أجمل ما قرأنا عن الحب في تاريخ الشعر العربي منذ شعراء الجاهلية ومروراً بفترة صدر الأسلام والعصر الأموي والعباسي كانت قصائد لشعراء مثل قيس وليلى وجميل بثينة وكثير عزة وابن زيدون وولادة بنت المستكفي وغيرهم الكثير من العشاق الذين دائماً ما يقف الحب عائقاً بينهم وبين حبيباتهم فيفترقان ويبدأ الشاعر العاشق بكتابة قصائده بطريقة مازلنا نهيم بها ونحفظ ما يكتبون. لكن في عصرنا الحديث والذي عشناه ومازلنا نعيشه نادراً ما كنا نقرأ لشاعر عاشق ارتبطت ذاكرته بالحبيبة ونسي الماضي كله وكرس كل وقته وروحه وهيأ قلبه لعشقها، أحد هؤلاء القلة هو الشاعر حسين الحسيني ابن الوسط الثقافي العراقي الذي اصطادته شباك قلب مبدعة عراقية جميلة كانت كلما تطلّ من تلفزيون العراق وهي تشبه "انخيدوانا" يقف حسين الحسيني بإجلال وإكرام وهو هائم يذوب في عشقها، ترتجف أوتار قلبه ويتعكر سير الدماء فيها فيصمت وتصمت معه كل حواسه العشقية فاتحاً دفاتر آلامه من لوعة الحب، لم يتذكر سوى حبها وإخلاصه لحبها على الرغم من إنها لا تبادله الشعور ذاته! وكنا حين نسأله عن حبيبته يقول: "خذ ما تشاء ، إلا حكايات النساء"!
كان اصراره على الحب هو الأقوى من كل شيء فهو العاشق الجميل صاحب الإبتسامة العريضة المملوءة بالحزن والخوف من المجهول خاصة عندما يخلع نظاراته الطبية ليقوم بتنظيف عدساتها فنشاهد في وجهه كل حزن عشاق العالم ومآسيهم.
كان الشاعر بالضد من ثقافة نظام البعث وسياساته وكذلك كانت حبيبته التي اضطرتها الظروف القاهرة ومضايقات النظام آنذاك الى مغادرة العراق الأمر الذي قامت قيامة حسين الحسيني وأصبح تفكيره بها أكثر وقد اسودت الدنيا في وجهه، فعذاب العشق من طرف واحد يكون قاسيا، لكن لوعة الفراق أشد قساوة! لذلك ظل الحسيني يكتب لمعشوقته رسائل حب كثيرة من خلال قصائده التي ينشرها في الصحافة العراقية أو من خلال بعض مقالاته.
كان الشاعر الحسيني مشاكساً لطيفاً، وقد تمكن من إيصال صوته الى مديات بعيدة، وكان كثير الكتابة والنشر في صحف ومجلات عراقية وعربية، وقد أجريت معه العديد من الحوارات مع عمالقة الأدب العراقي ومثقفيه كما قدم الكثير من الدراسات النقدية الى جانب كتابته الشعر الذي ابدع فيه فهو طاقة جبارة في الصحافة الثقافية لا تضاهى.
وفي واحدة من قصائد الشاعر الراحل يؤكد فيها على الحب الحقيقي النابع من اعماق القلب فحين يرى حبيبته ويلتقيها يعتبر ثمة شخصا ثالثا ضمهما في عينه ألا وهو العشق، ولم يرَ الشاعر في لقائه مع حبيبته غيرها والهوى، فالناس تتلاش من امام ناظريه، وهنا نفهم أن الشاعر يصور لنا لحظة رومانسية أو قد تتفوق على الرومانسية بعينها حين يقول ان كل الناس "ظفر اعتقال".
لقد خلد شاعرنا الراحل شخصية المرأة والحبيبة التي هام بعشقها والتي يعتبرها مثل الوطن المفقود!
مدهش تشبيه المرأة بالوطن المفقود. يقول الشاعر العاشق الذي رحل عنا قبل سنوات بعد أن أوقعه مرض حبه طريح الفراش ومرض الزمن الغادر وصعوبة الحياة التي كان يعيشها الشاعر:
حين اجتمعنا والهوى ثالث
ضمنا في عينه ابتهال
غاب جميع الناس عن ناظري
لان كل الناس ظفر اعتقال.

عرض مقالات: