ستدخل بلادنا بعد 30 حزيران 2018 بما يسمى بالفراغ الدستوري بعد انتهاء مدة الدورة الانتخابية الثالثة 2014- 2018 لمجلس النواب العراقي وتحول الوزارة الحالية الى وزارة تصريف الامور اليومية دون ان تلوح في الافق القريب دعوة من قبل رئيس الجمهورية لعقد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد.
الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم اتحادية) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وترتبط الاولى والثانية بفصل مرن حيث التعاون والرقابة بينهما في النظام البرلماني، وان السلطة التنفيذية تنبثق من رحم السلطة التشريعية وخاضعة لرقابتها وتعمل تحت مسؤوليتها.
يحدث الفراغ الدستوري عند غياب اي سلطة من السلطات الثلاث عن ممارسة اختصاصاتها دون التعرض لذلك من قبل الدستور، ويحدث هذا في النُظم البرلمانية عند حل السلطة التشريعية او انتهاء مدة بقائها دون التقييد بالأحكام الزمنية لإعادتها، وخلال تلك الفترة تتحول الوزارة الى : حكومة تصريف الاعمال او (تصريف الامور اليومية).

حالات حدوث الفراغ الدستوري:

الحالة الاولى: عند التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الامور اليومية، لمدة لا تزيد على الثلاثين يوماً، الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة (76) من هذا الدستور (المادة 61، ثامناً، د)
من هذا النص امهل الدستور رئيس الجمهورية بترشيح رئيس مجلس وزراء جديد ليقوم بتشكيل الوزارة وعرضها على مجلس النواب ونيل الثقة بمدة لا تتجاوز الثلاثين يوما. وان أي تمديد لهذا السقف الزمني يدخل البلاد في فراغ دستوري، وانه تعطيل لدور مجلس النواب لاختصاصه برقابة الوزارة ومسائلتها سياسيا، و هي المستقيلة في الاصل.
الحالة الثانية: يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدٍة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الامور اليومية. (المادة 64،ثانياً).
ان الاجل الزمني الذي حدده النص الدستوري بستين يوماً بعد حل مجلس النواب، وهو موعد اجرائي ملزم وليس بحكم التعليمات التنظيمية والتي تصدر حسب رغبة الجهات التنفيذية، وان مدة الشهرين هي مناسبة للتهيئة والاستعداد لإجراء الانتخابات حتى لا يكون هناك اي حالة فراغ دستوري، ومنعا لأي حالة مماطلة وتراخي للقيام بالانتخابات بوقتها المحدد، وبالتالي تشكيل وزارة خاضعة لمراقبة البرلمان وتعمل تحت مسؤوليته.
عند استنفاذ مهلة الستين يوما بعد يوم حل مجلس النواب دون عقد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد، تكون البلاد قد وقعت في الفراغ الدستوري، ويرى البعض من فقهاء القانون الدستوري عودة المجلس القديم ليباشر مهامه حتى لا يكون هناك أي فراغ دستوري، وهو اجراء رادع ضد المماطلة بعودة السلطة التشريعية.
الحالة الثالثة: يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.
ان المشرع الدستوري العراقي امهل السلطات المختصة بانتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة (المادة 56، ثانيا)، وهذه المدة اقصر من فترة ما بعد حل البرلمان، والحكمة من ذلك باعتبار الجهات المختصة لديها العلم المسبق بموعد إجراء الانتخابات فقد اتخذت كل الإجراءات والتدابير الازمة لذلك، بينما عند حالة حل البرلمان الذي يكون في العادة مفاجأً للجهات المعنية للقيام بالانتخابات.
وضع المشرع العراقي توقيتات زمنية صارمة لانتخاب مجلس النواب وتشكيل الحكومة حتى لا يحدث أي فراغ دستوري ووفق التالي:
1.
تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة. (المادة 56، أولاً )
2.
يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة السابقة. (المادة، 56، ثانياً)
3.
تختص المحكمة الاتحادية العليا بالمصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب .( المادة 93، سابعاً)
4.
يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، تعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سناً...( المادة 54)
5.
ينتخب مجلس النواب في اول جلسة له رئيساً، ثم نائباً اول ونائباً ثانياً، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر.(المادة 56)
6. ...
يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اول انعقاد له. (المادة 72، ثانياً،،أ)
7.
يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.(المادة76، اولاً)
8.
يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية اعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.( المادة76، ثانياً)
9.
يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة.(المادة76، رابعاً)
بالرغم من هذا الجدول الزمني الواضح والملزم لإجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة (رئيس الجمهورية-رئيس مجلس الوزراء والوزراء)، فلم يدر بخلد المشرع الدستوري العراقي ان تكون الفترة ما بين يوم إجراء الانتخاب ويوم المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية تكون مفتوحة لأمد غير معلوم، مما يؤثر على الالتزام بباقي التوقيتات والتي ستتجاوز الخمسة وأربعين يوماً المحددة في النص الدستوري، مما يوقع البلاد في أزمة دستورية وتسمى بالفراغ الدستوري.
ان الفراغ الدستوري قد بدأ من انتهاء يوم 30/6/2018 وهو يوم انتهاء مدة الاربعة سنوات تقويمية لوجود مجلس النواب وتحويل الوزارة صاحبة الصلاحيات الكاملة الى وزارة تصريف الامور اليومية حتى عقد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد، أي عند فقدان الوجود القانوني لواحدة من السلطات الثلاث وهي السلطة التشريعية ودون وجود أي سند في الوثيقة الدستورية لهذه الحالة.
مع العلم ان مدة الخمسة وأربعين يوما التي حددها الدستور كموعد اقصى لانتخاب مجلس النواب والذي كان يوم 12/5/2018 حيث جرت فيه الانتخابات حتى يوم انتهاء مدة بقاء المجلس وعقد الجلسة الاولى للمجلس الجديد هي مدة كافية، وفق معظم الدساتير في دول العالم، وخاصة بعد التطور التقني ووسائل الاتصال التي تساعد في عدالة ونزاهة الانتخابات وتعجل بإعلان النتائج.

مسؤولية الفراغ الدستوري

ان ازمة الثقة بين القوى السياسية داخل مجلس النواب والتي انيط بها مسؤولية اختيار مجلس المفوضية المستقلة للانتخابات، قد تعمقت بعد اعلان النتائج الاولية من قبل المفوضية والخسارة الكبيرة لأغلبية اعضاء مجلس النواب المرشحين في الانتخابات،، مما خلق ارباكاً واضحاً في معالم خارطة الطريق التي وضعها الدستور لتشكيل الحكومة الجديدة والتي تجلت بصدور قانون لتعديل قانون انتخاب مجلس النواب وإبطال المحكمة الاتحادية لعدد من فقراته وانتهاء اجل المجلس في حلول 30/6/2018.
وتتحمل المفوضية المستقلة للانتخابات وزر الفراغ الدستوري الحاصل والأزمة السياسية وهي المعنية بتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة ويشاطرها في المسؤولية ايضا مجلس النواب الذي من صلاحياته مراقبة عمل المفوضية وضمان نجاحها وإصدار قانون الانتخاب وهو ايضا المعني بانتخاب اعضاء مجلسها.

عرض مقالات: