شهدت كولومبيا اول امس الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. ولأول مرة في تاريخ البلاد يصل مرشح قوى اليسار الى جولتها  الثانية. وعلى الرغم من اشغال المرشح اليميني إيفان دوكي الموقع الأول بحصوله على  39 في المائة من الأصوات ، فإن قوى اليسار والحركات الاجتماعية الكولومبية احتفلت  بالنصر التاريخي لمرشحهما غوستافو بترو. وهو عمدة سابق للعاصمة "بوغوتا"، وحصل في عموم البلاد على 25 في المائة من اصوات الناخبين. ويلزم النظام المرشح الفائز في الجولة بالحصول على  اكثر من 50 في المائة، وفي حال تعذر ذلك يجري الذهاب الى جولة انتخابية ثانية. وستجري جولة الانتخابات الثانية  في 17 حزيران المقبل. وسيتنافس فيها مرشح اليمين ومرشح اليسار، الذي ركز في حملته الانتخابية على اقامة نظام اقتصادي جديد يستند على العدالة الاجتماعية.

وتوزعت الاصوات الباقية على سيرجيو فاجاردو مرشح حزب الخضر، الذي حصل على قرابة 24 في المائة، ومرشح اليمين المتطرف جيرمان فارغاس ليراس، الذي حصل على قرابة 7  في المائة. وحقق المفاوض الحكومي في عهد خوان مانويل سانتوس مع حركة فارك  المسلحة السابقة، أومبرتو دي لا كالي على  2 في المائة فقط. وبهذا اصبح  المعسكر السياسي للرئيس السابق سانتوس  أكبر الخسارين، لاعلانهم المسبق عن توجههم لدعم مرشح اليمين المتطرف. ومن المتوقع ان يصوت الخضر والمجاميع الليبرالية الأخرى لصالح مرشح اليسار، فيما سيصوت انصار اليمين المتطرف والجماعات المحافظة لصالح مرشح اليمين.

وشغل مرشح اليسار الموقع الأول في 9 مقاطعات لا مركزية من اصل مجموعها البالغ 32، بضمنها المناطق الساحلية، والمناطق التي كانت تحت سيطرة الحركة المسلحة الثورية (فارك). وشغل مرشح اليمين الموقع الاول في الادارات الا مركزية المتبقية. وفي مدن البلاد الكبيرة كانت نتائج المرشحين الفائزين متقاربة.

وكانت نسبة المشاركة في التصويت مشابهةلانتخابات الرئاسة السابقة وبلغت 53 في المائة،وتم اعتبار 2 في المائة من الاصوات باطلة.وامتازت الانتخابات الحالية كسابقاتها بالتلاعب وشراء اصوات الناخبين وممارسة الضغوط عليهم. وقد سجل المتابعون للحملات الانتخابية قيام انصار مرشحي اليمين واليمين المتطرف بهذه الممارسات اللاشرعية واللاديمقراطية.

وافادت معلومات ان عضو مجلس الشيوخ تيميسلوكاس اورتيغا قد خصص ملايين الدولارات للمناطق التي ستصوت لمرشح اليمين المتطرف، ولكنه لم يجن ثمارها. وفي مدينة بوينافينتورا في المحيط الهادئ ، وهي معقل لليسار، لم يتمكن مئات الناخبين من الاداء باصواتهم، لعدم تسجيل بطاقاتهم الشخصية في سجل الناخبين. وفي مقاطعة هويلا ، تم في ليلة يوم التصويت اغتيال غابرييل مونيوز  رئيس الحملة الانتخابية لمرشح اليسار، والذي كان سيشارك في مراقبة فرز الأصوات. واشارت تقارير الى عمليات تصويت مسبقة، وكذلك التصويت في مراكز تصويت غير رسمية. وتحدث وزير الداخلية عن وصول 1239 شكوى بخصوص مخالفات سيتم التحقق منها. ولم تشهد الانتخابات اعمال  عنف، او هجمات مسلحة

وجرت اللانتخابات في بلد منقسم سياسيا واجتماعيا الى معسكرين الأول يمثله دعاة السلام والتسامح وبناء دولة ديمقراطية يتمتع مواطنوها بالعدالة الاجتماعية، والثاني معسكر القوى المهيمنة، والتي حكمت البلاد طيلة العقود الماضية، والتي تسعى الى التراجع عن معاهدة السلام، والحفاظ على نظام سياسي قائم على التسط والعنف والاستغلال. وستكون مهمة الرئيس القادم صعبة وتتمثل في ردم  الهوة بين المعسكرين والنجاح في فرض قيم التسامح والمصالحة الوطنية، ومراعاة مصالح اكثرية الشعب. واستكمال مفاوضات السلام مع الحركة المسلحة الثانية الأصغر في البلاد والمعروفة بـ"القوات المسلحة الوطنية".

وبعد اكثر من نصف قرن من الكفاح المسلح ضد سلطة اليمين المتحالف مع الإقطاع تم التوصل في خريف 2016 ، برعاية كوبا والنروج الى اتفاقية سلام بين الحكومة الكولومبية، والحركة المسلحة الثورية (فارك)، تحولت بموجبه الأخيرة الى حزب سياسي علني، واحتفظت لدورتين انتخابيتين بعشرة مقاعد نيابية. يذكر ان الصراع المسلح ادى الى وقوع  220 الف ضحية وشرد الملايين من مناطق سكناهم.

عرض مقالات: