حميد المسعودي
ضيف المنتدى الثقافي في الكرادة يوم السبت الفائت الرفيق حميد مجيد موسى الذي تحدث عن التحالفات السياسية وقد رحب مدير الندوة بالرفيق ( موسى ) و بالحضور الذي اكتظت به حديقة المقر .
بدأ الرفيق أبو داود حديثه بمقدمة عن التجربة الغنية للحزب الشيوعي العراقي في مجال التحالفات السياسية ثم عرّج على تحالف "سائرون" ، حيث تحدث عن التحالفات القديمة التي عرفها المجتمع الإنساني عبر التأريخ و تنوعاتها الاجتماعية والسياسية. فهي منذ البداية كانت تعبيرا عن حاجة موضوعية وضرورة نضالية واستجابة لمتطلبات صراع تأخذ شكل اتفاقات للتنسيق والتعاون في سبيل العمل المشترك لإنجاز هدف معين .
فالشعوب والأحزاب والدول تضطر أحيانا الى التحالف كونه ضرورة يجري اللجوء اليها عند مواجهة مهمات كبيرة لا تقوى جهة واحدة على إنجازها . وتؤكد التحالفات الكثيرة عبر التأريخ ضرورة وجود الشريك الذي يمتلك ذات الأهداف والمصلحة الحقيقية في التحالف ، وهذا نابع من حاجة وضرورة للدول والشعوب، تتحدد أشكالها حسب الواقع و مما يؤكد هذه الحاجة هو عدم توفر الإمكانيات والقدرات لدى طرف معين على تغيير الوضع لوحده الى جانب الحاجة لتقليل كلفة تحقيق الهدف.
و أشار الرفيق الى وجود تحالفات مؤقتة وأخرى بعيدة المدى (استراتيجية ) ، والى إن الخلل في الغالب واساسا ليس في مبدأ التحالف، بل في إدارته ، كذلك في المكابرة و عدم عقده في الوقت المناسب.
وتقدم تجارب التأريخ لنا مئات الأشكال والتجارب للعمل على تحقيق الأهداف المشتركة .
في المعنى الضيق للتحالف (التحالف السياسي المعاصر) ولكوننا نعتمد المنهج الماركسي وتفسيره المادي الجدلي ، ونظرا الى كون المجتمعات تتشكل من شرائح و فئات وطبقات تقترب وتبتعد عن بعضها وفقا لمصالحها فإن فالطبقة العاملة حين تتحالف لتحقيق هدفها تبحث عن الأقرب لها. فالتحالف السياسي يقوم بين ممثلي أحزاب ممثلة لطبقات ومعبرة عن حاجاتها. و يمكن للتحالف أن يؤمّن مصالح مشتركة. فطبقة بذاتها ربما لا تستطيع أن تنجز مهماتها، ولأن التطور الاجتماعي يمر بمراحل دون القفز فوق قوانينها الموضوعية، التي تملي الضرورة و الحاجة الى التصاعد التدريجي دون حرق المراحل، ولأننا نمر بالمرحلة الوطنية الديموقراطية ونشترك مع القوى الممثلة للطبقات ذات المصلحة، والتي لدينا معها الأرضية المشتركة ، ولأن عند حزبنا تجربة غزيرة في التباحثات والنجاحات والانتكاسات أيضا ، فهو يسعى لإنجاز مهمات تساعده في تقليل الكلف وتقريب الإنجاز.
الدروس والخلاصات المعتمدة في ضوء تجربة الحزب :
-
في حال عقد التحالف الناجح لا بد من وضوح الأهداف لمعرفة كيفية التصرف والتقدم والتراجع . فالبرنامج الواضح مهم جدا لئلا تختلط المهمات .
والتحالف في مثل هذه الحالات يجب أن لا يكون فوقيا أو مجرد تحالف بين قيادات ولا يدخل في صلب الجماهير ، لأنه في هذه الحالة سوف يتبخر وينتكس لأنه لم ينشأ من القاعدة
-
متابعة التحالف وخطواته البرنامجية كونه عملية متكاملة وليس مجرد إجراءات أو إجراء واحد و لمرة واحدة . ولكي يتواصل التحالف وينجز لابد أن يكون في الموقع الأمين. و لمنع تعثره لابد من وضعه تحت نظر المتابعة التي تجنبنا الشطط والخطأ في الوقت المناسب.
-
من جانب آخر فإن التحالف إضافة للثبات في الرؤية يتطلب المرونة. و التحالف الذي نقصده تحالف مرحلة يمكن تسميتها بالمرحلة الوطنية الديموقراطية مع مفرداتها الملموسة، للتخلص من نهج المحاصصة والفساد وغيره ، لإعادة بناء المنظومة السياسية. وهي الحدود التي تشمل المرحلة بعموميتها ومن ضمنها الجزئيات . إذن لا بد من المرونة التكتيكية وتجنب الانزعاج السريع والتطير بدون ضرورات ، فالتحالف مع الآخر يفرض عليك الإقرار بأنه يختلف في أمور كثيرة عنك وهذا حق لكلا الطرفين في التحالف ، ويجب معرفة تسلكات الآخر وتوجهاته . التحالف يحتاج الى هذه المرونة التكتيكية لاستيعاب التباينات والاختلافات ولإيجاد حلول تديم بقاء الهدف الاستراتيجي، عبر الحوار المتواصل.
التحالفات إذن ليست ذوبانا أو اندماجا في الآخر ، بل بالعكس هي احتفاظ كل طرف بكيانه الخاص مع احترام المشتركات و احترام الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي دون ضياع البوصلة . وحين تخرق الاستقلالية لا يبقى التحالف تحالفاً.
نحن متساوون متكافئون في الحقوق والواجبات . الحزب العملي في سياسته ينظر الى توازن القوى ، ويحسب ، إمكانيات كل طرف دون التجاوز على حقوقه ، لأن ذلك ربما يؤدي الى انهيارات غير محسوبة.
نحن في بناء التحالف لدينا تجربة مع البعث ، لم نرض بتثبيت قيادة حزب البعث للجبهة الوطنية، ولكن في تلك الظروف ولكونهم القوة الحاكمة لمفاصل الدولة، تم الاتفاق على كونهم حزب يقود الدولة . ولكن الحزب لم يتنازل لهم في موضوع القيادة السياسية. وفي كل الاحوال لا يمكن ولا يجوز استنساخ التجارب، فلكل شيء ظروفه وموازينه.
والآن ونحن نتحالف في هذه الظروف، لا بد للتحالف بموجب قانون الانتخابات ان يختار رئيسا له يمثل ارادة الاحزاب المشتركة جميعها. هذا الرئيس يتصرف وفقا لبرنامج التحالف والصلاحيات الممنوحة له بموجب النظام الداخلي وقرارات القيادة الجماعية، فلا يوجد في عرف تحالف كهذا مفهوم تابع ومتبوع او رئيس ومرؤوس ..الخ..
في تحالف "سائرون" لا يوجد قائد وتابع إنما يوجد برنامج . ولأن بلدنا وشعبنا يعيشان كارثة ومعاناة حقيقية مع كل تعقيدات الوضع الذي يهدد مصيره ووحدة نسيجه الاجتماعي ، فإن البحث عن البدائل الضامنة لاستقراره وتنمية إمكانياته أمر مقبول ومطلوب
على الحزب أن يعمل من أجل ما يؤمّن البديل عبر التغيير والإصلاح والبناء، لتفكيك تحالفات النهج المقيت ( نهج المحاصصة ) وإفرازاته، ولبناء بلد يعتمد نهج المواطنة . ولما كانت هذه هي ملامح البديل فلا بد من جمع القوى المناهضة لنتحالف معها .
أمامنا شهران على موعد الذهاب الى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتنا، لأن الانتخابات هي تداول سلمي للسلطة . هناك من يدعو للمقاطعة وعدم المشاركة ، لكن كيف لا ننتخب ونقاطع الانتخابات مادام هذا يعني بقاء السيئ وإعطاء الفرصة للفاسدين . ومن يعتقد بإمكان إلغاء الانتخابات ونتائجها عن طريق المقاطعة فهو واهم، فللمقاطعة مردود سابي ، بل إن المُقاطع يساهم موضوعياً في بقاء الحال على ما هو عليه . إذا كنت تقاطع ، فكيف تغيّر؟ ما المانع أن تعتمد تحريض الجماهير وأنت في البرلمان ؟ هل المطلوب حرب أهلية لإسقاط الحكومة بالسلاح؟ وهل المطلوب التفكير بإسلوب الانقلاب العسكري؟ وإذا نجح مثل هذا الانقلاب فيجب أن يعي الجميع أن الشعب اليوم أغلبه مسلح، وإن اللجوء لهذا الأسلوب الفاشل سيجرنا الى دوامة الانقلابات . وهناك من يطرح ضرورة احتلال جديد للبلد متناسيا إن الوضع الذي نعيش فيه ونعاني هو من إفرازات ونتائج الاحتلال .
إذن الفكر العقلاني والنظرة المسؤولة يفرضان إتباع إسلوب الخيارات الديموقراطية لتعديل وإصلاح موازين القوى. في ضوء هذه الإستخلاصات العامة يتقدم البلد نحو انتخابات جديدة ، وهي ليست سهلة ولا سلسة . المتنفذون يسعون لتسخير كل شيء ، وكل ما يمتلكون من إمكانيات وقوة، وبطرق مشروعة وغير مشروعة ، لضمان إعادة إنتاجهم وعودتهم للسلطة .
المطلوب الآن هو التعبئة والعمل بالتفاؤل وبالمسؤولية لتغيير موازين القوى ، وأن لا نسمح للمتنفذين أن يتعاملوا مع مصالح البلد وفقا لرغباتهم . وفي إطار كل ذلك لا بد من البحث عن حليف أقرب إليك في التوجه والاحتياج والبرنامج ، ويجب أن تحتكم الى الحقائق والأعمال والتوجهات لتقرر مع من نتحالف وضد من نقف .
لا بد من التدقيق في القوى والأحزاب واختيار الأقرب وليس المطابق كما يظن البعض. الحزب الشيوعي العراقي كما هو مثبت في وثائقه يدعو الى الإصلاح والتغيير وهذا لن يتم الا بتغيير موازين القوى، وهذا أيضا لن يتم الا بالتحالف مع الأقرب دون استثناء القوى الإسلامية المعتدلة.
التغيير بالاستناد الى التركيبة الاجتماعية - الطبقية تفرض عليك البحث عن الأقرب ممن يتفق معك في الموقف من استقلال الوطن، ومن يشارك معك في الاحتجاجات في الساحات. ، فالتحالف يجب أن تكون له أرضية اجتماعية وعلاقات عمل مشترك على مستوى القاعدة. وتحالف سائرون تعمد بتضحيات الشارع ، وفرضه الواقع ، لكنه شأنه شأن أي تحالف آخر لا يمكن أن يمر دون تعقيدات وملابسات. هذا التحالف يعارضه ويقف ضده كل المستفيدين من فساد الأوضاع والمتحاصصين ، وهم المذعورون منه لأنه ربما يزعزع أركانهم فيما لو أدير بشكل سليم .
إن بعض القوى التي تناصبنا العداء اليوم ، وتسخر وسائل إعلامية ودعاة ضدنا تعرف جيدا أنها كانت لها تحالفات وتقاربات معنا، فهل أصبحنا اليوم بهذه الصورة التي يصفنا بها دعاتهم ؟ إن استذكار "دفاتر قديمة" أصبح حكاية ووسيلة مفلسة ، لا مكان لها في ذاكرة أبناء شعبنا ، الذين ما عادت تنطلي عليهم مثل هذه المحاولات والألاعيب البائسة، وهم يتلمسون حجم الخراب والدمار الذي لحق بهم وحل ببلدهم .
أخيرا يجب أن لا تهزنا هذه الأصوات ، مع كل احترامنا للاجتهادات التي لا تسيء لحزبنا ولا تمنع خيارات قاعدته الواسعة . فالوجهة مطروحة وعلى كل طرف أن يطرح مشروعه ويدعو له، دون أن يفرض وصايته على معتقدات الناس وتفكيرهم . وحزبنا يتخذ قراراته دون قفزات ، بل بخطوات جماعية مدروسة مع قاعدته الواسعة.
واختتم الرفيق حميد مجيد موسى حديثه عن التحالفات بالقول:
نحن أمام واجب إدارة التحالف الجديد ، وهي عملية ليست سهلة بل إنها صعبة ، فنحن نتحالف ولنا منطلقات أيديولوجية مختلفة ومتبنيات وخطابات سياسية متنوعة ، لكننا نتفق على المشتركات . نحن والحلفاء لسنا حزبا واحدا ، ولا بد من اليقظة والتعاون والمرونة وإدامة هذا التحالف لتحقيق أهدافه ، فهو تحالف انتخابي ويمكن أن يتطور ويتعزز، وهذا ما سيقرره الواقع.