في العام 1973 تقرر تنسيبي لرئاسة وفد حزبنا في عيد اللومانتيه الذي يحل في شهر سبتمبر/ايلول من كل عام.
كانت فعاليات العيد تعقد كل عام في غابة بولونيا في باريس. غير ان سيطرة اليمين الفرنسي في العام المذكور على بلدية باريس، أدت الى حرمان الحزب الشيوعي الفرنسي من عقد هذا المهرجان في باريس. الحزب الشقيق قبل التحدي وقرر عقد المهرجان في منطقة كورنوف، وهي احدى بلديات ضواحي باريس التي كانت بلديتها تحت قيادة الشيوعيين، شأن العديد من غالبية بلديات ضواحي باريس يوم ذاك. وكان يتوجب ان يشرع الحزب في تهيئة منطقة جرداء في هذه الضاحية لتكون أرض المهرجان، وهي مهمة مجيدة قام بإنجازها الرفاق الشيوعيون خير قيام.
قبل يوم واحد من بدء المهرجان، استقبل رئيس تحرير جريدة اللومانتيه، وهو أحد قياديي الحزب، رؤساء وفود الاحزاب الشيوعية والصديقة، وشكرهم على حضورهم وعلى "جلبهم" الشمس، حيث كان اليوم مشمساً بعكس ما سبقه من ايام سبتمبر/ايلول. والطريف ان السماء امطرت في صباح اليوم الأول للمهرجان. ولحسن الحظ ان المطر كان خفيفاً ولفترة قصيرة جعلت منه أمراً نافعاً وليس معرقلاً لإقامة المهرجان، اذ رشّ ارض المهرجان المتربة.
ان مساهمة أي حزب في المهرجان كانت تتطلب دفع ايجار لقطعة الارض التي يقيم عليها خيمته. ولذا فقد أخذت معي بعض المواد التي يمكن بيعها في خيمة "طريق الشعب" وتسديد ما يتوجب علينا دفعه الى ادارة المهرجان الى جانب بعض المشروبات والمأكولات التي يتعاون على إعدادها رفاق الحزب في منظمة باريس بمعونة ضيوفهم من البلدان الاوربية الأخرى. وكان من بين المواد التي أخذتها معي، شفّين من صنع السماوة في العراق، زاهية الألوان ومحاكة يدوياً حياكة جميلة بألوان زاهية، وكذلك مجموعة من القلائد النسائية الجميلة التي أبدعتها أيادي التنظيم النسائي في العراق ودمشق.
كان الاقبال على زيارة خيمة "طريق الشعب" في المهرجان كبيراً، الأمر الذي جعل شراء المواد المذكورة، وكذلك المأكولات التي يعدها الرفاق من مشويات غيرها، كبيراً. اذ بيعت كل المواد التي أخذتها معي، وكل ما استطعنا إعداده في اليوم الأول من المهرجان. بحيث اضطررنا في اليوم الثاني من المهرجان ان نستعين بالبطيخ الأحمر (الرقي) لبيع أشيافه في المهرجان. الأمر الذي وفّر مبلغاً من المال ساعدنا على دفع ايجار ارض خيمتنا، وزاد عن ذلك مما كان ايراداً الى مالية الحزب.
كان الرفاق الذين نظموا ادارة خيمة "طريق الشعب" وتنظيم معرض لأدبيات الحزب، وبعض الفعاليات الثقافية من مقابلات وغيرها عديدين، اتذكر منهم الرفيق احمد العياش – أخ القائد العمالي الرفيق عبد القادر العياش والرفيق الدكتور خالد السلام والرفيق الفنان صلاح جياد، ومعذرة للرفاق الآخرين الذين لا أستطيع تذكرهم الآن، وربما كنت ذكرتهم في ما كتبته عن المهرجان في "طريق الشعب" يوم ذاك.
نجح المهرجان نجاحاً باهراً اذ تجاوز من ساهموا فيه المئة وخمسين ألفاً، وهناك من يقدّر المساهمين بربع مليون انسان، وهو ما يؤكد ان مهرجان اللومانتيه هو اوسع مهرجان شعبي في فرنسا، منذ بدء انعقاده قبل حوالي خمسين عاماً او يزيد.
كان عدد زوار خيمة "طريق الشعب" كبيراً من عرب وفرنسيين واجانب من شتى القارات. وكانت تعقد في الخيمة فعاليات عديدة منها مشاهدة معرض للصحافة الشيوعية العراقية ومقابلات مع الرفاق العراقيين عن الوضع في العراق ومواقف الحزب الشيوعي العراقي، وغيرها من الفعاليات.
ومما اتذكره ان قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي الشقيق اقامت دعوة غداء لرؤساء الوفود الشقيقة والصديقة في مطعم يقع في برج إيفل وسط باريس، وكان من بين الحضور المناضلة الشيوعية الامريكية انجيلا ديفيز، التي كانت قد اقيمت حملة عالمية للتضامن معها ضد تعسف السلطات الامريكية. وكمظهر من مظاهر التضامن معها اعطيت فرصة الحديث بإسم الوفود الاجنبية في المهرجان، وتحدثت بالفرنسية بطلاقة، وقيّمت عالياً دور جريدة اللومانتيه، لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي، في الحملة التي اقيمت للتضامن معها. وكذلك دورها الكبير في إقامة هذا المهرجان السنوي، الذي يضم عشرات الصحف الشيوعية ، وينتهي في يوم الأحد الذي يلي بدء المهرجان بحفل خطابي يتحدث فيه أحد الرفاق القياديين في الحزب الشيوعي الفرنسي، يتناول فيه أهم قضايا الساعة، ويعرض موقف الحزب الشقيق منها. ويحضر هذا الحفل عشرات الألوف من الفرنسيين والاجانب.
ومن المفرح جداً ان مساهمة حزبنا في المهرجان تطورت عما كانت عليه قبل خمسين عاماً، بحكم تعاظم مساهمات الرفاق من منظمات الحزب في الدول الاوربية، هذه المساهمة التي يقوم بالحديث عنها كل عام، مشكوراً، الرفيق داود امين (ابو نهران) ورفاق آخرون.