهذا يرتبط بالمنظومة الانتخابية المعتمدة ومدى قدرتها على تأمين ذلك. وتحالف "سائرون" توقف عند هذا الموضوع، ولاحظ ان المفوضية اقيمت على اساس المحاصصة، ولم تجر الاستجابة الى المطالبات الكثيرة لبنائها على اسس الكفاءة والنزاهة والمهنية وبعيدا عن التحزب الضيق. وكلنا نتذكر ما حصل في الانتخابات السابقة، وما رافقها من ممارسات وما حصل فيها من ثغرات جدية، والتي هي احد العوامل المشجعة اليوم لعزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات .
وقد اثار تحالف "سائرون" في مؤتمر صحفي العديد من التساؤلات بشان الجوانب الفنية لعملية التصويت، وقضايا العد والفرز واعلان النتائج وما يخص بطاقة الناخب وغيرها، ووضعها امام المفوضية بأمل المعالجة. كما جرى التنبيه الى ان هذه القضايا يتوجب ان تعالج بصورة ناجعة لضمان نزاهة وصدقية الانتخابات .
المفوضية مطالبة باجراءات حاسمة ورادعة

وقد تابعنا اجراءات المفوضية ذات العلاقة، وبضمنها شراء اجهزة بمبالغ كبيرة لتقليص حالات التلاعب والتزوير والتأخر في اعلان النتائج. ومما يؤسف له ان نفاجأ هذه الايام بسماع اصوات تشكك بامكانية استخدام هذه الاجهزة والانظمة الجديدة في كل المواقع الانتخابية، وان هناك احتمال العودة الى العد والفرز اليدويين. وان من رأي "سائرون" ان اي توجه من هذا النوع انما يشكل تاكيدا للشكوك ولما يقال عن ضغوطات تتعرض لها المفوضية، لاسيما ونحن نشهد خروقات قبل بدء الحملة الدعائية رسميا، بما في ذلك شراء بطاقات الناخبين. والمطلوب الان من المفوضية هو تنفيذ تعليماتها والقوانين والانظمة ذات العلاقة بشان التجاوزات. فهي اصدرت تحذيرات وتنبيهات، لكنها لم تصدر اجراءات حازمة ورادعة.
ان مدى الثقة بالمفوضية يعتمد على مدى جديتها في تطبيق ما يصدر عنها، بما يؤدي الى تقليص حالات التزوير. ويجري الان سعي محموم من قوى متنفذة، فهناك بذخ صارخ في المال السياسي، وهناك انتهاكات واستخدام لاموال الدولة في تقديم الخدمات لاغراض الكسب الانتخابي، كذلك محاولات استغلال اوضاع المناطق المحررة حديثا من قبضة داعش الارهابي للتمادي في الخروقات .
نحن نطالب بان يكون حضور الامم المتحدة فاعلا وقويا، وان تعمل المفوضية بمزيد من الشفافية وان لا تخضع للضغوط السياسية. وهناك امكانية لان يكون عملها افضل، مع التطلع الى مساعدة الامم المتحدة لها في اداء عملها بما لا يخل بالسيادة العراقية. واخيرا تم توقيع ميثاق الشرف من قبل الكيانات السياسية برعاية الامم المتحدة، والامل في ان تلتزم القوى الموقعة به نصا وروحا، وان تفعّل آليات مناسبة لمراقبة وضمان تطبيقه .
ونشير ايضا الى الدور الكبير في الانتخابات للوكلاء السياسيين والمراقبين، وللرقابة الجماهيرية والشعبية في مراكز الاقتراع. ونخلص من هذا الى وجود امكانية انجاز الانتخابات بشكل مرض، لكن هذا يعتمد على اداء المفوضية، ومدى التزام كافة اطراف العملية الانتخابية بالقوانين والانظمة والتعليمات .
طريق الشعب : وكيف تعاملت المفوضية مع القضايا التي اثارها تحالف سائرون؟
رائد فهمي :
قسم من الاسئلة جرى التعامل معها ايجابا وهي متعلقة بالجوانب الفنية والتقنية. وقد اتخذت خطوات في قضايا التصويت والعد والفرز في محطات الاقتراع ونقل المعلومات. وسيكون هناك قمر اصطناعي لنقل المعلومات. والان فسحت المفوضية المجال للزيارات وللتعرف على عمل الاجهزة الجديدة. عموما هناك تفاعل ، ولكن هناك خروقات حصلت كما تقول المفوضية نفسها، فلابد ان تتعامل معها، ومنها مثلا البطاقات التي جرى شراؤها، فكيف سيتم التعامل معها والمطلوب ان تشطب؟

لن نساهم في مشروع يعيد المحاصصة

طريق الشعب : هل هناك تصورات وقراءة للمشهد السياسي بعد الانتخابات ؟
رائد فهمي :
هناك من يحاول الايحاء بأن نتيجة الانتخابات محسومة سلفا، فيما هي تعتمد على الناخب ومشاركته وقراره وصوته. ويوجد تقدير بان النتائج لن تسفر عن تكوين كتلة برلمانية كبيرة مهيمنة، بل ان هناك احتمال نشوء كتل متقاربة في حجومها، يترتب عليها ان تلتقي لتشكيل الحكومة ولانجاز غيره من الاستحقاقات بعد الانتخابات. والسؤال هنا هو: على اي اسس سيتم هذا اللقاء والائتلاف لتشكيل الاغلبية، وبالتالي تشكيل الحكومة الجديدة ؟ هل يتم على اسس النسق السابق، اي وفق الهوية المذهبية والقومية؟ اذا حصل على هذا النحو فسيكون اعادة لنظام المحاصصة، الذي يقول الجميع الآن برفضه، على الاقل نظريا. اما اذا حصل على اساس البرامج، ورُبط باجراءات للتغيير وعلى اساس برنامج اصلاحي مشترك، مع اختيار شخصيات تمتلك هذه الرؤية الاصلاحية وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاخلاص للمشروع الاصلاحي المشترك ، فسيتوافق هذا وينسجم مع ما يعلنه "سائرون" .
ان تحالف " سائرون" لا يمكن ان ينخرط في مشروع يعيد انتاج المحاصصة، وسيكون موضوعيا في مواقع المعارضة، المعارضة بناءة والايجابية، ويقوم بدور الرقيب على نهج الحكومة وادائها بما يتوافق مع مشروعه .

امكانية واقعية لمشروع اصلاحي

هل توجد امكانية لمشروع اصلاحي يحقق اغلبية سياسية ؟ نقول نعم، وهذا سيعتمد كثيرا ايضا على القوى الداعية الى الاصلاح، وما ستفرزه النتائج وعدد المقاعد البرلمانية التي سيحصل عليها التحالف. و"سائرون" يتطلع الى ان يلعب دورا مؤثرا في تشكيل الحكومة القادمة على اساس مشروع اصلاحي ونحو دولة مواطنة حقيقية بعيدا عن المحاصصة. وليس من الصحيح الاعتقاد بان الاوضاع ستعيد نفسها، فالناس تتطلع الى التغيير في البرامج والنهج والشخوص. وتحالف "سائرون" له القدرة والامكانية على تحقيق هذا المشروع .

التغيير المطلوب يمر عبر صوت الناخب

طريق الشعب : هل من كلمة اخيرة تريدون ايصالها الى المواطن- الناخب؟
رائد فهمي :
هذه الانتخابات ستكون مفصلية، وهناك تحديات جمة، لكن التغيير المطلوب يمر عبر صوت الناخب. وهذه فرصة يفترض عدم التفريط بها. الناخب مدعو الى التدقيق كثيرا قبل ان يتخذ القرار لمن يصوت. فالقوائم الانتخابية فيها خيارات عديدة، وهناك مشاريع جادة وشخصيات مؤهلة لان تتولى المسؤولية، لذا نرى ان على الناخب ان يسعى الى الحصول على المعلومات الموثقة كي يحسن الاختيار. وعليه خاصة ان يرفض المغريات التي تقدم له سلفا، فمن يقدم هذه المغريات هو من فشل مقدما في امتحان النزاهة، وهو غير جدير بالثقة .
لقد قدمت الفترة الماضية ما يكفي من الادلة والبراهين على هوية من استطاعوا ويستطيعون ان يقرنوا القول بالفعل. وان من الضروري الحذر كل الحذر ممن يريد ان ينزع ثوبه هربا من استحقاقات تلاحقه، جراء الفشل والتلاعب بالمال العام. وعلى المواطن ايضا ان يكون واعيا لدعوات المقاطعة، وما تعنيه فعلا من إبقاء لمنظومات الفساد والفشل في مواقعها .
اخيرا .. نتطلع مع كل المخلصين الى انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية، تكون خطوة على طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية وآليات تداول السلطة دستوريا .