البصرة- طريق الشعب

في صباح امس الثلاثاء، شيعت جماهير البصرة، المتظاهر الشاب مكي ياسر الكعبي، الذي سقط شهيدا خلال تظاهرات الاثنين، بعد ان اصيب برصاصة من قبل القوات الامنية، وشهد التشييع غضبا كبيرا ضد استخدام العنف ضد المحتجين، وما ان اقترب المشيعون المتظاهرون من مبنى الادارة المحلية، حتى فتحت القوات الامنية الغاز المسيل للدموع واستخدمت الرصاص الحي، لتفريقهم، ما ادى الى تعرض عدد منهم الى اصابات مختلفة.

تفريق تشييع سلمي

وذكرت مصادر متعددة في البصرة، أحمد ستار العكيلي، ان المئات من المتظاهرين بينهم ذوو الشهيد، شيعوا، صباح الثلاثاء، المتظاهر المقتول، انطلاقا من دائرة الطب العدلي، نحو ديوان المحافظة ومجلس المحافظة، سيرا على الاقدام، وقد تحول التشييع إلى تظاهرة احتجاجية، وسط اطلاق هتافات تندد باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين كما هتفوا ضد الفساد. وسط مطالبات باقالة قائد العمليات، وبعد توقف المشيعين وهم يحملون نعش الشهيد مكي ياسر، امام مجلس محافظة البصرة، اقدمت القوات الامنية على تفريق المتظاهرين باستخدام اطلاق الرصاص الحي من سلاح "بي كي سي" واطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مما اصيب عدد من المتظاهرين، حيث ذكرت وسائل اعلام محلية، ان 3 من المتظاهرين جرحوا، وتعرض آخرون الى حالات اختناق بسبب الغاز، بينهم والد الشهيد.

وتجددت التظاهرات عصر امس،  قرب مبنى ديوان محافظة البصرة، وسط اطلاق نار من قبل القوات الامنية المتواجدة هناك، فيما احرق آلاف المتظاهرين كرفانا وهشموا زجاج مبنى الديوان، بالحجارة.

كما نظم العشرات من المواطنين في قضاء الزبير غربي البصرة، عصر امس، تظاهرة، احتجاجا على قتل المتظاهر الكعبي.

وخرج العشرات من مواطني قضاء المدينة، شمالي البصرة، بتشييع رمزي، لجثمان المتظاهر الشهيد مكي الكعبي.

وكشف مكتب مفوضية حقوق الانسان في البصرة، عن مقتل شاب متظاهر اثر تعرضه الى الرصاص على يد القوات الامنية التي فضت التظاهرة وسط المحافظة امس الاول الاثنين، وفيما اكد ان ذلك يخالف كل قواعد فض اشتباكات التظاهرات، طالب المحافظ، باعتباره رئيس اللجنة الامنية العليا، بفتح تحقيق فوري بالحادث واحالة الجناة الى القضاء بشكل عاجل.

وأعلن قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري عن فتح تحقيق بمقتل المتظاهر وتوعد بمحاسبة المقصرين.

تحذير من تصعيد خطير

المتظاهر جاسم نصيف قال لــ"طريق الشعب" نطالب الحكومة بالتدخل الفوري لمنع عناصر الامن واجهزتها من الاستمرار بقمعنا ونحن متظاهرين سلميين وعزل ولا نمتلك سوى مطالبنا المشروعة، متسائلا باستغراب، اين منظمات حقوق الإنسان؟ اين العالم مما يجري في البصرة من ابادة جماعية للمتظاهرين، محذرا  من تصعيد خطير سيضطر اليه المتظاهرون لحماية انفسهم، اذا استمرت القوات الامنية بقمعهم.

"كيف قتل المتظاهر؟"

يروي المتظاهر في محافظة البصرة، ليث جميل، جانباً من الاحداث التي رافقت مقتل الشاب "مكي ياسر الكعبي" قبل ان يفارق الحياة.

وقال جميل لإذاعة "المربد" المحلية، إنه وبعد أن تم تفريق المتظاهرين من قبل القوات الامنية، انسحبوا الى المناطق القريبة خشية تعرضهم الى الاطلاقات النارية، مضيفا ان عجلات (همر) وصلت بالقرب منهم وهي تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين.

واوضح أنه دخل الى زقاق قريب من جسر تقاطع السوري، وسط المحافظة، وفي الاثناء سمع خطوات مسرعة لشاب، وهو يصيح بصعوبة (احملني.. احملني.. لا استطيع الاستمرار بالركض) وقد بان عليه الارهاق الشديد، وجسمه مغطى بالدماء، وبالكاد تحمله قدماه.

وتابع بالقول "قمت بوضع يدي على كتفه وبدأنا نمشي سوياً ببطء، وظننت انه تعرض الى اصابة في ساقه، ثم نظرت الى ظهره، فشاهدت غزارة الدماء قد خرجت من موضع قريب على قلبه، فعرفت انه تعرض الى اطلاقة نارية في صدره واخترقت جسده، في الاثناء تلاقفته ايدي عدد من الشباب ونقلوه بواسطة سيارة نوع (جكساره) وهرعوا به الى المستشفى، قبل ان يفارق الحياة لاحقا".

بغداد تتضامن

ونظم عدد من الناشطين والاعلامين والفنانين، في ساحة التحرير، وساحة كهرمانة، وسط العاصمة بغداد، عصر امس، وقفة تضامنية مع حركة الاحتجاجات في البصرة.

وحمل المشاركون، لافتات تساءلت عن دور مجلس البصرة، اضافة الى لافتات استهجنت قتل المتظاهرين وقمع التظاهرات.

دعوى قضائية

من جهته، قال الناشط المدني، كاظم السهلاني، لموقع "شفق نيوز"، "في ساعات متأخرة من ليل امس (الاثنين) كنّا رفقة ذوي الشهيد مكي الكعبي الذي أصيب برصاص القوات الامنية".

واضاف "سجلنا دعوى في مركز الشرطة ورفعناها الى القضاء على قائد العمليات وقائد الشرطة في المحافظة، لانهما السببان الرئيسان في الحادثة وهما من أعطى الأوامر بإطلاق الرصاص الحي ضد المدنيين".

وتابع "حتى في التشييع تم إطلاق الغاز المسيل للدموع على المشيعين".

وفي مجرى الاحداث وتصاعد وتيرة الغضب الشعبي وصل الى محافظة البصرة ممثل المرجعية العليا في النجف الأشرف السيد احمد الصافي للوقوف على ازمة البصرة وما يحصل فيها.

قتل وتعذيب

الى ذلك، اتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، السلطات الحكومية، بممارسة عمليات قمع مهينة للاحتجاجات الشعبية السلمية في محافظات وسط وجنوب العراق.

وأكد المرصد أنه وثق استخدام السلطة للقوة المفرطة في التعامل مع المحتجين وأنها اعتقلت المئات منهم تعسفا ومارست عمليات تعذيب وإخفاء قسري.

وفي بيان له، أوضح الأورومتوسطي أن قوات الأمن العراقية قمعت المحتجين في ساحة عبد الكريم قاسم وسط محافظة البصرة السبت الماضي، وذلك باستخدام الغازات المسيلة للدموع، كما أنها قامت بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، واعتقلت عددا منهم بعد ملاحقتهم. وكان هؤلاء المحتجون قد بدأوا في اعتصام مفتوح منذ 23 يوماً للمطالبة بتغيير الأوضاع في المحافظة وتحسين المعيشة.

ولفت المرصد إلى أن "قوات الأمن العراقية استخدمت الرصاص الحي خلال قمعها للاحتجاجات المستمرة في كل من بغداد والبصرة والناصرية وميسان والسماوة وذي قار والنجف والديوانية وكربلاء وبابل، خلال الشهرين الماضيين، وهو ما أسفر عن مقتل 18 شخصاً على الأقل".

وأدان قيام السلطات بقطع الإنترنت والاتصالات عن عدد من المدن العراقية مع انطلاق الاحتجاجات فيها، في خرق لحرية التعبير والوصول للمعلومات وتناقلها، بحسب تعبير المرصد.

واعتبرت المتحدثة باسم المرصد، سارة بريتشيت، هذه التصرفات بأنها تسعى لإخفاء الصورة ومنع النشطاء من تناقل المعلومات أو توثيق انتهاكات أجهزة الأمن.