رشيد غويلب
تتنوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتجربة التاريخية لمختلف بلدان العالم التي ينخرها الفساد المالي والإداري. وبالنسبة للفاسدين لا يغير في الأمر شيئاً، ان كانوا يعيشون في بلدان غنية كالعراق، او اخرى فقيرة مثل هايتي. وفي المقابل فان اساليب مقاومة آفة الفساد متماثلة هي الأخرى. وهذا ما اشرته الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها عاصمة هايتي في 18 تشرين الثاني الجاري.
لقد خلفت تلك الاحتجاجات الحاشدة ضد الفساد، وفق المعطيات الحكومية، ما لا يقل عن 6 قتلى. وتتحدث المجموعات المعارضة عن سقوط 11 ضحية، بعد ان شهدت العديد من مدن البلاد صدامات بين المحتجين وقوات الشرطة. وعلى اثر ذلك، واحتجاجا على عنف الشرطة المنفلت، شهدت البلاد، وفق تقارير لوسائل اعلام محلية اضراباً عاماً، ادى الى شل حركة النقل في شوارع العاصمة "بورت أو برانس" التي بدت خالية من المارة. كما اغلقت جميع المدارس، وسمع صوت اطلاقات نارية متفرقة، وكانت قوات الشرطة المقنعة تجوب شوارع المدينة.
وفي اليوم الذي سبق الاضراب خرج مئات الآلاف من السكان في جميع انحاء البلاد الى الشوارع، مطالبين بالكشف عن مصير العديد من مليارات الدولارات، التي تلقتها هايتي في سنوات 2008 – 2016 في اطار مبادرة "بتروكاريبي" التي اطلقها الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز. وكان يجب أن تخصص هذه الأموال لمشاريع اجتماعية، مثل بناء المدارس والمستشفيات أو تطوير البنى التحتية. وكانت لجنة برلمانية قد توصلت في العام الفائت الى اختفاء ما لا يقل عن ملياري دولار. ولم تكتف اللجنة بالإشارات العامة، بل ذكرت اسماء الوزراء ومستشاري رئيس الجمهورية الحالي يوفنيل مويس، وأسلافه المتورطين في الفضيحة. وعلى الرغم من ذلك لم يجر تحريك القضاء ضد المتهمين. ولكن بعد التظاهرات التي اجتاحت البلاد في الشهر الفائت، والتي ادت الى سقوط ضحايا، لم يعد بإمكان الرئيس الاستمرار في التسويف، فبادر الى اقالة الوزراء المتهمين، والسكرتير العام للدائرة الرئاسية. ودعا مويس جميع الكتل في برلمان البلاد الى تشكيل "حكومة وحدة وطنية". لكن هذه الاجراءات لم ترضِ اوساطا واسعة من السكان. وصرح المرشح الرئاسي السابق ، كلارنس رينوا من حزب "الاتحاد الوطني للنزاهة والمصالحة" ، لإحدى الصحف لأسبوعية، ان التعديل الوزاري لا يمكن أن يخفّف من الوضع المتوتر، و "علينا أن نأخذ مشكلات البلاد على محمل الجد ، والا سيتعين علينا تغيير الحكومة كل شهر".
معروف ان هايتي تعتبر واحدة من أفقر بلدان العالم وهي تعتمد إلى حد كبير على المساعدات الخارجية، وتنشط داخل اراضيها العديد من المنظمات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك ، وحتى نهاية العام الفائت ، كانت تتمركز في هايتي، و كجزء من بعثة الأمم المتحدة، قوات أجنبية، جرى استخدامها في مهاجمة المحتجين مرات عديدة. ولهذا حمّل بيير نجاد دوبينور من جامعة العاصمة هذه القوات مسؤولية الاشتراك في تصعيد الأزمة. وفي الأصل شاركت هذه القوات في التدخل العسكري لكل من للولايات المتحدة وشيلي وفرنسا وكندا ، الذي اطاح بالرئيس جان برتراند أريستيد. كذلك تفاقمت الحالة في البلد الذي يعاني من شحة الموارد، في أوائل عام 2010 بسبب زلزال مدمر، وانتشار وباء الكوليرا.
هذا فيما دعت زعيمة حزب "فانمي لافالاس" الديمقراطي الاجتماعي "مارسي نارسيسي" الى اسقاط "نظام العبودية" وتشكيل حكومة انتقالية ، اضافة الى انتخاب جمعية دستورية، معلنة : "ان الناس يريدون بلدًا آخر ، وحكومة اخرى ".