إلى جانب سلسلتي “دليل روتلدج” التي تصدرها دار النشر التي تحمل الاسم نفسه، و”مقدمة قصيرة جداً” التي تقوم عليها “منشورات جامعة أكسفورد”، تمثل سلسلة “دليل كيمبردج” واحداً من أبرز المراجع الأكاديمية، في العالم الناطق بالإنكليزية، حول مختلف المواضيع التي تمتد من الفلسفة والأدب والتاريخ والموسيقى إلى علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والحقوق، وغيرها من حقول المعرفة الإنسانية.

ويوقع الأعمال المنشورة في هذه السلسلة عدد من الأكاديميين والمختصّين الذين يسعون إلى تسهيل فهم القراء للقضايا التي يتناولونها، من دون أن يعني ذلك تبسيطاً مفرطاً أو تجاهلاً للتعقيدات التي تقوم عليها بعض المواضيع.

عن مؤسّسة “مؤمنون بلا حدود”، صدرت حديثاً، بترجمة أشرف منصور، النسخة العربية من “دليل كيمبردج في تاريخ الفلسفة العربية”، وهو عمل صدر بالأصل الإنكليزي عام 2004، من تحرير بيتر أدامسون وريتشارد تايلور، ومشاركة مجموعة من الأكاديميين المختصّين في الفلسفة العربية والفلسفة الإغريقية والوسيطة.

الكتاب، الذي يضم 19 فصلاً، يتبع في مجمله خطاً زمانياً، حيث تُفتتح الدراسات مع ورقة لـ كريستينا دانكونا حول انتقال الترجمات العربية للفلسفة اليونانية، وبدء التفلسف بلغة الضاد، وهو ما يستكمله بيتر أدامسون في دراسته حول “الكندي وتلقي الفلسفة اليونانية”، لنصل، في نهاية المؤلَّف، إلى دراسات في انتقال التفلسف إلى الأندلس وفي بدء مترجمي ومفكري أوروبا اللاتينية الوسيطة بترجمة الفلسفات العربية ومناقشتها.

وخارج هذا التوزيع التاريخي، يشمل الكتاب مقالات موضوعاتية، مثل بحث سجّد ريزفي حول “الروحانية والفلسفة: ابن عربي والملا صدرا”، وتوني ستريت حول المنطق في تمظهره العربي، إلى جانب أوراق لمروان راشد حول “الفلسفة الطبيعية”، وديبوراه ل. بلاك حول علوم النفس العربية، وتشارلز بوتروورث حول “الفلسفة الأخلاقية والسياسية”.

ورغم أن هذه الترسيمة قد تبدو متقاطعة مع النظرة الأكاديمية الغربية التقليدية إلى الفلسفة العربية بوصفها “لحظة” وسطى بين التفلسف اليوناني والفكر اللاتيني الأوروبي وما تلاه، إلا أن دراسات الكتاب تبقى بعيدً عن هذا الحكم المسبق، ساعية ليس فقط إلى تبيان حلقات الوصل بين مختلف التقاليد الفكرية حول المتوسط، بل وقبل ذلك إلى التقاط خصوصيات الفكر المكتوب باللغة العربية، والذي كان “أكثر من مجرد استكمال للتقليد الفلسفي اليوناني”، كما يقول أدامسون في مقدمة العمل.