صورة العالم اليوم لا تبعث على الاطمئنان، بل تثير مخاوف جدية، لعل احد مظاهرها، في السنوات الاخيرة، تزايد عدد البلدان التي تحكمها انظمة استبدادية. ويرصد المتابعون تقييد حرية الراي في العديد من البلدان، واجراء انتخابات لا تتوفر فيها نقطة شروع متكافئة للقوى المتنافسة، وتزايد المغريات للعديد من رؤساء الدول والحكومات للحكم بيد من حديد.

هذه الصورة الكئيبة تعكسها نتائج  دراسة أجرتها مؤسسة" بيرتيلسمان" ،, ومقرها مدينة "غوترزلو" الألمانية. واشترك في اعداد الدراسة  أكثر من 250 خبيراً من جامعات ومراكز أبحاث من جميع أنحاء العالم، درسوا بانتظام معطيات عن حالة الديمقراطية ، والوضع الاقتصادي، وأداء جهاز الدولة في 129 دولة نامية وصاعدة. ولتحقيق تطور ناجح، يحدد باحثو المؤسسة التي تمثل مصالح الاقتصاد الرأسمالي مؤشرين، لا يكملان بالضرورة بعضهما: الاول توطيد الديمقراطية ، أي تحقيق إرادة للأغلبية. والثاني تنمية اقتصاد السوق الرأسمالي ، الذي يفترض ان يتيح للاكثر كفاءة تأكيد ذواتهم.

ويشعر واضعو الدراسة بالقلق ازاء الانخفاض المتزايد لمعايير سيادة القانون حتى في الدول الديمقراطية. فقد شهدت الفترة من شباط 2015 الى كانون الثاني 2017، قيام 40 حكومة بالحد من سيادة القانون، وجرى في 50 دولة تقييد الحريات السياسية. ولكن في الوقت نفسه ، يؤكد الباحثون، ازداد الاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي والفساد وسوء الإدارة. وترصد الدراسة تراجعا في بعض بلدان أوروبا الشرقية ، حيث حقق اليمين الشعبوي، في السنوات الأخيرة، نجاحات مقلقة. فيما شهدت بلدان مثل بوروندي وطاجيكستان تصاعد القمع بوتائر مخيفة. فعلى سبيل المثال، قامت الشرطة في بوروندي بقمع المعارضين بوحشية، بعد ان طرد الرئيس بيير نكورونزيزا المراقبين الدوليين من البلاد.

ولم يشهد اي بلد في العالم، حسب الدراسة، وضعا سيئا كالذي يسود اليوم في تركيا، خصوصا بعد انقلاب تموز 216 الفاشل. اذ عمقت حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان، بشكل واضح، تآكل الفصل بين السلطات الثلاث.

 ولا تخلو الدراسة من الاشارة الى تطورات ايجابية، بعيدا عن حجم البلدان التي شهدتها، وحدود تأثيرها في السياسة العالمية.  وفي هذا السياق شهدت بوركينا فاسو احتجاجات هائلة اجبرت  الرئيس بليز كومباوري في عام 2014 على الاستقالة من منصبه. وفي سري لانكا خسر الرئيس ماهيندا راجاباكساالانتخابات في عام 2015  بشكل غير متوقع.وعلى اثر الانتخابات، اتخذت الحكومتان الجديدتان في كلا البلدين خطوات أولية لاستعادة الديمقراطية وحكم القانون.

وتخرج الدراسة باستنتاج مفاده ، أن هناك 3,3 مليار انسان في العالم يعيشون في ظل أنظمة استبدادية، حيث تتركز السلطة السياسية المطلقة بيد حاكم أو مجموعة اشخاص. وفي مقابل ذلك ، يعيش 4.2 مليار انسان في بلدان ديمقراطية. وقسمت الدراسة البلدان الـ 129 التي شملها الاستطلاع الى  71 بلدا ديمقراطيا، و 58 بلدا استبداديا.

وتأتي الدراسة لتؤكد للمعنيين بالتطورات السياسية في المانيا، ان الشرخ بين الديمقراطيين والشعبويين، الذي اشارت اليه المستشارة الألمانية ميركل في بيان حكومتها الجديدة، لا ينحصر في المانيا، بل هو ظاهرة عالمية متنامية في البلدان المستقرة ايضا.

عرض مقالات: