رشيد غويلب
بعد 58 يوما من حرب استنزاف،ومقاومة بطولية، وفي ظروف غاية في الصعوبة، استطاع الجيش التركي ومرتزقة الجيش السوري الحر الاحد احتلال مدينة عفرين السورية. ولم يواجه المحتلون عند دخولهم مركز المدينة مقاومة كبيرة، بعد قرار المدافعين عن المدينة الانسحاب، وتجنيب المدنيين خطر ابادة جماعية. وقد شهدت المدينة المحاصرة في الايام الاخيرة كثافة في القصف الجوي والمدفعية. وفي هذا السياق جرى ليلة السبت الفائت قصف مستشفى المدينة الرئيس، مما ادى، على الأقل، إلى مقتا 16 شخصا. ووفق تقارير اعلامية، طالت عمليات القصف قافلة سيارات كانت تقل لاجئين، وادت إلى مقتل المئات منهم.
ولتجنب مجزرة ابادة جماعية، تم نقل القسم الأكبر من سكان المدينة إلى منطقة شيبا المجارة، جاء ذلك في تصريح للرئيس المشارك للمجلس إدارة المنطقة اسمان شيخ عيسى خلال مؤتمر صحفي. وقالت نائبة رئيس منظمة الصليب الأحمر الكردية، لوسائل اعلام المانية، إن النزوح شمل 900 الف من سكان المدينة الأصليين.
وسار مرتزقة الجيش السوري الحر في شوارع المدينة المهجورة. واحتفل الإسلاميون بنجاحهم رافعين سكاكينهم راسمين علامة النصر التي تستخدمها داعش. واعلن الإرهابيون ذبحهم اثنين من المقاومين.

عمليات نهب واسعة

وبعد غزوهم المدينة ، قامت مليشيا الاحتلال بنهب واسع للمنازل والمحال التجارية، ناهيك عن الدوائر والمقرات العسكرية.هذا ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقراً له. كما نقل مراسلو وكالة الأنباء الفرنسية معلومات عن مشاهد نهب عديدة. وشملت المواد المنهوبة صناديق طعام، بطانيات، دراجات نارية. واستخدموا الجرارات الزراعية لنقل السيارات المنهوبة خارج المدينة. ولم تستثن عمليات النهب الحيوانات كالماعز والأغنام.
وتخطط الحكومة التركية إلى ضم عفرين الى سلطنتها الجديدة، وفي هذا الإطار يجري الحديث عن التوجه لإجراء تغيير ديموغرافي كبير بواسطة احلال نازحين عرب محل سكان المدينة الأكراد، والبدء بمنحهم الجنسية التركية، وهو مؤشر واضح عن نية انظام أردوغان ابتلاع المدينة.

استمرار المقاومة

وأكد بيان مشترك صدر عن ادارة المنطقة والوحدات المسلحة المدافعة عنها على إن "المقاومة في عفرين ستستمر"، واضاف البيان "بإمكان المحتلين رفع اعلامهم الان في المدينة، ولكنهم لن يجبروا شعبنا على الاستسلام". وان مسلحي المقاومة لا يزالون موجودين داخل المدينة المحتلة. ونفى المتحدث باسم المقاومة بروسك حسك انسحاب وحدات الدفاع إلى خارج المدينة. وشهد مركز عفرين الاحد الفائت مقتل العديد من الجنود الأتراك والمرتزقة على اثر تفجير نفذه المقاومون. وعدت هذه العملية بمثابة الانتقال من حرب الجبهات إلى حرب وحدات المقاومة الشعبية.
لم يكن العدوان التركي على عفرين محط اهتمام رسمي عالمي، لكنه وجد صدى واسعا في وسائل الاعلام. وقد أدين الهجوم على نطاق واسع، وعلى سبيل المثال ، توصل البرلمان الأوروبي الى قرار ضد الهجوم. لكن المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية ظلت صامتة، باستثناء الحكومة الفرنسية التي طرحت مشروع قرار ادانه في كان الثاني 2018 على جدول أعمال مجلس الأمن، ولكن دون نجاح يذكر. ولم تستجيب الحكومة التركية إلى قرار الأمم المتحدة الصادر في 24 شباط، والداعي إلى وقف جميع الأعمال الحربية في سوريا. وفي الواقع ، كان قرار الأمم المتحدة موجهاً إلى الحكومة السورية ، التي تجاهلت ذلك بدورها. وهدف الحكومة السورية وحليفتها روسيا هو استعادة الغوطة الشرقية ومحافظة ادلب. ولذلك اقدمت الحكومة السورية على تنازلات مؤقتة لتركيا، التي استغلت انشغال الفرقاء بجبهات اخرى لتنفذ خططها الخاصة باحتلال عفرين. ان التضحية المؤقتة بالمنطقة، قد لا تعكس بالضرورة المصالح بعيدة المدى للنظام السوري. كما ان عدم التنسيق بين الحكومة السورية والادارة المحلية في عفرين، ربما يعود لعدم وجود ما يمكن ان يقدمه النظام السوري لسكان عفرين حاليا.
وشاركت القوات التركية في حربها على المدينة تشكيلات مسلحة لمنظمات ارهابية كانت حتى الأمس القريب جزءاً من القاعدة وداعش وجبهة النصرة، فضلا عن مشاركة منظمات فاشية تركية، مثل منظمة "الذئاب الرمادية". ولا يبدو الأمر مستغربا، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الدور الذي لعبته تركيا كمحطة لنقل المقاتلين لداعش قبل وخلال احتلالها لعدد من المحافظات العراقية، والتي حررها الجيش العراقي والتشكيلات الداعمة له في الأشهر الأخيرة.