تدهورت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عاما أمام الدولار، وذلك بعد أن فرضت واشنطن عقوبات ورسوما كمركية إضافية على وارداتها من منتجات الألمنيوم والحديد التركية، لكن هذا الاجراء له جذورٌ أعمق مهدت لهذا التدهور.

ويثير هذا التدهور خوف الأتراك المتزايد على مستقبلهم بسبب ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية والأدوية والسلع الأخرى بشكل يهدد توفير متطلبات حياتهم اليومية. كما يثير أيضا مخاوف الأوروبيين على قروضهم وأقساطها التي تقدر بمليارات الدولارات سنويا.

 رغم هذه المخاوف الخطيرة التي تضع الاقتصاد التركي برمته على كف عفريت يستمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمكابرة من خلال اعتباره العقوبات الأمريكية وما يجري لليرة من انهيارات دراماتيكية بلا جدوى. وجاء في ر تصريح له في 9  آب 2018: "تواجه تركيا حملات مختلفة لا نولي الاهتمام لها، توجد لديهم الدولارات ويوجد لدينا شعبنا وحقنا والله".

وبهذا التصريح يتجاهل الرئيس دور العقوبات الأمريكية وتبعات سياساته في زعزعة الثقة بالاقتصاد التركي وفقدان مواطنية ثلث قوتهم الشرائية في غضون أقل من سنة إضافة إلى هروب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية في الأسهم والسندات التركية تاركة الليرة بلا غطاء يحميها من الانهيارات المتلاحقة.

 وخلال الأشهر الأخيرة حذر محللون بأن الاختلالات الاقتصادية تعني أن اقتصاد تركيا سيواجه مشاكل كبيرة، حتى قبل العقوبات التي أعلنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب وأدت إلى انخفاض حاد في سعر الليرة التركية.

 إلا أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب سمحت لأردوغان بإلقاء اللوم في المشاكل الاقتصادية وانهيار الليرة على البيت الأبيض واللعب على المشاعر المناهضة للولايات المتحدة المنتشرة في مختلف فئات المجتمع التركي، وتحميل عدو خارجي مسؤولية الأزمة.

 ويرى خبراء اقتصاديون ان مشكلة الاقتصاد التركي الأساسية تكمن في أنه من بين الاقتصاديات الأكثر اعتماداً على الاستثمارات والقروض الخارجية، قدمت بلا حدود ولا ضوابط لتحقيق هدف سياسي متمثل بصعود الاخوان المسلمين الى السلطة السياسية ممثلين بحزب العدالة والتنمية. وتقدر مديونية الشركات والمؤسسات التركية بالعملات الصعبة إلى البنوك غير التركية بأكثر من 220 مليار دولار. وتكمن المشكلة أنه كلما تراجع سعر الليرة، ضعفت قدرة هذه الشركات على الوفاء بديونها الخارجية. وهو الأمر الذي يهدد بسلسلة إفلاسات لا تعرف نهاية.

وعليه، تبدو تركيا أردوغان اليوم اقتصادياً على مفترق طرق جميع حلوله مرة. فرفع أسعار الفوائد سيضعف قدرة الشركات على الاستثمار، لكنه سيؤدي إلى استقرار العملة. أما بقاء سعر الفائدة دون مستوى نسبة التضخم فسيقود إلى مزيد من التدهور في سعر الليرة بشكل قد يؤدي إلى إفلاسات بالجملة. وعلى ضوء ذلك استقرار العملة أهم من أجل عودة الثقة ووقف هروب الاستثمارات الضرورية. غير أن هذا الأمر يتطلب تغيير السياسة المالية التركية وتوقف أردوغان عن المكابرة والتدخل في شؤون البنك المركزي التركي إضافة إلى دعم أوروبي أقوى في أية خطوة تخدم الاستقرار المالي".

استمرار هبوط الليرة واحتياطيات البنوك التركية

وحذر بنك الاستثمار جولدمان ساكس من أن مزيدا من التراجع في الليرة التركية إلى 7.1 مقابل الدولار قد يقضي على فائض رؤوس أموال بنوك البلاد، وقدرت مذكرة لمحللي البنك أن كل تراجع بنسبة عشرة بالمئة في الليرة يؤثر على مستويات رؤوس أموال البنوك بواقع 50 نقطة أساس في المتوسط.

ووفقا لحساباتهم فإن تراجع العملة 12 في المائة منذ حزيران قد جعل مستويات رأسمال بنك يابي كريدي هي الأضعف بين جميع البنوك التركية الرئيسية فضلا عن محو المزايا الباقية لإصدار حقوق أجراه البنك في الفترة الأخيرة.

في غضون ذلك يبدو كل من جارانتي وآق بنك أفضل حالا مقارنة مع نظرائهما حسبما ذكر المحللون، وقال محللو جولدمان ”التراجع التدريجي لليرة قد يزيد بواعث القلق إزاء رؤوس أموال البنوك، لاسيما البنوك ذات مستويات رؤوس الأموال المنخفضة".

انخفاض قيمة الليرة والسواح الاجانب

أقبل السياح الأجانب في تركيا على متاجر المنتجات الفاخرة ن، مستفيدين من زيادة قوتهم الشرائية جراء أزمة العملة في البلاد، والتي دفعت الليرة التركية إلى مستوى قياسي منخفض عند أكثر من سبعة ليرات للدولار"..

واصطف زوار معظمهم من العرب في صفوف لا تكاد تتحرك أمام متاجر شانيل ولوي فيتون في نيشانتاشي، وهو أحد الأحياء الراقية في اسطنبول، لاستغلال هبوط الليرة التي فقدت 18 بالمئة من قيمتها يوم الجمعة فحسب.