رشيد غويلب
اظهرت دراسة حديثة ان الانقسام الاجتماعي يغير صورة المدن في المانيا، خصوصا في جزء البلاد الذي كان يشكل قبل حوالي 29 عاما جمهورية المانيا الديمقراطية. فقد اتسعت في السنوات الاخيرة ظاهرة الأحياء المعزولة ، نتيجة الفصل الواضح بين الفقراء والأغنياء.
جاء ذلك في تقييم اجراه "معهد برلين للبحوث الاجتماعية" لبيانات تتعلق بـ 74 مدينة المانية. ووفقا للدراسة فانه منذ عام 2005، تركز 80 في المئة من السكان في تلك المدن، وهم يعتمدون في حياتهم على الحد الأدنى من المساعدة الاجتماعية والمعروفة قانونيا بـ"الضمان الأساسي"، والتي تم تقليصها وفرض شروط اضافية على التمتع بها نتيجة لاقرار ما يسمى بحزمة قوانين "هارتس 4" ، كجزء من سياسات الليبرالية الجديدة التي اعتمدتها حكومة المستشار الالماني السابق "غيهرد شرورودر" ولا تزال سارية المفعول. وتمتاز هذه المدن بوجود عوائل فقيرة غنية باعداد اطفالها.
وتم إجراء الكشف باستخدام ما يسمى مؤشر التمييز، الذي يشير الى النسبة المئوية للمشمولين بقوانين"هارتس 4" الذين سيضطرون الى الانتقال الى حي آخر لتحقيق توزيع متساوي في جميع أنحاء المدينة. وفي العديد من المدن يشمل هذا ما بين 35 و 40 في المئة من المستلمين للمساعدات الاجتماعية.
وبين عامي 2005 و 2014 ، ازداد التمييز الاجتماعي بين الأطفال في معظم مدن البلاد، خصوصا مدن شرق المانيا.
وسجل أعلى المعدلات في مدن روستوك وشفيرين وبوتسدام وإيرفورت. وفي اطراف هذه المدن هناك احياء سكنية اجتماعية كبيرة، تم بناؤها في سنوات السلطة الاشتراكية. في روستوك عاش قرابة 70 في المئة من السكان في هذه الاحياء ، وفي شفيرين لا يزال يسكنها 57 في المائة من سكان المدينة. ويشير واضعا الدراسة مارسيل هيلبغ وستيفاني ياننن الى ان العديد من هذه المجمعات السكنية تحولت بعد تفكيك النظام الاشتراكي الى مناطق ملتهبة، يحتشد فيها" الاطفال الفقراء بالحجم الذي نعرفه في الولايات المتحدة الأمريكية".
وتشدد الدراسة على ان الانقسام الاجتماعي ليس ارثاً من جمهورية المانيا الديمقراطية السابقة، يل على العكس: "كان التفاوت الاجتماعي في المدينة الاشتراكية صغيرا، بالمقارنة مع جارتها الراسمالية". وفي نهاية المطاف كانت المانيا الديمقراطية السابقة تسعى الى "تجاوز التباينات بين الفئات الاجتماعية والطبقات".
ويتبنى اقتصاد السوق الرأسمالي معايير مغايرة. ويصف واضعا الدراسة هذا التطور بـ"غير المسبوق تاريخيا"، و " في حين كان التباين الاجتماعي في بداية التسعينات محدوداً جدا في مدن المانيا الشرقية، فانه اليوم، وفي معظم الحالات، فوق المستوى القائم في مدن المانيا الغربية السابقة".
وبعد "إعادة توحيد " المانيا ، انتقل العديد من العوائل مع أطفالها إلى الريف ، في حين تجمع العاطلون عن العمل والمتضررون اجتماعيا في هذه الاحياء. وكان هذا التطور ناجماً عن قرارات سياسية. ولأن الدولة تتحمل تكاليف الإسكان لمتلقي "هارتس 4" التي تحدد وفق اولويتها الحد الأعلى لايجار المتر المربع الواحد، فان الحكومة تتدخل "في سوق الاسكان وتصبح لا عباً مؤثراً في انتاج التفاوت الاجتماعي ".وينطلق واضعا الدراسة من ان حزمة هارتس 4 ادت ، منذ عام 2005، إلى تفاقم الوضع الاجتماعي في هذه المجمعات السكانية".
ومنذ وقت طويل يحذر علماء الاجتماع من "الآثار السلبية للجوار"، فعندما يعيش الفقراء والمهجرون مع بعضهم، يفتقد "المثال الايجابي الذي يقتدي به الاطفال والمراهقون". ويؤكد واضعا الدراسة انه قد تبدو صورة الحي وكأنها سلبية في الداخل والخارج " وبهذا تصبح مكانا للنمطية والتميز". وفي 36 مدينة مشمولة بالدراسة يعيش اكثر من نصف الاطفال على الحد الأدنى للمساعادات الاجتماعية. وبهذا الخصوص يؤكد الباحث ستيفاني ياننن ان"هذا التطور يمكن ان يؤثر سلبا على فرص حياة الاطفال الفقراء".
ان تركز وجود مجمعات السكن الاجتماعية، في الغالب، في المناطق التي يسكنها الفقراء اصلا، لا يشكل ضمان لخلق تلاقح اجتماعي. ويؤكد واضعا الدراسة "ان هذا لا يعني ان بناء المساكن الاجتماعية لا يحد بشكل فاعل من الانقسام الاجتماعي"، وينصحان في التوسع في بناء المساكن الاجتماعية، ولكن في جميع احياء المدينة.