ليست القراءة أن تمسك كتابًا تقلبه ثم تقرأ كلماته، القراءة اكتشاف للذات عبر اللغة، القراءة مصدرها"اقرأ" فعل الأمر الذي لم ينته عند حد، اقرأ يعني اكتشف، ابحث، اعرف، اسأل، القراءة دخول لعالم مبهم، القراءة سلاح ينجيك من مغبة السؤال، لذلك اقترنت القراءة بالإنسان، وليس بأي كائن آخر,  القراءة تجعلك جائسًا في عالم  غامض، عالم مكون من مبهمات تجسده الكلمات، إذا لم يكن القارئ يمتلك معنى القارئ العادي كما تقول فرجينيا وولف، لن يكون قارئًا ينشد التعلم. إنما هو قارئ متصفح عابر، قارئ لايقرأ، فتبدو الحياة بالنسبة له شاشة تمر الأحداث أمامه دون مشاركة منه، القراءة مشاركة، القراءة فعل اكتشاف،وفعل تكشف، القراءة بحث عن المخفي في المعلن، وإلا لا معنى لها دون فعل بارادة. ثم ما هي حقول القراءة؟ ربما لن تسعفنا الذاكرة كثيرًا في تعداد حقول القراءة، فبإتساع القراءة كمعرفة تتسع الحقول، فلكل حاسة من حواس أجسادنا عين تقرأ المجال الذي يخصها: العين عبر الرؤية تقرأ الأشياء، فتخزنها صورًا، وموجودات للعالم، وتميزألوانها وحجومها ومواقعها وأهيمتها، وتحوّل ما يكتب ويُشاهد ويتحرك إلى صور، العين كينونة الظاهرة وأداتها للكشف عن المرئي واللامرئي.  الإذن تقرأ ما تسمعه وتفسره بناء على سلسلة من المركبات العصبية، كي يتحول ما تسمعه إلى صور مجسَّدة ومتجسِّدة، والذوق يقرأ طبائع الرياح والروائح والعطور وميزات الناس، وتميز الطبقات وتنوع المصادر، الذوق نافذة قراءة على ابراج اللغة، وابعادها، من يملك ذوقا ينتمي للطبقة البرجوازية الغنية بالاختيار والخزن والمحافظة، والشم قراءة واكتشاف للعالم الداخلي للأشياء، هناك حيث مختبر الروائح ومكانها، الشم قراءة في مجهول الآخر، قراءة باطنية للشيء، وكذلك قراءة اللمس، هذا الذي يحسسك بالآخر، تلمس الشيء يعني نشدان معرفته، اللمس هو التكوين الذي يعين حدود القرب والبعد بين الأشياء والآخر، فالعالم تكوينات مفردة ما يوحدها في جماعات هو القرب منها، وما يفرقها هو البعد عنها، وما بين مسافات القرب ومسافات البعد ثمة فضاءات وحدود ترتسم على الجسد بخرائط عمل وتدوين وثقافة وممارسة وأسواق وبضائع ونمو ومصادر واكتشاف قارات وشعوب وجغرافيات، كل شيء لايتم فهمه إلا عبر القراءة، قراءة الحقل الخاص بالحواس، قراءة عالم الشعوب من أجل فهمها ومن ثم السيطرة عليها، هكذا وظفت الرأسمالية قراءة تراث الشعوب كي تهيمن على مكوناتهم الأنثروبولوجية. قراءة الاشياء وحدها تعلمنا كيف نكتب، هذه الرغبة الكونية التي تحيط بنا، وتلك التي لا نعرف مصادرها، تتكشف بالقراءة، القراءة التي تكشف تنوع الأتربة والرياح والمياه والنار، قراءة توصلك بخزين المعرفة التي كونت الإنسان وما يحيط به. ولن تكون قراءة الكتاب وفهمه لمجرد انك تقرأ كلماته بعينيك، قراءة الكتب، قراءة  بالحواس قراءة كيونية تشترك فيها كل حواس الجسد، وانت تقرأ تكون ممثلا على مسرح ذاتك، تروي لها ما قرأته، مجسدا عبر حركة حواسك لإنتاجها، ليست القراءة استنطاقًا للحواس، إنما هي انتاج لها، تجديدها، وعندما تتعطل القراءة تتعطل حواسنا..

عرض مقالات: