القضاء هو السلطة المكلفة دستوريا بحماية  ارواح وحريات ومصالح المواطنين عندما تتعرض للخطر من قبل الاخرين , والاستقلال هو رائد هذه السلطة الذي خصته الاحكام الدستورية القائلة باستقلال القضاة , ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون . ولا يجوزلاي سلطة التدخل في شؤون القضاة او في شؤون العدالة. وعندما حل الوضع السياسي الحالى لم تسلم السلطة القضائية من محاولات التدخل خاصة بعد الاقرار بأننا مجتمع منقسم  وتتقاذفنا المحاصصة , وتحاول السلطة هذه جاهدة ان تتمسك بتلابيب الاستقلال من المحالات القسرية اليومية للتدخل في شؤونها من قبل الجهات النافذة في السلطة .

حاول القضاء جاهدا بالنأي بالنفس عن عما يدور من صراعات سياسية ليس لمجرد الرغبة في الابتعاد حسب بل لان النصوص التشريعية الحاكمة للسلطة القضائية توجب ذلك . الا ان مجلس النواب اصدر قانونا  تعديلا جديدا   - مشكوك بدستوريته - الزم بموجبه مجلس القضاء الاعلى بتشكيل لجنة من القضاة لتحل محل مجلس المفوضية  . وسنحاول هنا ايراد قراءة للقانون المذكور نبينها على الوجه الاتي : -

اولا – تنص الفقرة ثانيا من المادة الاولى من قانون النشر في جريدة الوقائع العراقية على : ( يعتبر ما ينشر في الوقائع العراقية النص الرسمي المعمول عليه ... ) .  وهذا يعني ان اي تشريع لم يدركه النشر في الجريدة المذكور لم يحز على الوصف القانوني (الرسمي) اي انه نص غير رسمي، ومن ثم تختل فيه الصفة الالزامية للقانون. ومن جهة ثانية  فان ثمة اشكالية في حالة عدم تطابق النص المنشور في الوقائع العراقية مع النص الذي جرى تنفيذه والذي لم يلحقه النشر , وهذا يعني ان التنفيذ جري بموجب نص قانوني لم يستوف الشكل الذي رسمه القانون وبذلك يكون مخالفا له . وقد كان من باب أوْلى ان يباشر بالتنفيذ بعد ان يتم النشر على وفق احكام القانون .

ثانيا – ان قانون التنظيم القضائي ينص في ثانيا \  أ من المادة 49 منه على : ( لا يجوز انتداب القاضي الى وظيفة في الدوائر الرسمية ويستثنى من ذلك .. التدريس في الجامعة او المعهد القضائي ... ) . ان انتداب القضاة هنا هو الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهي دائرة رسمية وليست هيئة قضائية , لذا نكون امام نصين قانونيين متناقضين. الاول يحظر انتداب القاضي الى الدوائر الرسمية وهو مانص عليه قانون التنظيم القضائي ، والثاني هو القانون الاخير الذي اصدره مجلس النواب واصبح نافذا من تاريخ التصويت عليه ، والذي اوكل للقضاة مهمة مجلس المفوضين وجعلهم يحلون محل المجلس المذكور. وهذا مؤشر على ضعف التشريع وكونه غير مستوف لشروط التشريع واسبابه. وكان حرّيا بمجلس النواب ان يعدل احكام الفقرة ثانيا من المادة 49 من قانون التنظيم القضائي ، ويضيف لها نصا يسمح بانتداب القضاة للعمل في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات .

ثالثا – ان مجلس القضاء الاعلى كان على وعي تام بهذه الاحكام القانونية ، وقد ابلغ مجلس النواب بتوصياته المنبثقة عن اجتماع مجلس القضاء الاعلى المنعقد بتاريخ 11 \ 2 \ 2018 , اذ نصت الفقرة (3) من محضر الاجتماع على : ( ناقش المجلس موضوع مشاركة القضاة في الاشراف على مراكز الاقتراع في الانتخابات القادمة وجدوى هذه المشاركة من حيث الاثر القانوني المترتب على الملاحظات التي قد يثيرها السادة القضاة اثناء عملية الاقتراع وتداخل هذا الاشراف مع مهمة مفوضية الانتخابات التي تختص بموجب القانون بهذه المهمة. لذا قرر المجلس مفاتحة مجلس النواب بخصوص ذلك لبيان الاساس القانوني والاثر المترتب على هذه المشاركة ) .  وكـأثر لرأي مجلس القضاء الاعلى هذا تم صرف النظر من قبل مجلس النواب عن مشاركة القضاة في الاشراف على الانتخابات ، ومضى كل من المجلسين الى حال سبيله. وهذا التوجه الذي اتخذه مجلس النواب قبل مدة تزيد على الثلاثة اشهر من موعد الانتخابات ، وجد مستقرا له في احكام المادة 88 من الدستور التي تنص على : ( القضاة مستقلون  .  لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون . ولا يجوز لاي سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة ) وهذا النص يجعل قانون مجلس النواب بانتداب القضاة للعملية الانتخابية مخالفا لاحكام الدستور ، لانه يضع القضاة تحت رقابة مجلس النواب حسب احكام المادة 102 من الدستور ، التي وضعت مفوضية الانتخابات تحت رقابة مجلس النواب .

رابعا – ان التعديل الاخير الذي اعتمده مجلس النواب والمتضمن اعادة الفرز يدويا ، يتناقض مع احكام الفصل الثامن من قانون المفوضية العليا المستقلة ، المتضمن تسريع الفرز الكترونيا. فكلا النصين ساري المفعول. وهذا يعني ان النتائج التي اعلنتها المفوضية من خلال التسريع الالكتروني سليمة ، لانها جرت في ظل قانون ساري المفعول حتى الان , ولذلك لا يجوز الذهاب الى الفرز اليدوي ما لم يتم الغاء النتائج المعلنة بطريق التسرع الالكتروني. فنحن والحالة هذه امام نصين قانونيين متناقضين ساريي المفعول , ولم تتم معالجة هذا الموضوع حتى الان .

خامسا – ان التعديل موضوع البحث لم يتطرق الى الهيئة التمييزية للانتخابات ، المشكلة في محكمة التمييز الاتحادية ، والتي شكلت استنادا لاحكام الفصل الثامن من قانون المفوضية , هل تباشر عملها في الطعون ام يبقى عملها متوقفا بناء على امر من رئيس مجلس القضاء الاعلى. هذه مسألة معلقة ايضا ، تركها مجلس النواب من دون حل ودخلت ضمن النصوص المرتبكة والمختلة ، جراء ضعف دراية مجلس النواب وغياب المهنية عن العملية التشريعية وافتقاد الحرفية في الصياغة القانونية .

سادسا – اذا جاءت نتائج العد اليدوي الذي يجري تحت اشراف الهيئة القضائية  خلافا لطموحات من خسر الانتخابات ، فهل سيواجه القضاة ذات المصير الذي آل اليه مجلس المفوضين؟ لماذا يحاول البعض  الاساءة الى القضاء ، ولماذا يكلفون القضاة بعمل غير العمل الذي تمرسوا فيه؟

 لماذا يسحبوننا الى غير مو اقعنا القانونية والدستورية؟

وهذا غيض من فيض ليس الا ..

عرض مقالات: