الفساد في عراق اليوم غدا ثقافة وسمة للمتنفذين على وجه التعيين، الذين لا يخلو أحد منهم " من وسام " قد علقه على صدره. متحدياً قشور القوانين المرعية .. لقد سمعنا يقال " المال السائب يشجع على السرقة " اليوم قد تحور هذا القول بحكم سلطة الحكم الراهن. الى ـ السارق السائب بلا حساب يشجع على ليس السرقة الخفية فحسب، وانما على النهب والفرهود السافر ـ لقد وصل الامر الى تقنين الفساد ذلك الذي جاء صارخاً في المادة " 16 " ضمن الموازنة الاخيرة التي اقرها البرلمان دون أدنى وجل او حتى اقل خجل. واذا ما وصل البرلمان العتيد الى تشريع عدد من مواد الموازنة التي تنطوي على فساد مؤكد، فيعني علينا ان نترقب سن قوانين تشرع الفساد باريحية بالغة.

يبدو ان قطار الفساد تخطى كافة محطات التوقف والمراجعة، لانها قد الغيت امامه، وصولاً الى فقدان نهاية سكته ايضاً. وليس من المستغرب عدم وجودها، كونها مرهونة بمستوى توفر موارد البلد المتدفقة المصادرة سلفاً. وكذلك القدرات المحنكة التي تجدد وتلون اسالب النهب المنظم. نلمس في المادة السادسة عشر من الموازنة البينة المقنعة على تشريع الفساد، والتي غير قابلة للدحض. وربما يصطف مضمونها مع استنتاجنا بانها تمثل المقدمة الاكثر وضوحاً من المواد الاخرى، التي لا تكاد تخلو واحدة منها من جيب فساد أخطر، يصب في مجرى تعويم المال العام واستباحته، بفضل كفاءة عقل المتنفذين الماكر المقتدر على تغليفه بعناية بغية تمريره بسلاسة دون اية معارضة. وان كانوا قد أفرغوا قسراً حتى اللجنة المالية البرلمانية من النواب المستقلين المعارضين، مثل ما جرى للنائبين الاستاذ سجاد سالم والاستاذة سروة عبد الواحد وغيرهم.

الفاسدون المتنفذون صاروا يتقمصون رداء اللصوص ويتفاخرون به علناً. اذ انهم ليسوا بحاجة الى ما يستر جرائمهم كونهم يحسبون ما يسرقونه من المال العام بانه موروثهم من اسلافهم الذين قد حرموا منه ، على حد قولهم . و قول احدهم " خطيب حسينية " ـ : (عندما يستولي " شيعي " على بيت او عقار تابع للدولة لا يجوز لاحد او اي سلطة ان تحاسبه، لانه يتمتع بارث قد سرق من ابائه واجداده سابقاً واليوم قد استرده.  كما يوصف الفقيرالمنهك الذي يصبح بين ليل وضحاها ـ مليارديراً ـ  بان هذة لفتة من الله .) بعد هذه المرحلة من تضخم دائرة الفساد المخيفة، يخشى من ان يتحول الفساد الى " عرف "..ايضاً  كما كان في الريف العراقي في الثلاثينات وقبلها  اذ يعتبر الحرامي الليلي هو الشجاع ومن زلم العشيرة المعتمدين، ولكن شتان ما بين سراق الماضي وسراق اليوم، حيث كان اللص لا يسرق جاره، ولايسرق الارملة، ولايسرق الفقير، ولا يسرق من اكل من زاده، ولا يسرق المال العام، بل كان يستهدف الاقطاعيين، الذين يستغلون الفلاحين ابشع استغلال، وكان بعض السراق يقوم بتوزيع ما يسرقه على المحتاجين ويحرم نفسه.

لم يبق امر يخلق التوقع بوضع حد للفساد سوى الثورة الشعبية السلمية، وتجدر الاشارة الى ان الفساد قد قام ومضى لهدف ستراتيجي. بمعنى انه ابعد من الاستحواذ على المال فحسب، انما لنخر العراق واستنزافه وجعله مهيئ للانهياروسقوطه كدولة موحدة الكيان الرسمي. ولن تقوم له قائمة، وحينئذ يجري تقاسمه بين ملوك الطوائف، الذين هم الان بذواتهم المتصدرون لحملات حمى الفساد..وهم موحدون في مهمتهم بكل ابعادها، يتخادمون الى حد التكافل . وان السيناريو الذي صنع لحماية لصوص " سرقة القرن " وغيرها من السرقات كانت غايته عدم الايقاع برؤوس الفاسدين الكبار الجاثمين على راس السلطة ، وايقاف مشروعهم الذي يختتم في ليلة نحر العراق واستعباد شعبه الباسل .. ولكن هيهات منه الخضوع والخنوع.

عرض مقالات: