ناصر حسين
في الخامس من أيار الجاري مرّ مائتا عام على ولادة كارل ماركس. ولد في مدينة تيريير الألمانية لعائلة كانت تحمل الجنسية الألمانية لكنها كانت هولندية الأصل. أبوه كان إنساناً ديمقراطياً وهذا ما تؤكده الرسائل المتبادلة بينهما. وقد مكنّه هذا من ان يكون ديمقراطي النشأة.
تخصص الفتى ماركس في دراسته بعلم الفلسفة وكانت رسالة الدكتوراه التي أعدًها تتناول فلسفة ابيقور التي تمتاز بأنها كانت مادية. وهذا ما مكنًه في ان يقف على ارض صلبه وهو يتعامل مع فلسفة هيغل وفورباخ فينتقد قصور ديالكتيك هيغل وقصور مادية فورباخ. مادية فورباخ مكتفة فهو كان ميتافيزيكيا في منهجه وليس ديالكتيكياً مثل ماركس. ديالكتيك هيغل مكتف أيضا فقد كان مثالياً في فكره وليس مادياً مثل ماركس.
ديالكتيك هيغل مغلف بقشرة صوفية كما وصفه ماركس نفسه يوم قال (لقد نزعنا عنه قشرته ألصوفيه) بدلاً من ان يطرح أرضا كما أراد فورباخ. ولهذا عندما تحدث دارسو الماركسية عن الجهد الفلسفي لماركس حذروا من الوقوع في الخطأ والتصور بان ماركس اخذ من هيغل – الديالكتيك – ومن فورباخ – المادية فجمعهما جمعاً ميكانيكياً وأعطانا (الجدل المادي). كلا فمادية ماركس غير مادية فورباخ فمادية فورباخ كما وصفت لاحقا، كانت مادية من الرأس الى اسفل ومثالية من الرأس فما فوق.ديالكتيك ماركس غير ديالكتيك هيغل، ديالكتيك ماركس مادياً وديالكتيك هيغل مثالياً لقد كان ماركس في الموقع الاعلى والأرقى من الاثنين بشكل مطلق.
في البدء كان ماركس هيغلياً وانجلز كذلك وآخرون ولم يأت ذلك اعتباطاً، لم يكن من موقع عبادة الشخصية وتقديس الفرد بل لأن هيغل والفلسفة الألمانية كما قيماً، هما ورثة الجهد الفكري الذي بذلته البشرية ما قبلهما. ولاستيعاب هذا الأمر جيداً يمكن الرجوع الى مؤلف هاينه (موجز تاريخ الفلسفة). والذي جاء على شكل محاضرات ألقاها "هاينه" في فرنسا للتعريف بما عنته الفلسفة الألمانية. ولكن وكما كتب انجلز يوم صدر كتاب فورباخ (جوهر المسيحية) (جميعنا غدونا بلحظة من أنصار فورباخ) ويمكن للمرء أن يتصور بعد قراءة (العائلة المقدسة) بأية حماسة رحب ماركس بالمفهوم الجديد والى أية درجة- رغم كل التحفظات النقدية – قد تأثر به).
وهذا ما يدعو الى ان يدرس ماركس وهو في حالة التطور والارتقاء الديالكتيكي وليس في حالة السكون الميتافيزكي وكما يشير انجلز في مؤلفة (لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية) (ثورة 1848 طرحت جانباً، في ذلك الوقت، كل فلسفة بلا تكليف،كما فعل فورباخ مع هيغل وفي الوقت نفسه أقصي فورباخ أيضاً الى المؤخرة).

المختارات الجزء الرابع الصفحة 20

وقبل هذا ببضعة اسطر كتب انجلز (ينبغي ان لا ننسى ايضاً ان المدرسة الهيغلية تفسخت) وأعطانا ماركس منظومة فكرية متكاملة تضم الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية وهي موجودة في حالة الترابط والتكامل والتركيب وليس الانعزال الميتافيزكي بين هذا الجزء او ذاك.
في الفلسفة حلّت على يد ماركس إشكالية العلاقة بين الفكر والواقع.
كتب انجلز (ان الخطوة التي لم يخطها فورباخ كان لا بد مع ذلك من خطوها، فأن عبادة الإنسان المجرد، كان يجب الاستعاضة عنها بالعلم عن الناس الحقيقيين وعن تطورهم التاريخي. وهذا التطور اللاحق لوجهة نظر فورباخ الذي يتجاوز نطاق فلسفته أنما بدأه ماركس عام 1845 في كتابه (العائلة المقدسة) نفس المصدر ص 44
وقد ذكر ماركس في الموضوعة الحادية عشرة من (موضوعات عن فورباخ)
(
ان الفلاسفة لم يفعلوا غير ان فسروا العالم بأشكال مختلفة ولكن المهمة تقوم في تغييره)

المختارات الجزء الاول الصفحة 40

وهكذا اعطى ماركس للفلسفة مهمة عملية هي تغيير العالم وليس تفسيره فقط بعد ان اعطاها طابعها الثوري.
وعن هذا الدور الذي اعطاه ماركس للفلسفة كتب لينين في مقالته المعروفة (مصادر الماركسية الثلاثة واقسامها المكونة الثلاثة)
كتب يقول: (لقد عمق ماركس المادية الفلسفية وطورها, فانتهى بها الى نهايتها المنطقية ووسع نطاقها من معرفة الطبيعة الى معرفة المجتمع. ان مادية ماركس التاريخية كانت اكبر انتصار احرزه الفكر العلمي).
وكتب في مؤلفة (المادية والمذهب النقدي التجريبي)عن فلسفة ماركس، يقول: هذه الفلسفة التي قدّت من قطعة من الفولاذ، اذا انتزعنا منها جزءاً مكوناً اساسياً (لوقعنا في مستنقع الدجل البرجوازي الرجعي).
ماركس طوًر علم الاقتصاد السياسي. فهذا العلم وجد قبل ماركس وهو نشأ مع تحول الرأسمالية من نمط أنتاجي ولد في رحم النظام الإقطاعي الى أسلوب الأنتاج السائد فبرز رجال اقتصاد سياسي تابعوا تطور النظام الرأسمالي وكتبوا عنه كآدم سمث وستيوارت ملّ وريكاردو وهم من كبار الاقتصاديين البريطانيين.
ماركس طبق قوانين الجدل على النظام الرأسمالي فاستخلص قبل كل شيء القوانين الاقتصادية للتشكيلة الرأسمالية وتوصل الى أن هذا النظام يقوم على أساس الإنتاج البضاعي وان كل شيء فيه بما في ذلك قدرة الإنسان على العمل معدة للبيع في السوق كبضاعة وتوصل الى ان للبضاعة صفة مزدوجه من جهة قدرتها على تلبية حاجة من حاجات الإنسان وبذلك تكتسب قيمتها الاستهلاكية ومن جهة أخرى تبادلها في السوق وبذلك تكتسب قيمتها التبادلية وحدد أن قيمتها التبادلية يقرها الوقت المبذول اجتماعياً على إنتاجها.
ماركس بعد استقراره في لندن انكب على دراسة الإحصائيات والتقارير التي تنشر في الصحف حول الوضع في البلدان الرأسمالية وتوصل الى كتابة مؤلفه الشهير (رأس المال).
درس تراكم رأس المال، خواص البضاعة، قوانين التبادل، وابرز استنتاجاته آنذاك التوصل الى (قيمة قوة العمل) (والقيمة الزائدة).
ماركس قسم المجتمع في الدولة الرأسمالية الى قسمين: قسم يملك ولا يعمل وقسم يعمل ولا يملك. القسم الاول هو البرجوازية والقسم الثاني هو الطبقة العاملة وهما موجودان بحكم الضرورة وفي حالة الوحدة الديالكتيكية. لدى صاحب رأس المال النقد والآلات وعليه فهو بحاجة الى قدرة العامل على العمل لتدوير تلك الآلات وإنتاج الخيرات المادية. لدى العامل القدرة على العمل فقط وعلية فهو بحاجة الى بيعها – كبضاعة – الى صاحب رأس المال ليحصل منه على النقود ليبني أسرته ويعيلها ويجدد قدرته على العمل.
كما قسم العمل الى قسمين: القسم الضروري والقسم الفائض.
القسم الضروري هو القسم الذي ينتج فيه العامل بضائع تعادل الاجر الذي يدفع له لكي يكون اسرة ويجدد قدرته على العمل.
اما القسم الزائد فهو القسم الذي ينتج فيه العامل بضائع يستولي عليها الرأسمالي دون ان يدفع للعامل أي مقابل عنها. وهذا هو مصدر ارباحه وايضا مصدر استغلاله للعامل. وحدد وبشكل قاطع المآل التاريخي للتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية وانها حالة تاريخية عابرة في تاريخ البشرية وانها سوف تخلي المكان للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الأرقى الاشتراكية وفي النهاية الشيوعية.
متى؟ هذه مسألة اخرى وقد أشار لها ماركس في المقدمة التي كتبها لمؤلفه الهام (اسهام في نقد الاقتصاد والسياسي).
(
كما اننا لا نستطيع ان نحكم على الفرد من خلال الفكرة التي يكونها حول نفسه كذلك لا نستطيع ان نحكم على مثل هذه الفترة من الانقلابات من خلال وعيها لذاتها. بل يجب، على العكس من ذلك تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية، الصراع القائم بين القوى الانتاجية الاجتماعية وعلاقات الانتاج. ان تشكيلاً اجتماعيا معينا لا يزول قط قبل ان تنمو كل القوى الانتاجية التي يتسع لاحتوائها ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات انتاج جديدة ومتفوقة ما لم تتفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه ومن اجل ذلك لا تطرح الانسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها).
وبذلك انقسم علم الاقتصاد السياسي الى قسمين متباينين: الاقتصاد السياسي البرجوازي والاقتصاد السياسي الماركسي.
الاقتصاد السياسي البرجوازي اخذ على عاتقه التستر على عيوب البرجوازية وإخفائها عن الأعين أما الاقتصاد السياسي الماركسي فهو الذي يعرّي عيوب الرأسمالية ويفضح أساليب البرجوازية في استغلال الطبقة العاملة ونهب الشعوب.
وهذه هي المهمة التي أداها مؤلفه (رأس المال) الذي أمضى ماركس سنين عديدة بين معدٍ للمعلومات التي تساعده في جهده ذاك وبين كتابة (رأس المال).
في تلك الفترة كان ماركس يعاني من ضائقة اقتصادية مؤذية حيث استند في تدبير امور العائلة المعاشية على المساعدة الاقتصادية التي كان يقدمها له فردريك انجلز الذي اضطر للعمل كي يزيد من دخله ليتمكن من مساعدة كارل ماركس فأية رفقة كانت رفقة كارل ماركس و فردريك انجلز!
بعد وفاة والد انجلز لم يعد مضطراً للعمل فهو الوارث لوالده وأصبحت تعود له حصة والده من مردود معمل النسيج في مدينة مانشستر البريطانية الذي كان لوالده حصة فيه.
وتحسنت ظروف ماركس بعد أن أرسل الكتاب الأول الى الطبع.
وبذا لم يعد هناك أي مبرر لوجودهما بعيدين الواحد عن الآخر فكتب انجلز رسالة لوالدته معبراً فيها عن فرحه بذلك: (لقد تحررت يا أمي. لقد تحررت وأصبح بإمكاني الانتقال الى لندن لأكون قريباً من ماركس).
ماركس جاءنا بالمادية التاريخية، فلسفة التاريخ وهذا ما ينبغي ان يدرس جيداً ويفهم جيداً. كتب انجلز في مؤلفه (لود فيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية) عن مادية ماركس التاريخية يقول (نظرية ماركس في التأريخ توجه ضربة مميتة للفلسفة في ميدان التأريخ كما ان المفهوم الديالكتيكي عن الطبيعة يجعل كل فلسفة للطبيعة غير مجدية وغير ممكنة. والمهمة الآن هنا وهناك لا تتقوم في اختلاق العلاقات اختلاقاً بل في اكتشافها في الوقائع نفسها) (أن الاتجاه الجديد وجد في تاريخ تطور العمل المفتاح لفهم كل تاريخ المجتمع).
وكتب أيضا يقول: (كان التاريخ لحد ماركس مجرد تدوين لمعلومات ووقائع معينة. أما بعد ماركس فقد أصبح التاريخ يدرس لماذا أخذت الحركة هذا المسار ولم تأخذ مساراً آخراً لقد تحول التاريخ على يد ماركس من تدوين وقائع ميتة الى فلسفة للتاريخ).عندما كنت طالباً في الابتدائية وفي الثانوية في درس التاريخ لم يطرح علينا عن الثورة الفرنسية غير موضوع المقصلة وكيف اعدم لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت وماذا فعل بونابرت ؟ أين ذهب، أين جاء؟ أين انتصر؟ وفي أية معركة هزم؟
أما لدى ماركس فقد وجدت البحث عن صراع الطبقات وان الثورة الفرنسية هي ثورة الشعب ضد الملكية، ضد الاستبداد، من اجل الديمقراطية وأنها الثورة الأولى للبرجوازية ضد الإقطاعية وإنها نهاية تشكيلة اقتصادية اجتماعيةالإقطاعية – والبداية لتشكيلة اقتصادية اجتماعية جديدة – الرأسماليةوأنها الحل للصراع بين النقيض النامي والنقيض الشائخ بين علاقات الإنتاج الرأسمالية التي ولدت في رحم الإقطاعية وعلاقات الإنتاج الإقطاعية السائدة، أنها كسرت القيود التي كانت تعرقل تطور القوى المنتجة، ألصراع بين القوى المنتجة وهي النقيض النامي وعلاقات الإنتاج السائدة وهي النقيض الشائخ الهرم الذي كان لابد أن يزاح، فكانت الثورة هي الحل، وان الشعوب هي صانعة التاريخ من خلال الألوف من الصدف وعبر اصطدام إرادات الملايين من البشر، انها محصلة الصراع بين علاقات الانتاج السائدة ومستوى تطور القوى المنتجة، ان الثورة لحظة حلّ هذا التناقض، هذا الصراع، ووفقاً للمصطلحات الفلسفية انها لحظة القفزة، وكما ذكر ماكس في المانفيست- البيان الشيوعي الاول- عام 1848 (ان صراع الطبقات كان ينتهي اما بأنقلاب ثوري يشمل المجتمع بأكمله وأما بأنهيار الطبقتين المتناضلتين معاً) – المختارات الكتاب الاول ص50.
في المقدمة التي كتبها ماركس لمؤلفه (اسهام في نقد الاقتصاد السياسي) ورد القول:
(
تقوم بين الناس، في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، صلات معينة ضرورية مستقلة عن أرادتهم وهي علاقات أنتاج تقابل درجة معينة من درجات نمو قواهم الإنتاجية المادية، ويؤلف مجموع هذه العلاقات الإنتاجية البنية الاقتصادية للمجتمع وهي القاعدة ألمشخصه التي تقوم فوقها بنيه فوقية حقوقية وسياسية والتي تقابلها أشكال معينة من الوعي الاجتماعي. ان أسلوب أنتاج الحياة المادية يشترط سلسلة أفاعيل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بصورة عامة).
(
ليس وعي الناس هو الذي يُعين وجودهم، بل أن وجودهم الاجتماعي على العكس من ذلك هو الذي يعين وعيهم. وتتناقض قوى المجتمع الإنتاجية المادية، في مرحلة معينة من نموها، مع علاقات الإنتاج القائمة أو مع علاقات الملكية التي ترعرعت في صميمها حتى ذلك الحين، وهذه العلاقات الأخيرة ليست سوى التعبير الحقوقي عن علاقات الإنتاج. وتتحول هذه العلاقات من أشكال لنمو القوى الإنتاجية الى عوائق في وجه هذه القوى. وعند ذلك يفتتح عهد من الثورة الاجتماعية ويزعزع التغير في القاعدة الاقتصادية البنية الفوقية الضخمة زعزعة متفاوتة السرعة). مع التأكيد على أن تجارب البلدان والشعوب لا تستنسخ بل لكل بلد طريقه الخاص عبر ظروفه الموضوعية الخاصة.
ومن اجل فهم مادية ماركس التاريخية من المفيد الرجوع إلى مؤلف انجلز (لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية) ومؤلفي ماركس (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت) و (الحرب الأهلية في فرنسا). كذلك من الضروري الرجوع الى (البيان الشيوعي) الذي أعده ماركس وانجلز ونشر عام 1848. ماركس المفكر، كان مناضلاً ثورياً. وضع تكتيك نضال البروليتاريا وسار في مقدمة المناضلين من اجل تحرير البروليتاريا من الاستغلال الطبقي. أسس وقاد حزب الطبقة العاملة. أسس الأممية الأولى وقادها هو وانجلز. وفي ذلك النضال توفرت له الفرصة لوضع النظرية موضع التطبيق العملي والعمل على تشذيب نواقصها والتخلي عما شاخ منها وما لم تزكه الحياة. فعلى ضوء تجربة كومونة باريس أجرى التعديل الأول للبيان الشيوعي الذي كتب هو وانجلز مقدمة له تقول انه (شاخ في بعض مواقعه) وأوصى هو وانجلز ضرورة التعامل مع النظرية – مع الماركسية – على أنها (مرشد للعمل) وليست (رافعا هيكلياً)
لقد وضع ماركس العلم موضع التطبيق العملي، وإذا كانت الحياة قد غيبته عام 1883 فأنه وكما ذكر المناضل الفلسطيني (اميل حبيبي) بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، (سيبقى ماركس حيا وسيبقى ديالكتيكه واقفاً على قدميه).
وعن دوره في وضع النظرية كتب انجلز في حاشية في مؤلفه (لودفيغ فورباخ) يقول:
(
أجيز لنفسي هنا إيضاحاً شخصياً واحداً. لقد أشاروا حديثاً غير مرّة الى أسهامي في وضع هذه النظرية. ولهذا أراني مضطراً هنا الى قول بعض الكلمات لتوضيح هذه المسألة. فأنا لا استطيع أن أنكر أنني اشتركت بصورة مستقلة الى حد ما، قبل وأثناء تعاوني خلال أربعين سنة مع ماركس، سواء في تثبيت النظرية التي نتكلم عنها ام في وضعها على الأخص، ولكن الجزء الأكبر من الأفكار الأساسية الموجهة وخاصة في الميدان الاقتصادي والتاريخي، ولاسيما فيما يتعلق بصياغتها الواضحة النهائية إنما هي جميعها ترجع الى ماركس. وما أسهمت به إنا، كان بإمكان ماركس ان يفعله بكل سهولة بدوني – ربما باستثناء ميدانين أو ثلاثة من الميادين الخاصة. ولكن ما فعله ماركس، ما كان في مستطاعي أنا ان أقوم به أبداً ان ماركس كان أعلى منا جميعا. وكان يرى أبعد وأوسع وأسرع منا جميعاً. أن ماركس كان عبقرياً، أما نحن فكنا، على أكثر تقدير موهوبين. ولولاه لكانت نظريتنا بعيدة جداً عما هي عليه اليوم ولهذا فأنها تحمل بجدارة اسمه)
مجداً للذكرى السنوية المائتين لميلاد كارل ماركس.