طريق الشعب
تظهر المعطيات الاقتصادية الراهنة الكثير من الشكوك ازاء مستقبل الاقتصاد الايراني الذي لا يزال يعاني مشاكل جمة، وزاد من اجواء غموضه تصريحات ترامب بانه سيمدد العمل للمرة الاخيرة بتعليق العقوبات الدولية مطالبا اوروبا بالعمل مع بلاده من اجل "التصدي للثغرات الكبيرة" في نص الاتفاق النووي.
ففي أقلّ من عام كسرت العملة الإيرانية أرقاما قياسية في الهبوط أمام الدولار مستقرة عند حافة الخمسة آلاف تومان، أو الخمسين ألف ريال. وخلال أقل من شهر ارتفع الدولار 400 تومان ليصل إلى 4985 يوم 13 شباط 2018، وبذلك يكون رسميا قد قفز خلال أقل من عام ألف تومان، ولهذا أسبابه التي لا يمكن حصرها في الجانب الاقتصادي فقط وللسياسة في ايران باب على الاقتصاد والعكس صحيح.
وفي السنوات الماضية وصلت معدلات الفائدة على الودائع في بعض المصارف إلى أكثر من 20 في المائة . وأبدى العديد من المصارف الاجنبية حذرا شديدا قبل العودة الى ايران اذ هناك مخاوف من تكرار العقوبة القياسية التي فرضت على مصرف "بي ان بي باريبا" الفرنسي لخرقه العقوبات الامريكية على ايران والتي بلغت 8,9 مليارات دولار.
وتبدو الآمال الحكومة ضعيفة بجذب استثمارات اجنبية بقيمة 50 مليار دولار في العام بعد ان قالت طهران ان قيمة الاستثمارات الاجنبية في العام 2016 كانت اقل من 3,4 مليارات دولار، لكن دبلوماسيين اوروبيين يقولون ان امورا كثيرة تحصل في الكواليس. اذ أن هناك ازديادا في وتيرة الاتفاقات حول تجهيزات صناعية وحقول الطاقة الشمسية ومزارع منتجات الالبان في العامين الماضيين.
والفارق الكبير خلال عهد ترامب هو السرية. ويقول رجل الاعمال الغربي ان "الاتفاقات تتم في الكواليس اذ ليس هناك فائدة من الاعلان عنها. هناك جهات كثيرة لديها مصالح في الولايات المتحدة او لدى مستثمر أمريكي ولا تريد ان تصبح هدفا".
ومنذ العام الماضي، يخفض المركزي الإيراني تدريجيا قيمة الريال للتعويض عن التضخم المرتفع في إيران والمساعدة في جعل الصادرات أكثر قدرة على المنافسة، لكن هبوط الريال تسارع في الأسابيع الماضية مما يشكل تحديا للسلطات التي انتهت للتو من احتواء موجة احتجاجات شعبية، على خلفية مصاعب اقتصادية وفساد، امتدت إلى أكثر من 80 مدينة وبلدة وأودت بحياة 25 شخصا.
وقد يؤدي ضعف كبير للعملة إلى زيادة السخط برفع التضخم، الذي يبلغ حاليا حوالي 10 في المائة، وتآكل دخول الإيرانيين العاديين، ويقول مصرفيون تجاريون إن أحد أسباب هبوط الريال، طلب موسمي على الدولارات يميل الى الارتفاع في هذا الوقت من العام مع سفر الإيرانيين إلى الخارج، لكن العملة الإيرانية ضعفت أيضا بسبب الاحتجاجات الشعبية والقلق من أن الروابط الاقتصادية مع الدول الأجنبية قد يلحق بها المزيد من الضرر إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي.
وكان من شأن خيبة الأمل في رفع العقوبات عن إيران في كانون الثاني 2016 وعدم حدوث ازدهار اقتصادي إذكاء الاحتجاجات التي شهدت مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، وبدلا من ذلك، واصل الجانب غير النفطي من الاقتصاد معاناته حيث يبلغ المعدل الرسمي للبطالة نحو 12,5 في المائة، بينما يصل معدل التضخم إلى نحو عشرة في المائة. وفي واقع الأمر، يتجاوز معدل البطالة بين ملايين الشباب الإيرانيين تلك التقديرات.
وهبط سعر العملة المحلية إلى 42 ألفا و900 ريال مقابل الدولار من 36 ألفا قبل عام. وربما تدعم حكومة روحاني عملة البلاد من خلال إنفاق المزيد من الاحتياطيات الأجنبية، لكن ذلك يهدد الاستثمار الأجنبي، حيث حذر صندوق النقد الدولي من مثل تلك السياسة في الشهر الماضي، وعزا محللون اقتصاديون جانبا كبيرا من ضعف الأداء الاقتصادي إلى مشكلة هيكلية متجذرة، وهي تأثير الكيانات شبه العسكرية مثل قوات الحرس الثوري والمؤسسات الدينية على أنشطة الأعمال.
فيما يعتقد خبراء اقتصاديون كثيرون أن إيران يمكنها منع هبوط غير محكوم لعملتها. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن الاحتياطيات الأجنبية الرسمية لدى إيران بلغت أكثر من 130 مليار دولار أوائل العام الماضي، ومن المرجح أنها زادت بفعل ارتفاع أسعار النفط منذ ذلك الحين، لكن تقلبات الريال في الأسابيع القليلة الماضية أبرزت المهمة الصعبة التي تواجه البنك المركزي في إدارة العملة.