"الموت في مدينة كبغداد يسعى إلى الناس مع كل خطوة يخطونها، فيما تتواصل الحياة مذعورة منه أحياناً، ولا مبالية إزاءه في أغلب الأحيان. ما أكثر لافتات الموت السوداء في المدينة؟ كم من الناس واسيت بفقدان أب أو إبن أو أخ أو قريب؟ كم مرة قصدت مجالس التأبين معزياً؟ كم مرة وجدت نفسي عاجزاً عن إظهار تعاطفي مع ذوي الضحايا البريئة المجهولة لي؟ كم بكيت في سري حزناً على مشاهد الدماء المسفوكة في كل مكان؟بعد هذا الانغمار المكثف في وقائع الموت وأخباره، يسألني البعض أحياناً، ألا تخاف من الموت؟ فأجيب، أنا الوافد أخيراً إلى دوامة العنف المستشري، أعلم أنني قد أكون هدفاً لقتلة لا أعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأراً شخصياً مني، وأعلم أننيأخشى بغريزتي الإنسانية لحظة الموت حين تأتي بالطريقة الشنيعة التي تأتي بها، وأعلم أنني قبل ذلك كله كثير القلق على مصير أخي ومرافقيّ الذين بملازمتهم لي في سكوني وحركتي يجازفون بحياتهم وحياة عوائلهم. رغم ذلك كله، وبمقدار ما يتعلق الأمر بمصيري الشخصي، أجد نفسي مطمئناً عادة لأنني حين وطأت هذا البلد الحزين سلمت نفسي لحكم القدر بقناعة ورضى. وما فعلت ذلك كما يفعل أي انتحاري يسعى إلى حتفه في هذا العالم وثوابه الموعود في العالم الآخر، فالقضية بالنسبة لي تعني الحياة وليس الموت. وهذه الحياة ينبغي ألا تكون بالضرورة آمنة شرط أن تشبع الرغبة في الوجود والفعل والانغمار".

كامل شياع
من مقاله المعنون "عودة من المنفى"